كانت الانتكاسة الأولى للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، اخفاق حزب الله (الشيعي) في الا نتخابات النيابية التي فوتت عليه فرصة تنشكيل الحكومة كما كانت تتوقع إيران، وهو الأمر الذي كان يؤكد عليه حزب الله (الشيعي) اللبناني، وكان ذلك ما يتوقعه الكثير من المحللين السياسيين، هذا أولا، وثانيا، لم تعد إيران هي اللاعب الأكبر في (غزّة)، فالدور الذي له الحضور القوي في (غزّة) في هذه الأيام لـ (مصر)، وقد تراجع بشكل وا ضح دور إيران في هذا القطاع المهم، الذي كا ن يعتبر من الساحات الخصبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية كورقة ضغط، أو مدخل واسع وحساس للحضور في صلب القضية العربية، أقصد القضية الفلسطينية، وهو الدور الذي كان يقلق حقا الكثير من العواصم العربية، بل يقلق الكثير من العوا صم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن، أمّا الانتكاسة الثالثة فهي في العراق، فقد تراجع منسوب الحضور الانتخابي لقوى (عراقية) محسوبة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل تعتبر بعض الأنظمة العربية هذه (القوى) بأنها أ جندات إيرانية خالصة، وهي الذراع الإيراني في العراق من أجل أطماع وأدوار إيرانية حالية ومستقبلية، لقد خسرت هذه القوى حضورها الانتخابي لحساب قوى تتحسس من الوجود الإيراني، ولها راي رافض بقوة للتدخلات الإيرانية في شؤون العراق الداخلية، وهناك كلام إن إيران تحاول بجهود مختلفة وقوية تهدف لإعادة نفوذها عبر اسعاف هذه القوى المحسوبة عليه ولها، وتأتي الا نتكاسة الرابعة، وهي انتكاسة من داخل إلجمهورية الإسلامية الإيرانية وليس من خارجها، أقصد هذه الأزمة الإيرانية الداخلية بين أبرز قادة النظام، واهم شخصياته القيادية، فقد كانت ظاهرة ملفتة للنظر، لأسباب كثيرة، خاصة با لنظر الى طبيعته الشعبية الواسعة، ونوعية المشاركين، وهناك أكثر من محلل لا يرى إن الأ زمة في طريقها للحل، بل في طريقها إلى التأزم أكثر بشكل وآخر، لأنها أ زمة تتعلق بتركيبة القيم، ووتتصل بمشاكل عميقة وخطرة، وفي مقدمتها المشكلة الاقتصادية، وعلى أقل تقدير ربما تطل هذه الأزمة برأسها بين فترة وأخرى، ولا يستبعد محللون أن تتحول هذه الظاهر ة الاحتجاجية إلى بؤر ثقافية وسياسية وربما مسلحة للعمل في الخفاء.
هذه (الانتكاسات) كانت موجعة، وهي موجعة لأنها تضرب في صميم القوة الإيرانية سواء قوتها السياسية أو قوتها الرمزية أو قوتها العسكرية أو قوتها المخابراتية، الامر الذي يعني إنها كانت انتكاسة للدولة نفسها، في هذا السياق يشير المحللون إلى الهتافات التي أنطلقت بها حناجر بعض الشباب، تلك الهتافات التي نددت (بولي أمر المسلمين) السيد علي خامنئي، مما يشكل بداية جرئة غير مسبوقة في ا لتحدي، والخوف لدى أصحاب النظام أن تتصاعد حدة ونغمة هذه الجرئة حتى تصل الى المس بعقيدة الدولة، عقيدتها الاديولجية والفكرية والروحية، وهي مكمن قوتها وسر عنفوانها السياسي والقيادي داخل النظام وخارجه.
القيادة الايرانية اتهمت دوائر اجنبية بالمسؤولية عن بعض هذه الاخفاقات، اسرائيل ومصر وأخيرا وقبل كل شي بريطانيا، وقد نأت بشكل ملحوظ عن اتهام الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن مراقبين ومحللين سياسيين يوعزون هذه (الانتكاسات) لأكثر من سبب، ومن الصعب تفسير كل هذه (الانتكاسات) بتدخل خارجي من هنا أو هناك، وذلك حتى إذا كان لهذا التدخل حقيقة، ويرى آخرون إن القيادة الإيرانية وهي تتحدث عن كل هذه المشاكل تتغافل دور ما يجري في العالم من تطور قيمي، يتصل بحقوق ا لإنسان وا لأقليات والحريات الشخصية، بما في ذلك النظرة إلى الدين ودوره في الحياة والمجتمع.
هناك متاعب كثيرة تنتظر الجمهورية الإسلامية، من أبرزها فيما لو تفاعلت الأزمة الداخلية مع هذه الاخفاقات في الخارج، حيث سوف يتسبّب ذلك في إثقال كاهل الدولة، ويربك إدائها المتعشب بين الخارج والداخل، ويستنتج بعض المراقبين من إلغاء السيد أحمدي نجاد زيارته المرتقبة إلى الخارج ليبيا على وجه التحديد، وذلك نظرا لاستمرار الأوضاع المرتبكة في الداخل بشكل وآخر، وهناك من يرى إ ن إيران قد تقلص من اهتماماتها بالشأن الخارجي الأديولجي وتتجه بشكل مركزي إلى معالجة وضعها الداخلي المتأزم، ولا يقتنع كثير من القياديين الإيرانيين في الدولة من أن الهدوء الذي قد يعود إلى الساحة الإيرانية الداخلية يجسد حلا حقيقيا لهذه الازمة وما يمكن أن تتمخض عنه في المستقبل المتوسط وا لبعيد...
أصدقاء ايران في المنطقة لا يخفون قلقهم من هذه التداعيات، خا صة في لبنان والعراق وغزة، ولكن يبقى هناك تخوف أكبر وأعمق هو تخوف الكثير من قطاعات الشعب الإيراني من أن تتصاعد حدة هذه الازمة فتتسبب بمواجهات دموية ـ لا سامح الله ــ بين الناس والقوات المسلحة الإيرانية، وعندها يكون الطوفان.