يوم 21 من الشهر الجاري سيقوم رئيس الوزراء العراقي بزيارة وصفت بـ (المهمة) لواشنطن يلتقي خلالها الرئيس الامريكي أوباما، وقد أشار السيد نوري المالكي في حديث له لصحيفة أمريكية، بأنه سيبحث في لقاءه هذا مع الرئيس الأمريكي نقطتين جوهريتين، الاولى تفعيل وتنشيط بنود الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن، والثانية بعض النقاط المتعلقة بالا نسحاب الامريكي الكامل من العراق في نهايات العام التالي، وفي هذا السياق ابدى السيد المالكي رغبته في تطوير العلا قات مع واشنطن، وركز على ضرورة أن تفعيل النقاط المهمة من الاتفاقية خاصة التي تتعلق في مجالات التعاون الامني والعسكري والا قتصادي والثقافي...
السيد المالكي يلتقي أوباما والعراق يمر بظروف أقل ما يمك أن توصف بأنها صعبة، فالأمن يتعرض لا هتزازات متتالية، وما زالت الخدمات تعاني من خلل كبير، وا لمصالحة الوطنية ترواح مكانها تقريبا، والمحاصصة الطائفية والعرقية ما زالت هي المتحكمة في صورة الحكم وشؤونه، ومشكلة كركوك نار تحت الرماد، وا لارهاب في الموصل يطل بقرنه بين فترة وأخرى، والأقليات الدينية والعرقية تتعرض لانتهاكات صارخة بحيث باتت تهدد مستقبلها بالكامل في البلد، وا لحدود ما زالت رخوة، وا لتدخل الأقليمي في شؤون الداخلية مستحكم ونافذ في أعلى دوائر الحكومة، ومشكلة المياه قائمة، والقوات المسلحة العراقية تعاني من نقص في المعدات وا لتدريب، وهناك من يرى إنها جزر من المحاصصة، والمحسوبية والمنسوبية هي قاعدة التوظيف والتعيين حتى في أهم مفاصل الدولة....
فماذا سيقول السيد رئيس الوزراء العراقي لأوباما إذن؟
يزور السيد المالكي أوبما وعلاقته مع الكثير من الأطراف العراقية المشاركة له في العملية السياسية متوترة، سواء مع الأكراد، أو بعض القوى السنية النشطة، أو حتى مع بعض القوى الشيعية ذات الحضور النسبي في العراق... وبالتالي، يتكرر السؤال ذاته...
ماذا سيقول السيد رئيس الوزراء العراقي لأوبما؟
هل سيجمع المالكي كل هذه المشاكل في سلة وا حدة ويطرحها أمام السيد أوباما ليطالبه بـ (الحل)؟
سيقول السيد المالكي لأوباما ـ مثلا ــ إني لا أقدر على إيقاف التدخل السوري والايراني والسعودي في شؤون العراق، فعلى أمريكا أن (تدعمني) في مواجهة هذه المشكلة الكبيرة، ولكن هل يستجيب أوبما لمثل هذا الطلب، أم أنه سيقول للسيد الما لكي وبهدوء ما مفاده: ولكنك صديق إيران كما أعرف، وكنت على علاقة وطيدة بسوريا ، ولك أصدقاء مخلصون من السنة يمكنك أ ن تستعين بهم لمعالجة الموقف مع السعودية؟
سيقول المالكي لأوبما ـ على سبيل المثال أ يضا ــ إن حكومتي طاقم غير متجانس، وأنا أعاني من تمرير أوامري وخططي، ولذا أريد منك أن تقف معي في مشروعي الجديد، أي مشروع الديمقراطية العددية، فإني تعبت من الديمقراطية التوافقية ، ولكن ربما يجيب السيد أوباما هنا على طلب السيد المالكي بما مفاده: هذه مهمة البرلمان والشعب العراقي، ولكن لا تنسى سيدي المالكي إن الديمقراطية العددية قد تأتي بك مرة ثانية للسلطة في إطار الاكثرية التي تنتمي إليها، وهذه مشكلة للولايات المتحدة الامركيية اليوم!
سيقول المالكي لأوباما ـ على سبيل الحدس ربما هنا وليس المثال ــ إنّ الخدمات تعاني في بلدي من إنهيار شديد، و لا أظن أني قادر على الوفاء بما قطعته لشعبي في الحملة الاتخابية الاخيرة في مجال مجالس البلديات، فقد وعدت الشعب حينها (أن لا عاطل عن العمل في سنة 2009)، وكما يعلم حضرتكم إن هذا الوعد كان فيه شيء من الخيال والتسرع، ولكن ما هو الحل؟ ربما يجيب أ وباما على هذا السؤال من قبل رئيس الوزراء العراقي، بما يفيد أن الواجب على المالكي أن يكون واقعيا في طروحاته، وإن لا يتسرع، كما تسرع كثيرا في تصوير العراق وكأنه جنة عدن، مستقر، آمن، زاهر، ليس فيه فساد إداري بالشكل الذي يتحدث عنه العراقيون، ربما يبتسم هنا أوباما ليذكر المالكي بأزمة أمريكا الاقتصادية أو المالية.
