1 التعريف بالصحيفة
الصحيفة الصادقة هي التي كتبها (عبد الله بن عمرو بن العاص) عن النبي الكريم مباشرة وبإذن منه، فقد روى مجاهد (... رأيت عند عبد الله بن عمرو صحيفة، فسألته عنها فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد) 1وكما يبدو من مواصفاتها إنها كانت ذخرا لاينضب في الفقه والعلم، ولذلك احتلت مكانة عزيزة لدى صاحبها، حتى أنه كان يقول: (ما يرغبني في الحياة إلا الصادقة والوهط، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص كان يقوم عليها) 2. وقد أخرج الإ مام أحمد هذه الصحيفة في مسنده بعنوان: (مسند عبد الله بن عمرو بن العاص) 3. وتروي بعض المصادر أن بني عبد الله توارثوا هذه الصحيفة الثمنية حتى استقرت عند حفيده (عمرو بن شعيب بن محمّد بن عبد الله بن عمرو) 4 ا لمتوفي سنة 120 هجرية أو 118 هجرية، وكان يروي عنها قراءة أو حفظا من أصلها 5 ولكل هذا يهتم علماء الجمهور بهذه الصحيفة اهتماما بارزا، فقد قال العجاج: (لهذه الصحيفة أهمية عظيمة، لأنها وثيقة علمية تاريخية تثبت كتابة الحديث النبوي الشريف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإذنه) 6.
لقد بلغ اهتمام علماء ومفكري السنة بهذه الصحيفة بان جعلها أحدهم رسالة لنيل شهادة الدكتوراه، والآن نحاول أن نخضع الصحيفة والقول فيها للنقد لنرى ما هي قيمتها؟ وكم تصمد للنقد الحر؟ وسوف نبدا بتحليل أسانيدها التي جمعها الخطيب البغدادي في كتابه المعروف (تققيد العلم) متطرقين بعد ذلك إلى فحص المتون والمقارنة بينها.

2 مصفوفة الروايات
الرواية الأولى
(أخبرنا علي بن محمّد بن عبد الله المؤمَّل، أخبرنا اسماعيل بن محمّد الصّفار، حدثنا عباس بن محمّد بن حاتم، حدّثنا محمد بن الصلت، حدثنا شريك عن ليث، عن طاووس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: الصادقة: صحيفة كتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) 7.
الرواية الثانية
(... حدّثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمرو: ما يرغبني في الحياة إلاّ خصلتان، الصادقة والوهط، فأما الصادقة: فصحيفة كتبتها عن رسول الله...) 8
الرواية الثالثة
(.... عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: ما آسي على شيء إلاّ على الصادقة والوهط، وكانت الصادقة إذا سمع من النبي شيئا كتبه فيها...) 9.
الرواية الرابعة
(... حدَّثنا اسحق بن يحي بن طلحة بن عبيد الله، حدَّثنا مجاهد: قال: أتيت عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة من تحت مفرشه، فمنعني، قلتُ ما كنت تمنعني شيئا! قال: هذه الصادقة، هذا ما سمعتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني ويينه أحد، وإذا سلمت لي هذه، وكتاب الله تبارك وتعالى والوهط، فما ابالي ما كانت عليه الدنيا) 10
الرواية الخامسة
(أخبرنا أبو محمد عمر بن عبد الواحد... عن أبي راشد الميراثي، قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلتُ له: حدّثنا ما سمعت عن رسول الله، فألقى بين يدي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت فيها، فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله علمني ما أ قول إذا اصبحت وإذا أمسيت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا بكر قل: اللهم فاطر السّموات والارض...) 11
هذه هي أهم الروايات التي تثبت وجود (الصحيفة الصادقة)، التي يدعي أن عبد الله بن عمروبن العاص أنه كتبها عن النبي الكريم، واليس بينه وبين النبي أحد.
