استحوذ خلق (الإنسان) على شطر كبير من آيات الكتاب الكريم، وقد كانت هناك أكثر من صيغة تكلم بها القرآن المجيد عن هذا (الخلق)، نريد هنا أن نستعرض هذه الصيغ، وما يمكن أن نستخلصه منها من تصورات وأفكار قرآنية تخص هذا المخلوق العجيب.


الصيغة الأولى:
وهي الصيغة التي كان مدخول المادّة فيها (التراب)، وفي ذلك نزلت أكثر من آية كريمة نستعرضها هنا: ـ
قال تعالى: (أكفرت بالذي خلقك من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم سوّاك رجلا) / الكهف 37
وهذه الآية تخاطب إنسانا بعينه، فمن الصعب عندها صرف موضوع التراب إلى (آدم) باعتباره أبا البشر وإنّه خلق من تراب أصلا.
قال تعالى: (إنّ مثل عيسى عنده كمثل آدم خقه من ترا ب ثم قال له كن فيكون) آل عمران 59
وهذه الآية تريد أن تقرب قدرة الله للآخر الذي يتعجب من خلق عيسى من دون اتصال جنسي بين ذكر وانثى، فكما خلق الله آدم من تر اب بقدرته الفائقة يخلق عيسى بلا هذا التواصل الجنسي، فهي ليس لها علاقة بموضوعنا.
قال تعالى: (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) / الروم 20 /
إن موضوع التراب هنا هل هو (آدم) أم هو أي فرد من أفراد الإنسان؟!
الامر ليس واضحا، فقد يكون المقصود إن الله خلق (آدم) من تراب، ثم تناسلَ هذه الذريَّةَ المنتشرة في أصقاع الأرض، وقد يكون المعنى أن الله خلق كلَّ إنسان من تراب ثم ينتشر في الأرض على شكل نسل وذرية.
قال تعالى: (والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا...) فاطر 6 /
ليس بالضرورة أن يكون التراب هنا هو (آدم)، فقد يكون الحديث في الآية عن كل فرد من أفراد الإنسان، فكل منا كان ترابا، وكل منا يرجع بعد التحليل الأخير إلى كمية من التراب، والنطفة أصلها تراب، والنطفة تتطور وتتحول فتكون بشرا سويا، فمنَّا منْ هو ذكر ومنَّا منْ هو أنثى.
يقول تعالى: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يُخرجكم طفلا...) غافر 67 /
هذه الآية ليست بالضرورة أيضا أن يكون التراب الذي ورد فيها هو عين (آدم)، فأن أيَّا منّا كان ترابا ثم مرّ بهذه التطورات المذهلة.
هذه الصيغة يمكن أن نرتب عليها المقتربات التالية: ــ
1: إن التراب مادة غنية، وإنها تنطوي على خيرات هائلة، وعندما يصفها القرآن بالضعف والهوان لا يقصد التحقير والتقليل من قيمة هذه المادة، وإنما القران ينطلق في وصفه هذا من ناحية إن هذه المادة لا تعي ولا تشعر، وليس في البين أي استهانة بهذه المادة التي هي أصل الوجود البشري، بل العقل البشري.
2: إن القرآن الكريم إنما يتحدث عن خلق الانسان باسلوب الطفرة المباشرة من الأصل (التراب) إلى النتيجة (العقل) دون المرور بنقاط العبور أحيانا، إنما لإثارة الدهشة، وبيان مدى المسافة الفاصلة بين الأصل و النتيجة (ومن آيا ته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون).
3: ورغم إن بيان آيات العظمة في هذه الصيرورة من أهداف البيان القرآني هنا، ولكن في نفس الوقت يريد أن يذكِّر الإنسان باصله هذا للاتعاظ والعبرة ( لم يكن شيئا مذكور ا).

الصيغة الثانية:
وهي الصيغة لتي يكون مدخول المادّة فيها ( الطين)، نقرأ ذلك في الآيات التالية: ــ
يقول تعالى: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا مُسمَّى عنده ثم أنتم تمترون) / الانعام 2 /
في هذه الآية ليس بالضرورة أيضا أن يكون الطين هو عين (آدم) فإن الطين مركب من الماء والتراب، ومعلوم إن نهاية التسلسل الغذائي الذي منه نتكون ونصير وننمو وننشا هو هذا الطين بلا شك.
