1:

مصفوفة الروايات:

أشهر رواية هي رواية (عكرمة): ــ
1: (أخبرنا عمربان بن موسى قال: حدّثنا عبد الوارث قال: حدّثنا أيوب عن عكرمة قال: قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدَّل دينه فاقتلوه) 33.
2: (أخبرنا محمود بن غيلان قال::حدَّثنا محمد بن بكر قال:أنبأنا ابن جريح قال: أنبانا إ سماعيل بن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدَّل دينه فاقتلوه) 34
3: (حدَّثنا محمّد بن صباح، أنبأنا سفيان بن عيينة عن ايوب، عن عكرمة،عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ بدَّل دينه فاقتلوه) 35.
4: (حدّثنا معمر، عن أيوب،عن عكرمة،عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ بدَّل دينه فاقتلوه) 36.
5: (... إسماعيل بن عبد الله بن زرارة قال: حدَّثنا عبّاد بن العوَّام قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ بدَّل دينه فاقتلوه) 37.
6: (أخبرنا احسين بن عيسى، عن عبد الصَّمد قال: حدّثنا هشام،عن قتادة، عن أنس، إن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ بدَّل دينه فاقتلوه) 38.
7: (... حدّثنا محمّد بن بشر قال:حدّثنا سعيد، عن قتادة،عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منْ بدّل دينه فاقتلوه.
قال أبو عبد الرحمن: وهذا أولى بالصواب من حديث عبّاد).39
8: (... حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني بكير بن عبد الله بن الأشبح،عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منْ بدَّل دينه فاقتلوه) / الطبراني الأوسط (8618) / وهناك رواية اخرى لأبي هريرة في الباب ضعيفة السند.
هذه هي أهم الروايات، وجاءت به كثير من المراسيل، ونظرة عاجلة في الروايات سنرى إن المدار فيها على عكرمة، وأنس بن مالك، وابو هريرة، كلهم عن (ابن عباس)، والحديث من الآحاد، لأنها جميعاً تنتهي عند ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
رواية أبي هريرة ضعيفة سندا، فإن ابن لهيعة معروف بالضعف، و(أيوب) الذي يقع في الطريق إلى عكرمة هو: (أيوب بن أبي تميمة السختياني)، وعن السختياني يروي جمع من المحدّثين، فيكون واسطة العقد بين هؤلاء المحدّثين وعكرمة، ومن عكرمة إلى ابن عباس. والطريق إ لى أنس بن مالك هو (قتادة)، وهذ الأخير يروي عن (عكرمة)أيضا كما في رواية عبّاد بن عوام في النّسائي 40 التي مرّ ذكرها.