ونحن إذا نظرنا إلى الاسانيد لوجدناها مخدوشة، وهذه بعض المؤشرات: ــ
أولا: الرواية الا ولى والثانية وا لثالثة تشترك في (ليث)، فماذا يقول عنه نقاد الرجال والرواية؟
جاء في تهذيب التهذيب: (.... قال عبد الله عن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث... قال عثمان بن أبي شيبة: سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب فقال: كان يزيد أحسنهم استقامة... وكان ليث أكثر تمليكا... قال معاوية بن صالح عن ابن معين: ضعيف... قال أبو عامر القطيعي: كان بن عيين يقول: ضعيف... قال بن سعد: كان رجلا صالحا... وكان ضعيف الحديث... قال الحاكم أبو عبد الله: مُجمع على سوء حفظه... وقال الجوزجاني: ضعيف حديثه) 12.
ثانيا: وفي الرواية الرابعة: (اسحاق بن يحي بن طلحة بن عبد الله التميمي توفي سنة 164 للهجرة)، وقد جاء فيه في تهذيب التهذيب: (قال علي: لا نروي عنه شيئا، وقال صالح بن أحمد عن أبيه: منكر الحديث، وليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد عن ابيه: متروك الحديث، وقال النسائي: ليس ثقة، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث)13.
ثالثا: وفي الرواية الخامسة: (أبو راشد الميراثي) قال فيه الحاكم: اشتهر عنه النصب كحريز بن عثمان) 14.
رابعا: إن جميع الروايات في هذا المقام تنتهي عند إدعاء عبد الله بن عمرو نفسه!

3 مفارقات المتون
هناك مفارقات واضحة تكتنف المضمون، نشير إلى بعضها بشكل خاطف، على أمل التفصيل بذلك في فرصة أخرى.
1: الرواية الاولى والثانية والثالثة تبين صراحة أن أقصى ما يرغبه عبد الله بن عمرو هو الصادقة والوهط، فيما تزداد فقرات الرغبة ا لمذكورة أمرا جديدا في الرواية الرابعة، ألا وهو كتاب الله تبارك وتعالى، رغم أن جميعها من طريق (مجاهد)!
2: إن الرواية الاولى تصرح بان عبد الله بن عمرو كان يكتب وليس بينه وبين رسول الله أحد، فيما تشير بكل وضوح أن الرواية الخامسة إلى حضور أبي بكر واشتراكه في العملية، بشكل من الأشكال، وحاول الشيخ صبحي صالح تذليل هذه العقبة بقوله: (إن لعبد الله بن عمروهذا كتبا كثيرة، ودعاء أبي بكر ليس من الصادقة، بل من صحيفة أخرى كان عبد الله يحتفظ بها) 15، وهو تأويل يحتاج إلى دليل من خارجه.
3: الرواية الثالثة لا تشير إلى خلوة عبد الله بالرسول أثناء الكتابة، وإنما هو يكتب ما يسمع عن رسول الله وحسب، رغم أنها من طريق (مجاهد).
هذه هي الروايات التي يستند عليها القوم لتأصيل الصحيفة الصادقة، فهي مخدوشة سندا، متضاربة متنا، بل هناك طبائع الأشياء ـ إنْ صحَّ التعبير ـ لا تساعد أن يظفر عبد الله بن عمرو بهذا الشرف الرفيع، ويأتي حديث لاحق في هذه الحقيقة.

4 جدب الواقع
لقد أسلم عبد الله بن عمرو وعمره خمسةعشر عاما 16، وفي السنة الثامنة من الهجرة 17، أي قبل وفاة النبي الكريم بسنتين، ولم يكن من ذوي السابقة في الإسلام، بل كان أبوه وجده من الذين كادوا لرسول الله ودينه العظيم، فهل (من المعقول ـ والحالة هذه ـ أن يؤثره رسول الله لوحده كما تنص الرواية، بتلك المهمة الخطيرة التي تخص التشريع كله؟! إنه لأمر بعيد، ويدعو إلى أكثر من تساؤل، حتى لو سلَّمنا بواقع قدرته على الكتابة الفائقة)18.