يقول تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلا لة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) / المؤمنون 12 ــ 14 /
السلالة هي العصارة، و(سلالة من طين) أي من الصعود الّذي يُسلُّ من الارض كما قيل، وربما يُشار بذلك إن لإنسان يخلق من خلاصة الطين الغنية بالمواد التي من شانها تصلح أن تكون مخلوقا بشريا لما تحتويه من ممكنات غذائية، فإن الإنسان يُتحصَّل ويُسل ويُخرَج من الطين، والطين هو المركب من ماء وتراب، والنباتات كلها متحصَّلة منهما، وغذاء الحيوان يرجع إلى النباتات،وهكذا الإنسان، والنطفة إنما تتكون من الغذء، فترجع إلى الطين، هكذا قال بعض العلماء.
فهذه الآية الكريمة تنطبق على كل فرد من أفراد الإنسان، أي لا تختص بإنسان على حدة، وإنما هي كالقضية الحقيقية.
يقول الله تعالى: (... قال أنا خير منه خلقتني من نّار وخلقته من طين) الاعراف 12
والطين هنا هو (آدم) عملا بسياق الآية الكريمة، ولكن يمكن أن ينطبق المثال على كل فرد من أفراد البشر، لأن كل فرد منهم ير جع إلى كون مبدئه من طين.
قال تعالى: (وإذ قال ربُّك للملائكة إنِّي خالق بشرا من طين...) / ص 71، والبشر هنا هو آدم كما هو واضح.
قال تعالى: (إنّا خلقناهم من طين لا زب)/ الصّفات آية 11 /
معنى (لازب) تعدَّد وتكثف، فقد جاء في لسان العرب (اللزب: الضيق، وماء لزب: قليل، وا للزوب : القحط، واللزبة: الشِّدة، وسنة لزبة: شديدة... وطين لازب: لازق...)، وفي مقياس اللغة نقرأ: (اللام والزاء والباء يدل على ثبوت شيء ولزومه، يقال للازم لازب، وصار هذا الشيء ضربة لازب، أي لا يكاد يُفارق...)، إن فهما أوليا يمكن أن نستخلصه من هذه الاستعراضات، هو أن اللزوب يعني اللزوق.
جاء في روح المعاني وهو يفسر هذه الآية الشريفة: [ (إنّا خلقناهم من طين لازب) أي ملتصق كما أخرج ذلك ابن جرير وجماعة عن ابن عباس، وفي رواية ا خرى بلفظ ملتزق... قيل: والمراد ملتزق بعضه ببعض، وبذلك فسّره ابن مسعود كما أخرجه ابن أبي حاتم، ويرجع إلى حَسَن العجين، جيد التخمير، وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنّه يلزق باليد إذا مس بها... وحكي في / (البحر) عن ابن عباس أنه عبّر عن اللازب بالجر، أي الكريم الجيد، وفي رواية قال: اللازب الجيد... ] / المصدر 23 ص 102 /
هذه بعض مقتربات ومعاني واستعمالات المادَّة المذكورة (لازب)، وربما نستفيد من قوله تعالى (من سلالة من طين) أن المادَّة تنصرف هنا الى الطين الجيد، المتمكن من العناصر المفيدة والضرورية لنشاة الانسان وتكونه وتطوره فيما بعد، وفيما إذا كان المعنى هو اللصوق فهو لا يعدو تعبيرا وصفيا عاديا، فإن الطين مادة لاصقة، أو بالأحرى لازقة، تلزق باليد، ويلزق بعضها ببعض كما هو معلوم وواضح، وربما هو طين لازب، يعني شديد الضعف، فكيف يخلق منه إنسانا بهذه الممكنات والقوة والجبروت والعلو والسمو!
سواء كان هذا المعنى أو ذاك، ولكن ليس في البين أي دلالة تشير إن الطين (اللازب) هنا هو ذاته الذي سيكون (آدم)، فإن مرجع كل منّا إلى هذا الطين (اللازب)، حيث يتركب من ماء وتراب.
يقول تعالى: [الذي احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الانسان من طين (7)، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8) ثم سوَّاه ونفخ فيه من رُّوحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (9 )] / السجدة 7 ـ 9 /
هذه الآية الكريمة لها أكثر من توجيه، نستعرضها هنا: ــ
التوجيه الأول: إن المقصود في الآية هو (آدم) بشكل جوهري وأساسي، من كونه ترابا إلى نفخ الروح فيه، ثم تناسله عبر مائه المنوي!
التوجيه الثاني: إن بدء الخلق (آدم) كان من طين، ولكن نسله كان (من سلالة من ماء مهين)، فهناك مرحلتان، مرحلة آدم، ومرحلة نسله، الآية رقم (7) تتصل بالمرحلة الأولى، والمرحلة الثانية هي مرحلة تشير إلى خلق نسله، وكان ذلك من سلالة مائية خالصة، وإليها تشير الآية رقم (8).
التوجيه الثالث: إن الإنسان هو أي فرد من أفراد الإنسان، وقد خلقه ا لله من طين، ثم يخلق نسله من مائه بالتبع.
