ترى أي ثيمة هي التي تجمع بين هذه العوالم المتباعدة الاسم والمسمى، وأي نغمة تضرب بوترها الحساس على خط واصل بين الجسد والحليب والجليد والدم، وهل هناك من خط وا صل حقا بين هذه العوالم كي نسمع قطعة موسيقية تختلف عن كل ما أبدع اصحاب العود والناي والبيانو والكمان؟
الجسد ينثني وينسدل بغنج وغضب، وهي إنّما يكون أكثر شهوية عندما يهب نفسه للآخر بدلال ظاهري ورغبة في الذوبان داخليا، والحليب يبرق لونه ليطعم الناظر شهوة الاكل، شهوة مجانية تسيل بها تموجاته الناعمة الناعسة، ولكن الجليد يبقى صلب المنظر، بيا ضه يتشامخ على الطاعة، لا يسمح بالاختراق، تمتلكه شهوة القسوة، فيما الدم يصرخ من شهوة السفاح السري لأن السفاح العلني هو وحده الذي يدينه التاريخ.
ترى أهي الشهوة تجمع بين هذه العوالم المتباعدة الاسم والمسمّى؟
إذا كان الأمر كذلك فقد أختزن الجسد شهوة كل موجود في هذا الوجود، لأن لكل شيء شهوته التكوينية أو شهوته الإرادية، وكل ما في الوجود له علاقة بهذا الإنسان العظيم...
ألهذا يتلذذ الانسان بكل ما في هذا الوجود وليس العكس؟ إنه صدى أو مجموعة شهوات العالم كله، من شهوة لون وشهوة طعم، شهوة عقل وشهوة حس، شهوة جسد وشهوة روح، شهوة علم وشهوة جهل، شهوة الحليب الطوعية، وشهوة الجليد القاسية، وشهوة الدم المتلألئة بتا ريخ البشرية منذ ان اجترحها الله وحتى هذه اللحظة...
هذا هو الجسد...
الجسد ينزلق على جليده الخاص به، والجليد ينزلق على لمسة جسد متموجة على سطحه الأملس البارد الجاسي، فيتموج مع اللمسة الجسدية ليذوب في النهاية بحرا رة تلك اللمسة الهادئة، الدافئة، ليخرج من النار شجرا أخضرا...
ذاك هو الحليب...
شهي هو الحليب... تتقافز على سطحه ذارته الدهنية العائمة، تبرق... تلمع... تشحذ البصر بأمواج من الفِكَرْ، تهبني خيالا يمتد بي إلى أصول التكوين الاولى، ولكن هل شهوته تصرخ في داخله؟ اشك بذلك، إنه شهي لأجل أن تسعر شهوة الانسان، لاجل أن تتأجج، لأجل أن تغفو على زند أملس سحري الوجد، طوبائي الحلم، يهذي من حرمان مؤقت، فيما يحلم بشهوة عارمة دائمة، ولهذا جعل الله الجنة كلها شهوات... الله ذكي جدا...
يستعر الحليب من عطل الموقف، يريد أن يكون موقفا، يريد أن يتحول حقا إلى شهوة مضافة، بياضه شهي من أجل شهوة العين، كذلك غذاؤه كان شعلة من لذة الخلق عندما اجترحه الله، والجميع تحول إلى صرا خ محموم، شهوة ليست مستعارة، ولكن أين؟ داخل الانسان...
شهوة منظر...
شهوة طعم...
شهوة حركة...
شهوة لون...
ترى أين سيكون مصير هذه الثيمات من الشهوات المتتاليات، المتسابقات، المتحفزات، المثيرات؟
انتظروا...
إنها شهوة مُعارَة، فالجسد الإنساني في انتظارها، بل شهوة الجسد الإنساني في انتظارها، كي لا تموت... وكان الله حقا ذكيا...

يا الهي...
وذاك هو الدم...
أنه أكثر الموجودات التي تكثف المعاني، أنه أكثر المخلوقات التي تكثف الاسر ار، أنه
أكثر مفردات الكون التي تكثف الولع في الحياة والموت معا...
هذا الدم...
أليس هو نتيجة شهوة الاكل وا لشرب، بل وحتى شهوة اللبس، البيع، الشراء، البكاء، الضحك، بل حتى القتل....؟
يقتلون الآخر بشهوة كي يشتهوا أكثر...
يُحيون الآخر بشهوة كي يشتهوا أكثر...
أنّها شهوة القتل، وشهوة الإحياء، وبين الشهوتين يسيل دم عبيط، دم مستشاط، دم هاديء، دم يفور باعلان النتيجة النهائية، أني شهوة في التحليل الاخير...
أين الجسد من كل هذا؟
من شهوة الدم؟
لولا الدم في شراييني ما اشتهيتُ، ولولا الدم في شرا يينها ما اشتهيتُ، وهي كذلك، حواء من شهوتي، وأنا من شهوتها، وكلانا أكل من الثمرة ا لمحرمة كي نؤسس لدم في داخلنا، ومن ثم، نشتهي كلينا... يشتهي بعضنا بعضا، وعجبا، أن الفاكهة التي خلقت فينا الشهوة إستبحناها شهوةً، اففففففففففففف، أي طغيان للشهوة في داخلنا، وأي سر هذا الذي يتخلل كل وجودنا...
وهل ينكر أحد أن العقل شهوة معرفية...
وإن الصلاة شهوة روحية؟
وكان القلم الكوني (ن والقلم) نرجسي التكوين، أبيض حبره، مدبب الرأس، اسطواني الشكل، وكان اللوح المحفوظ زبرجد اللون، مصقول السطح، يلمع في عين الملائكة...
هكذا تقول الروايات...
فهو سفاح يقوم في السماء، سفاح شرعي، لترْوَى قصة الخلق، قبل أن يخلق الله الكون، كان الله يشتهي أن يخلق كي يُعرَف...
خدَرَ الجسدُ...
لقد خدرَ، ولكن سحر الكلمات لا تخدعه للابد، نهض يستعير من ذات الكلمات شهوة اليقظة، وكان قد تحايل قبلُ على تلكم الكلمات ليجعل حتى من نومه ونعاسه شهوة عارمة تداعب جفونه...
كذلك...
خلقنا الله...