الواقع أنه سؤال يفرض نفسه بجدارة، ولكن هناك مفارقات أخرى يصعب تجاوزها بسهولة، بل إنها تدعو إلى الريب بشأن صحة الصحيفة، منها ما يلي: ـ
1: قال جرير: كان المغيرة لا يعبأ بصحيفة عبد الله بن عمرو، وكان يقول: (ما يسرّني أن صحيفة عبد الله بن عمرو عندي بتمرتين أو فلسين) 19، ولم ينطلق هذا التضعيف من نقل عمرو بن شعيب وجادة كما يقول الخطيب20، لأن التقييم صادر بحق الصحيفة ذاتها كما هو واضح.
2: ولم يرو البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أكثر من سبعة أحاديث 21.
3: ولم يرو مسلم عن عمرو هذا أكثر من عشرين حديثا 22.
وله موقف سلبي عدائي من مناقب علي بن أبي طالب، كما أن سيرته على العموم تميزت بالسلبية من آل البيت 23، وبالايجابية جدا من الأمويين، بما فيهم يزيد بن معاوية قاتل الحسين.

5 وحديث عن مصير الصحيفة
يدعي بعض الباحثين أن هذه الصحيفة استقرت أخيرا عند الحفيد عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهنا يُطرح سؤال مهم: ـ
إن وفاة هذا الحفيد عام (120 أو 118) أي في طليعة العام الذي بدأت فيه معالم التدوين والحرص على كتابة حديث النبي، فلماذا وهذه الحال لم يعمد المسلمون إلى نسخها، ونشرها وتدراسها؟! فإن مثل هذا الإجراء له ما مسوِّغه الطبيعي في ضوء أكثر من حقيقة، وذلك فضلا عنأهمية الصحيفة الدينية والتشريعية، وهناك ظروف ملائمة وعوامل مشجعة على استنساخها ونشرها واعتمادها في الوسط الاسلامي الروائي والفقهي والعلمي مادة نبوية جاهزة، ومن المعلوم أن الصحيفة لم تصلنا، وهذه نقطة ضعف كبيرة، وقد تصدى احدهم لمعالجة هذه النقطة بالقول: (وإذا لم تصلنا الصحيفة الصادقة كما كتبها ابن عمرو وبخطه، فقد نقل إلينا أحمد محتواها في مسنده، كما ضمَّت كتب السنن الاخرى جانبا منها) 24
ولكن فات هذا المعالج الذي أدرك جيدا موطن الضعف، فاته أن احمد (لم يشر إلى كونها مستقاة من الصحيفة الصادقة)25، كذلك حال اصحاب السنن الاربع، كما يبدو واضحا لمن راجعها، ولم يدع احد أنه رآها إلاّ (مجاهد)، وقد مرّت بنا الروايات بهذا الصدد، وتكشف لنا أنها مخدوشة في سندها أو متنها، على أنّ الغريب في الامر حقا، أن الصحيفة لم يرها أحد في عهد (عمرو بن شعيب)، وهو عهد البديء بكتابة الحديث وانتشار اوراقه!

6 واختلاف في حقيقة المضمون
أن ما يلفت النظر حقا في هذه الصحيفة، تباين الأراء في حقيقة مضمونها إلى حد يدعو الى الاستفسار عن و اقعها كحقيقة موجودة، أو على أقل تقدير إلى الاستفسار عن مدى الإطمئنان الى ما جاء فيها، وهناك ثلاث أراء في المقام.
الاول: إنها موسوعة حديثية تضمُّ ألف حديث، وذلك بالاعتماد على رواية عبد لله نفسه، فقد روى عنه: (حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف مثل)26، ويوجِّه بعضهم هذا الامر على اعتبار كل حديث رُوي عن عبد الله، إنّما هو في الصحيفة، فيما يعتقد آخرون، أن في الصحيفة ما أتانا برواية (عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده)، ومجموعة مع المكرر في مسند أحمد والسنن الاربع (436) حديثا فقط 27.
الثاني: أن الصحيفة رغم كل ما قيل فيها وعنها، لا تعدو مجموعة أدعية وصلوات تلقَّاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لها علاقة بالاحاديث النبوية والفقه والتشريع 28.
