بات من المؤكد أن أكثر من دولة اقليمية ترفض ان يترشح السيد المالكي لرئاسة الوزراء مرّة ثانية، بل ربما لا تسمح له بفوزه فيما رشح نفسه فعلا، وفي مقدمة الدول الاقليمية التي تصر على رفض المالكي مرشحا ورئيسا للوزراء، المملكة العربية السعودية، نقل ذلك أكثر من مصدر ومقرب من العملية السياسية العراقية، والسؤال الذي يطرح نفسه حقا، تُرى لماذا هذا الاصرار من جانب المملكة العربية السعودية، خاصة وان الرجل ابدى استعداده الكبير لأكثر من مرّة على مد يد التعاون والتفاهم مع كل دول الجوار وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، بل ربما المملكة تعلم جيدا إن المالكي حريص جدا على تجديد ولايته مقابل الكثير من التنا زلا ت لهذا النظام او ذاك؟
المملكة العربية السعودية تنظر الى السيد نوري المالكي بانه رجل اديولجي با لدرجة الاولى، فهو أمين عام حزب اسلامي تعتبره السعودية حزبا ايدولوجيا متطرفا، وفيما أبدى الحزب المذكور شيئا من المرونة في التعامل مع القضايا السياسية والاديولجية اليوم، فإن ذلك لا يعني انقلابه على هذه المرونة فيما تحينت الفرصة، والسعودية لا ترتاح لاي حزب اديولجي متشدد سواء كان اسلاميا أو علمانيا، وسواء كان سنيا أو شيعيا، فقد عانت المملكة العربية السعودية كثيرا من الاحزاب الاديولجية، حتى تلك التي تملك معها علاقات تاريخية مثل الاخوان المسملين في مصر، الامر الذي دفع المملكة هناك الى التضييق على الاخوان، بل قطع الطريق على الحزب المذكور أن يمارس اي دور، بما في ذلك الدور التبشيري في البلاد، أقصد مجموعات الاخوان المسلمين من مصر وسوريا التي وجدت لها موطن قدم ومعاش وامان في المملكة العربية السعودية، فكيف بحزب اسلامي شيعي عراقي معروف بمواقفه الاديوجلية السابقة، إضافة لذلك العلاقات الوطيدة التي كا نت تربط بين الحزب والجمهورية الاسلامية الايرانية، وليس من المعقول أن المخابرات السعودية لا تعلم بتقلبات الحزب حول العلاقة بإيران، ومجريات هذه التقلبات بين مد وجزر، وما تخلل ذلك من انقسامات وانشطارات داخل الحزب نفسه بسبب هذه العلاقة، وبالتالي، موقف المملكة العربية السعودية من السيد المالكي محسوبة بكل هذه الاعتبارات، على أن مراقبين لهم صلة بالشأن العراقي يقولون أن احد مستشاري السيد المالكي كان قد هدد وزير الخارجية السعودية في لقاء خاص قبل ضمن وفد لزيارة المالكي بان الحكومة العراقية قادرة على إيذاء السعودية على مستويين، الاول تحريك شيعة السعودية والثاني زخ مئات الاطنان من المواد المخدرة الى السعودية عبر الطريق الصحراوي الذي يربط السعودية بالعراق، وتقول المصادر أن وزير الخارجية السعودية أبدى دهشته المثيرة في وقتها، وهناك من يقول أن طبيعة السياسة السعودية تقوم على الصمت، وعدم الرد الآني، بل تنتظر الوقت المناسب لاتخاذ الموقف، المراقبون أنفسهم يلوحون بان صاحب التهديد محسوب على دولة جارة، وأنه من المفروضين على السيد المالكي، وأن الاخير كثيرا ما اشتكى من صاحب التهديد.
المملكة العربية السعودية قد تملك قناعات كبيرة بان السيد نوري المالكي مستعد للتعاون والتفاهم، وربما مستعد لتنازلات على صعيد تركيبة الحكم ونوعية الوزراء ومساحة الدور الذي يجب أن يضطلع بها السنة العراقيون، ولكن رغم ذلك تصر على موقفها الرافض، والسبب هو ان السيد المالكي محكوم ليس بالطابع الاديوجلي وحسب، بل لانه ينتمي الى حزب غير مستقر، ومن السهولة أن يقع تحت تأثير دول جوار أقوى وأكثر تأ ثيرا من المملكة العربية السعودية، رغم أن الحزب قد يريد أن يستقل برايه وموقفه السياسي، ولكن ليس دائما تأتي الرياح بما تشتهي السفن، والسياسة الخارجية السعودية تقوم على مبدا استقصاء كل الاحتمالات الممكنة، وليس على التشهي والامنيات، عكس ما يرى بعضهم من أنها سياسة ساذجة تنتمي الى براءة الصحراء.
ولكن هل الموقف السعودي يتسم بالموضوعية هنا؟
اعتقد من مصحلة المملكة العربية السعودية ان تمد يدها للسيد نوري المالكي الذي هو على استعداد تام لذلك، ومن خلال اللقاءات المستمرة والجادة والحوارات العميقة الوصول الى تفاهم يبدد مثل هذا الموقف الذي يتسم بالشك والتردد، خاصة وان السيد المالكي اثبت مرونته الكبيرة تجاه الكثير من الالتزامات العقائدية، ولعل من أبرزها عندما صلى على (شهداء) الامة الامريكية، تلك الصلاة التي اضطر لها لانه لم يشكر الامريكان على دورهم في صياغة المعاهدة الامنية الاستراتيجية بين طهران وواشنطن، فاضطروه ان يعوض عن هذا الشكر الغائب بصلاة الحاضر.