سيقول المالكي لأوباما ــ على سبيل الحدس أ و المثال ــ وما هو الحل بالنسبة للأكراد، هناك إصرار كردي على توسيع مطالبهم بحيث تبدو وكانها مطالب إنفصالية ، نريد منكم أن تتدخلوا بشكل مباشر وقوي لحل هذه المشكلة الكبيرة، ولكن أوبما في مثل هذه اللحظة سوف يشطح به الخيال إلى العلاقة العضوية بين الأحزاب الكردية المتنفذة في شمال العراق وواشنطن عبر عقود طويلة، وربما يستذكر إن حزب السيد المالكي كان ضد الضربة الامريكية لصدام حسين، وإن قاطاعا واسعا من الأكثرية التي ينتمي إ ليها السيد المالكي تهتف علنا ضد امريكا، وترى في الوجود الامريكي في العراق مؤامرة كبرى على الاسلام والمسملين، والقبول بذلك من أظهر علامات الخيانة الوطنية.
سيقول المالكي لأوبما ـ مهما كانت وجهة الافتراض هنا ــ إن الادارة الامريكية الجديدة تلح على الحكومة بإجراء مصالحة مع ا لبعثيين، كذلك بعض القوى المسلحة، ولكن سيدي الرئيس إني في غاية الحرج في هذه النقطة، لان الشعب بشكل عام يكره البعثيين، والشيعة والاكراد لا يسمحون بذلك، وقد حاولت ذلك فعلا خلف الكواليس ولا أعتقد إن ذلك خافيا عليكم، ولكن سرعان ما انكشف الامر، وهبت عاصفة شبعية ضد المحاولة، فالمطلوب من الادراة الامريكية أن تجعلني في حل من هذا الطلب، ولكن ما ذا سيقول أوباما والكونجرس ا لامريكي يصر على توسيع قاعدة المصاحلة هذه؟ ويرى اوباما نفسه أن فيها بعض راحة الاعصاب لإدارته وهو يخوض معركة هائلة ضد سلسلة من المشاكل التي تحيط أمريكا من باكستان إلى أفغانستان إلى ايران إلى العراق إ لى سورية إلى لبنان إلى فلسطين؟
سيقول المالكي لاوبما ـ وربما على وجه اليقين هنا ـ وماذا عن الاعمار وا لبناء؟ أنها نقطة جوهرية في الاتفاقية الامنية بيننا وبينكم؟ الجواب جاهز في تصوري، إنه قد يكون بالصورة المتخيلة التالية (نعم، ذلك جيد، ولكن يتطلب ا لمزيد من الاجتماعات واللقاءات، ونتركه للهيئات المختصة، أنا سيعيد بتطوير العلاقات بيننا في هذه المجالات...
ولكن سيدي الرئيس مشكلة الامن، إنّها مشكلة عويصة، من الصعب ضبط الامن في العراق من دون إسعاف أمريكي دائم وفاعل، أنا شخصيا لا استطيع أن ا خرج للشارع دون حماية خيالية، وهذا من حقي كما أتصور، مجرد أن خرجت القوات الامريكية من المدن حتى هبت عواصف أرهابية مخيفة، فما العمل في مثل هذه الحال؟
ليس من السهل أن نترك العراق لقمة سائغة للـ (ا لارهابيين)، ونحن نخاف أن يتحول العراق إلى قاعدة لنشاط دول الجوار، خاصة تلك الانظمة التي تعادينا، لنا خططنا الخاصة في ذلك، عليك سيدي الرئيس أن تطمئن، ولكن هذا متروك لأهل الاختصاص من العسكريين الأمريكيين المتواجدين في العراق، أطمئن من هذه الناحية ، لقد أديتَ عملا جيد في تصديك للارهاب، وقد أدبت هذه الجماعات في مدينة البصرة والثورة (الصدر) بما يرضي ا لشعب العراقي،كانت عملية موفقة في حينها، ونحن نشكرك عليها، ولكن هل تتصور إن إرسال 14000 جندي أمريكي للتدريب والأسناد إجراء ساذج وبسيط؟ ولكن مثل هذا الاجراء من قبلنا سيدي الرئيس يخضع لحسابات معقدة، منها نوضحه ونبينه، ومنها نستره ونخفيه، أليست هذه هي السياسة؟
شكرا سيدي الرئيس، ولكن لم أحصل على ما كنت أ صبو إ ليه....
شكرا لك، انت حقا صبور...