ولست أدري لماذا يحجم القرآن الكريم في هذه الآية عن تسمية هذا (الإنسان) الذي خلقه الله من طين إذا كان هو (آدم)؟
الله خلق الإنسان من طين وجعل نسله من مائه ثم نفخ فيه الروح، هذا هو التفسير الحرفي الآلي للآيات الثلاث، ولكن الأقرب لفهمي أن يكون الإنسان الوارد في الآية الكريمة هو أي واحد من أبناء الإنسان، فهو يشمل كل واحد منّا، امس واليوم وغدا، ولعل تصدير الآية بقوله: (الذي أحسن كل شيء خلقه) يساعد على ذلك لان نكهتها إستقصائية، تشمل كل شيء على نحو العد الفردي، على نحو الإشارة إلى هذا وذاك، وليس المقصود هنا الانواع والاجناس وبلحاظ صدقها على تطبيقاتها الخارجية أو الذهنية، فهذه لغة منطقية وا لقرآن جاء يخاطب الإنسان بشكل عام.
هنا أكثر من ملاحظة تكميلية: ــ
الملاحظة الأ ولى: حسب التفسير الآخير فإن (عمرو) من الناس أصله طين، أي يرجع كل تكوينه بالتحليل الأخير إلى الأرض، ثم يكون بشرا، فيكون له نسل من مائه، ولكن الفرد الذي يتكون من ماء (عمرو) هذا، هو الآخر أصله طين ثم يكون له نسل من مائه، وهذه هي المسيرة البشرية.
الملاحظة الثانية: أن الضمير المتصل (الهاء) في قوله (سواه) وفي قوله (نفخ فيه) يعود على (الماء المهين)، و الماء المهين هنا هو (النطفة)، وقوله: (من سلالة) تعني جعل نسله، أي نسل أي إنسان خارجا منه، و قوله (من ماء) بدل من (سلالة).
الملاحظة الثالثة: تتم عملية الخلق بنفخ الروح، وما يليها من استكمال بالحواس والقلوب، ولهذه النقطة شرحها الذي قد أتعرض له لاحقا.


الصيغة الثالثة:
وهي الصيغة التي يكون مدخل المادّة فيها (الصلصال)، وفي ذلك جاءت أربع أيات كريمات نستعرضها هنا: ــ
قال تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من حمإ مسنون، والجّان خلقناه من قبل من نار السِّموم) / الحجر 26.
قال تعالى: (وإذ قال ربُّك للملائكة إنِّي خالق بشرا من صلصال محمإ مسنون، فإذا سويته ونفخت فيه من رُّوحي فقعوا له ساجدين)/ الحجر 28.
قال تعالى: (قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون) الحجر 33.
قال تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) / الرحمن 14 /
ولا يحتاج المرء أن يجهد نفسه ليكتشف أن الإنسان هنا هو آدم، أبو البشر، وليست لها علاقة بالآيات السابقة بشكل عضوي صميمي.


الصيغة الرابعة:
هي الصيغة التي كان مدخول المادّة فيها (النطفة)، ويعبر عنها أحيانا بـ (الماء)، وقد جاءت في البين أكثر من آية كريمة، نستعرضها الان: ــ
يقول تعالى: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) / النحل 4.
يقول تعالى: (أولم ير الإنسان إنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) / يس 77 /
يقول تعالى: (من نطفة خلقه فقدَّره) / عبس 15 /
يقول تعالى: (إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا) / الإنسان 2 /
يقول تعالى: (ألم يك نطفة من منّي يُمنى) / القيامة 37 /
ويعبِّر القرآن الكريم أحيانا عن هذه النطفة بالماء، كقوله تعالى: (فلينظر الإنسان ممّ خلق، خلق من ماء دافق)، وقوله تعالى: (ثم جعل نسله من ماء مهين)، وقوله: (ألم نخلقكم من ماء مهين)، وكما قلت إن مهين هنا لا تعني الاستهانة بقدر ما تعني الضعف الظاهر، فهذه النطفة سريعة العطب كما هو معلوم، وليس في هذه الآيات أي استهانة بهذه ا لمادة الحيوية التي هي من مصادر التخلق الإنساني، بشكل من الاشكال واعتبار من الاعتبارات.
لكن هذه النطفة هي أحدى مر احل الخلق، فإ ن أصل كل إنسان كمية من التراب الهمل، بكل ما تحتويه هذه الكمية من ثروة وعطاء وثراء.