الثالث: وهناك اشارة تفيد أن الصحيفة عبارة عن كتابين، أحدهما حديثي تشريعي، والثاني غيبي تكويني، فقد قال أبو سعيد ين يونس في تاريخ مصر عن حياة اب شريح، قال: (دخلتُ على حسين شُفي بن مانع الاصبحي وهو يقول: فعل الله بفلان، فقلتُ: ما له؟ فقال: عمد إلى كتابين كان شُفي سمعهما من عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أحدهما: قضىرسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا، والآخر: ما يكون من الاحداث إلى يوم القيامة، فأخذهما، فرمى بهما بين الخولة والباب 29
الرابع: ويرى آخرون أن هذه الصحيفة هي مجموعة كتب ظفر بها عبد الله بن عمرو في معركة اليرموك تخص أهل الكتاب، ويستند أهل هذا الرأي الى اخبا ر تفيد ذلك، منها: ــ
1: (... أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب، فكان ينظر فيها، ويُحدِّث منها، فتجنب الاخذ عنه لذلك كثير من ائمة التابعين) 30
2: (... إن عبد الله بن عمرو أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما) 31.
3: وفي رد الدارمي على بشر المريسي: (أنّه ــ عبد الله بن عمرو ــ أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، وكان يرويها للناس... وكان يُقال له: لا تحدثنا عن الزاملتين) 32.
4: وقال ابن كثير عن حديث ـ، بعث الله جبرائيل الى آدم وحواء فامرهما ببناء الكعبة، فبناه آدم، ثم أمر بالطواف به، وقيل له: أنت أوّل الناس، وهذا أول بيت وُضِع للناس33 ـ ما نصّه: (ان الاشبه أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو، أيكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من أهل الكتاب).34
5: قال الذهبي: (... وكان صاحب جملة من كتب أهل الكتاب وأدمن فيها ورأي فيها العجائب) 35.
6: قال شارح مقدمة ابن الصلاح: (والسبب في قلّة حديث عبد الله بن عمرو هو أنّه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب، وكان ينظر فيها، ويحدث منها، فَتجنَّب الاخذ عنه كثير من التابعين)36.
7: قال في عمدة القاريء: (... والسبب في قلة حديث عبد الله بن عمرو، هو أنَّه كان قد ظفر بجمل من كتب أهل الكتاب، وكان ينظر فيها، ويحدث منها، فتجنَّب الاخذ عنه كثير من التابعين)37.
إن كل هذه المفارقات تجعلنا نشكك على اقل تقدير في ماهيَّة هذه الصحيفة، وحقيقة محتواها، وكنه مسطورها.
ولكن الذي يستدعي البيان هنا أن: (... ما لابن عمرو من الحديث في كتب السنة جاء عن طريق الرواية لا من سبيل الكتابة) 38، وما قيل عن رؤيتها مرّ بيانه سندا ومتنا، ودعوى استقرارها لدى الحفيد (عمرو بن شعيب المتوفي سنة 120 للهجرة) تثير كثيرا من التساؤلات التي ثبتنا بعضها، وللمزيد من الفائدة نذكر في هذا الصدد مايلي: ـ
أن الذي يراجع ترجمة عمرو بن شعيب في الكتب الرجالية لا يقع على أي اشارة منه إلى هذه الصحيفة، وكل الاشارات التي تقرن بينه وبين الصحيفة إنّما من آخرين، فيما من المنطقي جدا أن تكون محور حديثه، وافتخاره وارشاده، ولكن أن تراجع (تهذيب التهذيب 8 ص 48)، (المعارف لابن قتيبة ص 125)، (كتاب ا لبخاري الكبير 8/ ص 342 رقم 2578)، (طبقات ابن سعد 5ص243)، (العبر في خبر من عبر 1 ص 148)، (خلا صة تهذيب الكمال ص249)، (مرآة الجنان 1ص256)، وغيرها من المصادر الأخرى، ونرى نفس الحال مع (شعيب)، وللتوكيد راجع مصادر ترجمته، ومنها (طبقات بن سعد 5 ص 243)، (تاريخ البخاري 4ص 218)، (المعارف 287)، (الجرح والتعديل 4 ص 251)، (تهذيب ابن عساكر 6 ص 326)، (تاريخ الاسلام للذهبي 3 ص 255)، (سير اعلا م النبلاء 5 ص 181)، (تهذيب الكمال ص 587)... فهذان الرجلان لم نعهد لهما كلام افتخار واعتزاز بالصحيفة كما يُرْوى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص بالشكل الذي مرّ علينا سلفا.
