أكثر من حزب أو بالاحرى قوة إسلامية تتواجد على أرض العراق، منها قوى إسلامية تنتمي لتاريخ طويل نسبيا، ومنها قوى تشكلت بعد التغيير الذي حصل في العراق على يد قوات التحالف، كما أنها تتباين في طبيعة بنيتها الداخلية، فهناك قوى تستند إلى قواعد الحزب بالمعنى الغربي، أي قيادة مركزية، وخلايا ربما سرية أو تمزح بين السرية والعلنية، او علنية سافرة، ونشرة داخلية، ولجنة انضباط، وكسب حزبي، وما شابه ذلك من قواعد بنيوية، تكاد أن تكون لينينية من حيث الطابع التركيبي العام، كما أن هناك اختلاف في طبيعة العمل من قوة إلى أخرى، فهناك القوة الاسلامية التي تؤمن بالعمل الجماهيري الكاسح، وهناك قوة تؤمن بالعمل النخبوي المتعيِّن، وهناك القوة التي تجمع بين الأسلوبين أو النكهتين...
هذه القوى الإسلامية العراقية تعاني من نقاط ضعف، وذلك فيما إذا وضعنا في نظر الاعتبار المستقبل، وإنها الآن بشكل وآخر تساهم في إدارة دفَّة الحكم، وإنها جزء أساسي في كل العملية السياسية الجارية في العراق.
إن أوضح نقطة تعاني منها هذه القوى الاسلامية كلها أو بعضها من خلال معطيات معروفة ومعلومة هو كونها تفتقد إلى القيادة الظل، فالقيادات الحزبية في القوى الإسلامية العراقية تكاد أن تستحوذ على الحزب بكامله، وهي لم تعمل على توفير قيادات ظل يمكنها أن تواصل المسيرة الحزبية ـ بصرف النظر عن رأيي بالإسلام السياسي أصلا، فالكلام هنا وظيفي وصفي تحليلي ــ فيما لو تعرضت للفشل أو النكوص أو الغياب.
هذه القوى كلها أو بعضها مرهون الإرادة بالخارج بدرجة كبيرة، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن القوى الاخرى غير مرهونة بإرادات خارجية، بل هذه النقطة الحرجة هي مشكلة أو أخطر مشكلة يعاني منها العراق، والعراق ضعيف بسبب هذه الارتهان للخارج، بدرجة وأخرى، بشكل وآخر، بصورة وثانية، وهذا الارتهان له جذور تاريخية، وله في بعض الاحيان موجبات عقدية، وله في كثير من الأحيان اسباب تتصل بما تعاني منه هذه الاحزاب من اختراقات وخروقات في صميم بنيتها التنظيمية والعقدية أحيانا.
بعض هذه القوى أيضا حديثة النشاة، وبا لتالي، هي هشة النظم الداخلي، قابلة للانكسار في أي لحظة ممكنة، مجرد إغراءات ربما تكسر النظم وتشله، أو تضعفه أكثر.
هذه القوى بلحاظ عام تفتقر إلى نظام نقدي، نظام حزبي نقدي، يستطيع الحزب أن يجدد ذاته من خلال هذه النظام، نظام يقيم المسيرة، ويضع المواصفات المطلوبة للقيادة حسب تغير الظروف، وتبدل الاحوال... مثل هذا النظام ضرورة قصوى في عالم متغير، وفي ظل تحولات هائلة تجبه كل النظم والمكونات السياسية مهما كانت قوية ذاتيا وموضوعيا، أ ي على صعيد الفكر والتنظير وصعيد القاعدة الشعبية...
هذه القوى مرهونة أيضا بقواعد المحسوبية والمنسوبية، بقواعد الشخص البطل، أو الشخص الرمز، فحزب الدعوة الإسلامية كما هو واضح من خلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة ارتبط مصيريا برئيس الوزراء العراقي الداعية نوري جواد المالكي، ولقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن الأصوات التي حصل عليها أو فاز بها السيد المالكي هي التي أنقذت الحزب من التهاوي، بل من النسيان والاندثار، والمجلس الاعلى يستمد قوته الى حد كبير من الارث العائلي للسيد عمار الحكيم، وحزب الفضيلة مرهون الى حد معلوم بالشيخ اليعقوبي كمرجع مطروح، كشخصية راضية عن الحزب، مجرد أي خلاف بين الحزب والشيخ ربما تهدد الحزب با لنهاية المفجعة، والتيار الصدري قوته ولحمته ومصيره وقبله وعقله هو السيد مقتدى الصدر، أما تنظيم الدعوة فرع العراق فهو آلية وحسب...
هذه القوى، كلها أو بعضها، تخلت عن الفكر وانصرفت تماما إلى الكسب السياسي، الكسب الحكومي، الكسب الوظيفي، الكسب البرلماني، وربما نتصور إن هذا لا يشكل خطرا داهما على هذه القوى والاحزاب، باعتبار ان المرحلة هي مرحلة صراع على مثل هذه المكاسب، ولكن هذا التصور ربما يعالج القضية وقتيا، ولكن كما نعلم أن المستقبل حاجات، متطلبات، ليس على الصعيد المادي وحسب، بل الفكري، الدين اليوم يعاني من مشاكل كثيرة، الاسلام بحد ذاته يواجه اشكاليات مزعجة، فهل ننسى ذلك؟ وهل يكفي الكسب الوظيفي والحكومي والبرلماني في مواجهة مثل هذه الأزمات التي سوف تكثر وتتعمق في المستقبل القريب قبل المستقبل المتوسط؟
هذه القوى، كلها أو بعضها، أفراد وقيادات في هذه القوة أو تلك، ضربت مثالا سيئا في القدوة الدينية، والقدوة السياسية، والقدوة السلوكية، وهذه القضية أصبحت محل نظر وحوار ونقد الشارع العراقي، كما هي في الشارع الإيراني كما هي في الشارغ الغزِّاوي، وبطبيعة الحال ينعكس ذلك على مستقبل هذه القوى ومدى اخلاص وتفاعل الناس معها، إضافة إلى ذلك إنها ضربت المثل السيء في علاقتها مع بعضها، فهي تتصارع من أجل المكاسب المادية أكثر مما تتحاول حول مشاكل الامة، وما يمكن أن يخبئه المستقبل للدين والإسلام والاوطان والعالم الإسلامي...
نقاط ضعف أخرى تنتاب هذه القوى، ويبدو أن الأمل في تخطي هذه النقاط بعيد جدا...