2

كلام عن (عكرمة)
الكلام عن عكرمة صعب وشاق ويحتاج إلى صبر وتامل كبيرين، لما دار ويدور حوله من لغط واختلاف، ومن العجائب أن يحتل مكانة الثقة الموثوق لدى كبار من علماء الحديث وهو محل هذه الفوضى والارتباك في التقييم والتصوير والحكم !
أن أول ما يلفت النظر في صدد هذه الشخصية المثيرة، هو إنه ليس ثقة عند الجميع، بل حوله خلاف كبير، فقد ضعفه واتهمه كثيرون ومن وزن رجالي ثقيل.
إن النقطة الحساسة في شخصية الرجل كونه خارجيا ! وهي نقطة تدعو إلى التأمل العميق في سلوكه وفي ما يروي، فقد قيل إنه نجدي، وقيل إنه أباضي، وحروري، بل قالوا إنه كان داعية لمذهب الخوارج، ففي سير أعلام النبلاء للذهبي في ترجمة الرجل: (قال يحي بن بكير، قدم عكرمة مصر، ونزل هذه الدار، وخرج إلى المغرب، فالخوارج الّذين في المغرب عنهم أخذوا)41 وفي رواية أخرى: (قال ابراهيم الجوزجاني: سألت أحمج بن حنبل عن عكرمة، أكان يرى رأي الإباضية ؟ فقال: يُقال: إنّه كان صُفريا، قلتُ: أتى البربر ؟ قال: نعم، وأتى خراسان يطوف على الأمراء يأخذ منهم)42.
الإتجاه الخارجي رافض للجميع كما نعلم، خاصّة في فترة التأسيس الاولى، ويبدو إن الرجل وجد ضالته في هذا الاتجاه، لعدة أسباب، منها إنه خير محضن للموالي الذين يشعرون بغبن سياسي، لأن الخوارج لم يشترطوا العربية ولا الرجولة في بعض الأحيان في الخليفة، فهو مولى كما نعلم، ولنزعة المساواة والراديكالية التي تميزت بها بعض معالم النزعة الخارجية، ومن خلال بعض النصوص نجد هناك تناغماً بين نزعة الرفض والدموية والحذف لد ى الرجل والإتجاه الخارجي، ففي سير أعلام النبلاء نقرا (وقال علي بن المديني: حُكِي عن يعقوب الحضرمي، عن جدِّه قال: وقف عكرمة على باب مسجد فقال: ما فيه إلاّ كفار، قال: وكان يرى رأي الإباضية) 43 وهذا الحكم من عكرمة بحق كل هؤلاء المصلين يتفق مع الإتجاه الخارجي بتكفير الجميع. وفي رواية أخرى: (روى خلاّد بن سليمان الحضرمي، عن خالد بن أبي عمران قال: دخل علينا عكرمة مولى ابن عباس بإفريقيا في وقت الموسم، فقال: وددتُ أني اليوم بالموسم بيدي حربة أضرب بها يمينا وشمالا، وفي رواية: أعترض بها من شهد الموسم).44
لقد كذّب كثير من المحدثين وعلماء الرجال عكرمة، ولم ينحصر تكذيبه في عالم أو عالمين، لقد كّذبه (علي بن عبد الله بن عباس و سعيد بن المسيّب وعطاء بن رباح وابن سيرين...) وغيرهم.
إن خبر الحرق ربما اختلقه عكرمة كرها بعلي بن ابي طالب، بسبب الخلاف الحاد بينه وبين الخوارج، ذلك الخلاف الذي ادى إلى حرب شرسة لم تبق من الخوارج غير فلول هاربة هنا وهناك.
يقول الدكتور الهلابي عن خبر الحرق: (هذه الروايات ـ روايات الحرق ـ لا يمكن أن يقبلها ا لمنطق السليم، إذ لا نعرف أحدا من العرب عبد إ نسانا واعتقد أنه هو الخالق الرازق لا في الجاهلية ولا في الإسلام، بل لا نعرف أن أ حدا من المسلمين ارتدّ عن دين الله إرتدادا صريحا بعد الرّدةالتي حدثت بعد وفاة الرسول مباشرة) 45/ولذلك لا استبعد إن خبر الحرق مختلق، أختلقه عكرمة وليس غيره.

3

كلام عن عبد الله بن عباس: ـ

لا خلاف عن موقع عبد الله بن عباس العلمي لدى المسلمين، سنة وشيعة، ولكن الكلام يقع نقطة اخرى، فقد توفي النبي الكريم وهو ـ أي ابن عباس ـ وعمره عشر (روى أبو بشر، عن سعيد بن جبير:عن ابن عباس، قال: توفي ا لنبي صلى الله علي وسلم وأنا بن عشر) 46 واسناده صحيح حسب معطيات علم الرجال السني، وقد أخرجه احمد في الجزء الاول من مسنده حديث (253، 287،337، 357) من طريق أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس /. وقيل إنّ النبي توفى وعمره خمسة عشر، ومهما يكن، فإن سنّه كان صغير ا، والحفظ في هذه السن ربما يشوبه بعض الصعوبة.
لقد كانت علاقة عبد الله بن عباس بعلي بن أبي طالب حميمية، وكان رسوله المفاوض إلى الخوارج، فمن غير المعقول أن يعترض على حكم الحرق المزعوم الذي أوقعه علي على أولئك الناس، حتى لو كان اعترا ضه صحيحا، فإن طريقه إلى علي لمناظرته وتوضيح الموقف الشرعي الصحيح ليس صعبا على ابن عباس، ولكن كما يبدو، إن هناك أغراض غير سليمة وراء القصة، منها التحجيم من علم علي بالاحكا م، ومنها ربما لإشعار الخلاف بين علي وابن عمه حيث كانا على وئام سياسي وروحي إلى درجة كبيرة، وربما ساهم العباسيون في الترويج لهذه القصة طمعا في تعظيم جدهم وتهوين منزلة جد منافيسهم، وقد كان للسياسة فنونها العجيبة في تجيير الروايا ت لصالحها خلقا او تفسير أوتحريفا !!

