1:
لا أريد أن استعجل الكثير من النتائج التي سوف تتمخض عنها عملية انتخابات المجالس البلدية في العراق، فإن ذلك يعتمد إلى حد كبير على ما سوف تفرز عنه عمليات الفرز الأخيرة بإذن الله تبارك وتعالى، ولكن هذا لا يمنع من استخلاص بعض النتائج التي تسمح بها المعطيات المتوفرة حاليا.
إن من النتائج الكبيرة التي تمخضت عنها العملية الانتخابية في العراق هي انتصار (الديمقراطية الأمريكية) بشكل عام، فإ ن الأمريكان هم الذين اسقطوا صدام حسين، وكان لهم دور كبير بل ومفصلي وجوهري في ا لقضاء على ما يسمونه بـ (الإرهاب)، وهم الذين مدوا القوات المسلحة العراقية بالعدة والعدد، وأخيرا وليس أخرا، هم المسؤولون عن خلق حالة التوازن بين مكونات الشعب العراقي بمشروع الصحوات.
هكذا سوف يقول الأمريكان...
ترى ماذا سيقول الآخرون؟
2:
لم تسجل عملية الانتخابات أي خروقات أمنية، وهذا مصدر فخر بكل تأكيد للقوات المسلحة العراقية، لأن العملية جرت تحت حماية القوات العراقية المسلحة، وكانت الحماية مشددة ومركزة ومكثفة، وشملت أكثر مناطق العراق، وهذه كما قلت مفخرة للقوات المسلحة العراقية، ولكن الوجه الآخر للعملية (سلبي)، فإن الظاهرة تعني إن الديمقراطية في العراق لم تكن بحماية الديمقراطية ذاتها، بل كانت بحامية بنادق العسكر، والديمقراطية الناضجة هي التي تحمي نفسها مدنيا وليس عسكريا. ترى ماذا لو لم تكن مثل هذه الحماية العسكرية المكثفة؟
3:
في جلسة سياسية متقدمة نسبيا في ( السويد / مدينة مالمو) باشراف الكاتب والمحلل السياسي العراقي ابراهيم العبادي كان هناك كلام حول الانتخابات، في الأثناء قال شاب واعد (هذه بيعة وليس أنتخابات ديمقراطية)، وفي الحقيقة أن صاحب الرأي كان ينظر الى الواقع بعمق، فإن النتائج الالية تشير بشكل عام، إن الشيعي لم يتبرع بصوته لمرشح سني، والعكس بالعكس، والكردي لم يتبرع بصوته للعربي والعكس بالعكس، أقول بشكل عام، وبالتالي، نحن لسنا بين يدي ديمقراطية ناضجة، ولكن بين يدي محاولة على طريق الديمقراطية الناضجة. وهذا بحد ذاته انتصار، ولكنه انتصار اولي، نامل أن يشتد ويقوى في المستقبل بإذن الله.
4:
تقول النتائج الاولية والمعلومات الاستبيانية إن الاحزاب الدينية ربما تسجل بعض التراجع، ولو بنسبة قليلة، كما أن الاحزاب العلمانية والوطنية قد تحقق بعض التقدم ولو بنسبة قليلة، وإذا ما صح هذا التوقع فإنه بلا شك على وجود مراجعة شعبية للواقع، وإن الناس بدأت تميز وتفرز، وليس من شك هو بداية خسارة للإسلام السياسي، وتقدم بالنسبة للتوجه المدني والعلماني والليبرالي بشكل عام، بصرف النظر عن التسميات.
5:
ليس من شك هناك تراجعا نسبيّا في عدد الناخبين قياسا على الانتخابات السابقة سواء فيما يخص قضية الدستور ومجالس المحافظات، فإنه بلا شك تتحمل مسؤوليته الحكومة الحالية، لان هذا التراجع جاء بسبب فشل الحكومة في تحقيق مطالب الناس الرئيسية والجوهرية، و ليس من شك لو أن هذه الحكومة وفت بوعودها من أن سنة 2008 هي سنة الاعمار والبناء لكان هناك اقبال أكبر.
6:
لقد كان للمرجعية الدينية المتمثلة في السيد علي السيستاني دور كبير في جبر الكسر الذي كان محتملا في نسبة الاقبال على الانتخابات، لقد ادرك الرجل إن هناك فتورا، وكان هناك خوف واضح من أن يصدم هذا الفتور الناس، ويكون مقدمة لكثير من المشاكل، بما في ذلك انهزام الديمقراطية بحد ذاتها، فكان لندائه تأثير كبير في جبر هذا الكسر المحتمل، وكل منصف لا يمكنه أن يتنكر للدور المفصلي لهذا الرجل الذي يعد بطل الانتخابات على مستوى المبدأ، وعلى مستوى العمل.
7:
لقد استغلت بعض القوائم صلاحياتها الادارية والوظيفية في الدولة، وفيما إذا حقق الوطنيون العراقيون حضورا متقدما نسبيا، فإنه دليل آخر على إن القوى الوطنية قد تقدمت شوطا جيدا في حركتها السياسية في العراق، فإنها رغم إمكاناتها الانتخابية الفقيرة نالت ما لم تتمنى لها القوى الدينية، خاصة وإن الاخيرة تملك إمكانات مادية هائلة، والجميع يعلم إن أحد القوائم كانت الطائرات الخاصة تنقل رموزها بين مدن ومحافظات العراق!
8:
الامر الذي اريد ان اختم به هذه الملاحظات، هو أن نتيجة الانتخابات ليست بالضرورة تحدد ملامح المستقبل السياسي في العراق، فإن الرأي الشعبي في العراق عرضة للتقلب بسبب تداخل الاوراق، وكثرة المشاكل، ولأن الامن العراقي ما زال عسكريا وليس مدنيا، وإن سنة واحدة غير كافية للقضاء على مشكلة الكهرباء في قرى ومدن على قدر أصابع اليد الواحدة، ومشاكل المركزية والمحلية ما زالت قنابل موقوتة، والكثير من المشاكل سوف تبقى بلا حل، فلا مستقبل سياسي واضح في العراق كما يتوهم بعضهم.