القرآن يذكِّر الإنسان بالمسافة النوعية الفاصلة بين مرحلة النطفة والعقل، فهو كان نطفة فيما مضى واليوم هو عقل، كان مادّة مبهمة، سريعة العطب، فيما الآن هو قدرة ذهنية رهيبة، تمتلك صلاحية البيان الفذ، الكشف عن خفايا الكون.
هذه النطفة أمشاج، أي أخلاط، وقد اختلف المفسرون في بيان تفاصيل هذه الخلطة العجيبة، فهي مفردة في التسمية ولكنها أخلاط في التركيب، وفي تصوري إن الافق مفتوح للاجتهاد هنا، ومتروك للزمن، وهذه احدى ميزات الكتاب الكريم، ولكن على العموم إن الآية تنفي صفاء النطفة وكونها ماء خالصا.
هذه النطفة تحتوي على خارطة المستقبل (من نطفة خلقه فقدَّره)، وذلك بصرف النظر عن علاقة ذلك بموضوعة القضاء والقدر، وما على الفكر البشري سوى الابحار في هذا العالم، ليس للخوض في قضايا غيبية، بل للخوض في قضايا علمية، والتقدير هنا كمي وليس كيفي وليس له علاقة بقضية الجبر والاختيار.
النطفة هي الحيوان المنوي بالنسبة للرجل[ (والله خلقكم من نطفة إذ تُمنى) أي أذ تُصب في رحم المرأة ]، والقرآن لا يعيد خلق الإنسان أو أصل خلقه إلى النطفة الرجالية حصرا كما سنرى، ولكن يبدو أنه يراعي في ذلك الاتجاه العام للتفكير البشري، أي البدائة العامة، فقد سادت فيها الذكورية في عملية الخلق لأسباب يطول شرحها الآن.
هذه النطفة ينتظرها تطور هائل، وقد بين القرآن بعض مراحل هذا التطور (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا...)، فهذه النطفة ستكون علقة، وفي آية أخرى (إنا خلقناكم من نطفة ثم من علقة ثم مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبين لكم...).


الصيغة الخامسة:
وهي الصيغة التي يكون مدخول المادّة فيها (العلق)، وهي آية واحدة،كانت مفتتح الوحي الذي نزل على قلب النبي الأمين، وذلك في قوله تعالى (اقرأ باسم ربِّك الّذي خلق، خلق الإنسان من علق)، والعلق في اللغة هو الدم الجامد، وقيل سميت هذه المرحلة بـ (العلق) لأنها تعلق بالرحم، ولكن مما يثير السؤال هو عدم ذكر خلق الانسان من مادته الاولى هنا، خاصة وإن الآية هي أوّل الوحي، ففي ذلك دلالة أقوى على التوحيد والعظمة، وقد سيق أكثر من سبب لتبرير هذه المفارقة، وكلها في تصوري لم تشف غليلا، وإن كان بعضهم يرى ذلك جريا على ما كان يعتقده العرب، حيث لم يكن يعرفون إن أصل الإنسان تراب، بل كان السائد بينهم أن الإنسان مخلوق من قطعة الدم هذه، فإنه رأي فيه شي من الوجاهة، ولكني أميل إلى أن الكتاب هنا يراعي النغمة الموسيقية في سبكه وصياغته (اقرا باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق).
... وبعد، هذه هي الصيغ التي استقراتها فيما يخص خلق الإنسان، وقد استقرأتها على ضوء مدخول المادة (خ، ل، ق)، وقد تبين إنها: ـ
وهنا ندرج بعض الملا حظات المهمة في تصوري: ــ
الملاحظة الأولى: يعرض القرآن مسيرة خلق الإنسان في مراحل، وبين مرحلة وأخرى مسافة طويلة معقدة، ويبدو أن الحكمة من ذلك كي يفاجيء العقل، ويثير فيه الدهشة، كما أن هذه المسافات تبقى متروكة لاجتهاد واجتراح ودأب العقل لملئها، وبذلك يساهم العقل في مليء الفراغ القرآني.
الملاحظة الثانية: إن العرض القرآني لمسيرة الخق الإنساني يغلب عليها الجانب الوصفي وليس التعليلي، فهو عرض بياني، والقصد هو تثوير الطاقة العقلية من أجل التفكير، وتثوير الوجدان الإنساني من أجل الانفعال الحي.
الملاحظة الثالثة: تخليق الإنسان من نطفة لا يعني ذلك حصرا، ممّا قد يفيد بان القرآن يوعز خلق الإنسان إلى الجانب الذكوري وحسب، بل هو نتاج لقاء الذكر والانثى، كما في قوله تعالى (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى)، ولكن جيء بهذا التعبير جريا في بعض الاحيان على ما شاع بين العرب، وقد تكرر كون المخلوق الانساني هو حصيلة هذا اللقاء الجنسي بين الذكر والأنثى.