4

كلام حول قتادة: ـ
لقد رو ى قتادة ا لحديث مجرّدا تار ة، و أخرى مقترنا بقصّة الحرق المزعومة، حيث تشكل إ سا ءة لعلي بن أبي طالب شئنا أم أ بينا، وبالتالي، نحن مدعوون لفحص موقف قتادة من علي بن أبي طالب عليه السلام، فإننا نقرأ في سير أعلام النبلاء للذهبي: (وقال عفّان: قال لنا قيس بن الرّبيع: قدم علينا قتادة الكوفة، فأردنا أن نأتيه فقيل لنا:إ نّه يبغض عليا رضي الله عنه فلم نأته...) 47 والحقيقة إن الذهبي وإن خفف من هذه اللهجة أو أبعدها على لسان ا لرواي نفسه، ولكن يبدو إن ذلك كان شائعا في وقته.
يظهر إن الرّجل لم يكن بذاك الملتزم بحرمة الإنسان، وهو المولى كان يسب ا لموالي ويستهين بهم، ففي رواية: (ضمرة بن ربيعة، عن حفص، عن قائد لقتادة: قال: قدت قتادة عشرين سنة، وكان يبغض الموالي،ويقول: دبّاغين، حجامين، أساكفة...) 48.
هذه الشخصية كما تتحدث الاخبار عنها تملك حساسية مفرطة من الفقراء والمساكين وذوي المهن البسيطة، ففي رواية: (ابو سلمة المنقري: حدّثنا ابان العطار، قال: ذُكِر يحي بن أبي كثير عند قتادة،فقال: متى كان العلم في السَّماكين، فذُكِر قتادة عند يحي فقال: لا يزال أهل البصرة بشرٍٍّ ما كان فيهم قتادة) /المصدر ص 275 /
لقد كان الرّجل من ا لمدّلسين الكبار، وهذه قضية أخلاقية تستحق النظر، فإن من يدلِّس بالسند يدلس بالمضمون، فإن السند المدلّس خيانة لانه نوع من الاختلاق بلا شك، أو هو تزييف بلا شك، فما المانع أن يزيف المضمون، بل يخلق مضمونا لا أساس له من الصحة والواقع ؟
يقول ابن سعد: (قال معمَّر: وكنّا نجالس قتادة ونحن أحداث فنسأل عن السند فيقول مشيخة حوله: مه، إن أبا الخطاب سند، فيكسرونا عن ذلك)49.
الحقيقة إن هذه ليست أخلاق محدِّث ناضج، ورواية عالم، فإن الإسناد يشكل جوهر الرواية، وهذا سلوك متجبر، وليس من شك إن سلوكه هذا يربي على ا لموقف اللاعلمي، وهو دليل إ ستهانة بالعلم، وذلك حتى إذا كان الرجل يحتفظ بالسند صحيحا في مخزونه المعرفي.
جاء في ترجمته: (قال شعبة: لا يُعرَف لقتادة سماع من أبي رافع،وقال يحي بن معين: لم يسمع قتادة من سعيد بن جبير، ولا من مجاهد، قال يحي بن سعيد القطّان: لم يسمع قتادة من سلمان بن يسار، وقال احمد بن حنبل: لم يسمع من معاذة العدوية. قلت ـ اي الذهبي ـ قد عدّواا رواية قتادة،عن جماعة هكذا من غير سماع،وكان مدلِّسا) 50ا/
هل يمكن أن نفصل بين كل هذه الاخلاقيات والتوثيق في شخص الراوية؟ لا يمكن بطبيعة الحال !


5
الإبهام سيّد الموقف!

(من بدَّل دينه فاقتلوه)...
هذه صيغة مبهمة بلا شك، فهي خالية من أي استدراك، وأي شرو ط، وبلا قيد، ونظامها اللغوي مربك، وقد تسبب هذا الغموض في كثير من الإرباكات الشرعية في موضوع حكم الرِّدة هذا.
بداية، النبي الكريم في غاية الدقة والبيان في نشر العلم الشرعي، وأنا اشك في كثير من الروايات المنسوبة له صلى الله عليه وسلم ذات المحتو ى الغامض المبهم، فهو جاء ليعلمنا وليس ليبهمنا، وحديث الردة هذا يبهمنا ولا يعلمنا، وتزداد اهمية الوضوح في موضوعات الدماء و الفروج والاموال، لانها تتصل بصميم الاجتماع البشري، وربما غموض يحل بالاجتماع البشري ويلات لا تحمد عقباها، ويلات تزر ع الشر والعدوان والظلم والاضطهاد والفقر والبلاء.
هذا الغموض في صيغة الرواية المزعومة تسبب في اختلافات هائلة في شروط تنفيذ حكم الرّدة، كما أنه خلق حالة من الفوضى على صعيد ميادين التطبيق لما هناك من ملابسات في فهم مدلول (مَن ْ) ومشاكلها اللغوية والدلالية. وقد أُستغِّل الحديث أيَّما استغلال في قتل الناس بحجة الرِّدة في داخل الدائرة الإسلامية نفسها، فقد كان لغموض الصيغة دور كبير في مثل هذا الا ستغلال البشع.
إن صيغة الحديث تعبر عن ذات منفعلة، متسرّعة، لم تقم للزمن وزنا، ولا لشروط وموجبا ت الفهم وزنا، ولا لممكنات الوهم والخطا والخبط وزنا، ومن المستبعد أن يرسل النبي مثل هذ الحكم الخطير من دون بيان واضح، وومما يزيد الطين بلّة هو غياب التفاصيل حتى في روايات منفصلة، اللهم إلا إشارات سريعة، ولنا أن نراجع احكام المرتد في موسوعات الحديث الكبيرة لنتأكد من ذلك.
الغريب كما قلت سابقا،وكما أنتبه إلى ذلك اكثر من باحث في التاريخ الاسلامي خاصة في قضايا ومسائل ومشكلات السيرة النبوية أن النبي الكريم لم يقم حد الرِّدة طوال حياته النبوية الكريمة، وفي ذلك قال الشافعي في كتابه الشهير (الأم) !


المصادر
(33) النسائي رقم (4059).
(34) نفسه (4061).
(35) ابن ماجة رقم (2535).
(36)مصنف عبد الرزاق رقم (18706).
(37)النسائي رقم (4062).
(38) نفسه رقم (4064).
(39) نفسه (4063).
(40) نفسه (4062).
(41) سير أ علام النبلاء 5 ص 21.
(42)نفسه ص 21.
(43) نفسه ص22.
(44) نفسه ص 23.
(45) عبد الله بن سبا، عبد الله الهلابي ص 53.
(46)سير أعلام النبلا ء 3 ص335.
(47) نفسه 5 ص 272.
(48) نفسه ص 273.
(49) طبقات بن سعد 7 ص 230.
(50)
(51)محلى بن حزم مسالة (2199).
(52):سنن ابي داود ص 467.

ملاحظة / الموضوع جزء من كتاب معد للطبع