فما الذي كان يمنع (عمرو بن شعيب) وأبا (شعيب بن محمّد) من الإشارة الشخصيَّة المفصَّلة الى الصحيفة المزعومة ّ؟ ولماذا لا يشيران إليها أبان الرو اية، أحدهما عن الآخر حتى عبد الله بن عمرو؟
هذه اسئلة يمكن أن تثار وتكون مدخل تشكيك باصل الصحيفة، فهل هناك من يرد على مثل هذه الأسئلة؟ وما ذُكر عنها نسبة إلى عمرو وأبيه إنّما جاء على لسان غيرهما، وهذه هي أهم التصريحات الواردة في هذا الصدد: ـ
1: قال اسحق بن منصور بن يحي بن معين: [ إذا حدَّث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فهو (كتاب) ].
2: وقال ابو زرعة: إنما تكلم فيه ـ أي عمرو ـ إذاحدث عمرو بن شعيب عن ابيه عن جدِّه فهو (كتاب)].
3: وقال محمّد بن عثمان عن ابن أبي شيبة: [ سألت علي بن المديني عن عمرو بن شعيب فقال: ما روى عن ابيه عن جدِّه فهو (كتاب) وحده ].
4: وقال ابو بكر بن أبي خيثمة: [سمعتُ هارون بن معروف يقول: لم يسمع عمرو من ابيه شيئا إنما وجده في (كتاب)أبيه ].
5: قال ايوب: [ حدَّثني عمرو، فذكر أبا عن اب إلى جدِّه، قد سمع من ابيه، ولكنهم قالوا حين مات عمرو بن شعيب عن ابيه عن جدِّه إنما هذا (كتاب) ].
6: قال بن معين: [... وجد شعيب (كتب) عبد الله بن عمرو ].
7: قال ابو زرعة: [... وأخذ ــ أي عمرو ـ (صحيفة) كانت عنده ] 39.
كل هذه التصريحات لم نجد فيها بيانا على أن أحد أصحابها راى الصحيفة/ الكتاب، وإلاّ لنقلوا لنا عنها شيئا ما، إضافة إلى غياب أي تصريح لعمرو وأبيه يشير إلى وجودها عندهما، ولا بد أن نعلق على مجمل التصريحات المذكورة، حيث نلاحظ عليها ما يلي: ـ
الملاحظة الاولى: أن لفظ (كتاب) هو الغالب بل الطاغي على تسمية ما عند عمرو على لسان آثر الرجاليين، الأمر الذي يعيد إلى ذاكرتنا قصَّة ما أصابه عبد الله من كتب أهل الكتاب في معركة اليرموك، حيث نصَّ على ذلك أكثر من مؤرخ ورجالي.
الملاحظة الثانية: نفس (عمرو بن شعيب) صدرت فيه تضعيفات مطلقة، وهذه جملة من هذه التضعيفات بشكل سريع:ـ
قال علي بن المديني عن يحي بن سعيد: حديثه عندنا واهي، وقال عمرو بن العلاء: كان يُعاب على قتادة وعمرو بن شعيب، إنهما كانا لا يسمعان شيئا إلاّ حدَّثا به، وقال بن ابي خثيمة عن ابن معين: ليس بذاك، وقال الآجري: قلتُ لابي داود عمرو بن شعيب حجّة؟ قال: لا، ولا نصف حجَّة، وقال عبد الملك الميموني: سمعتُ احمد بن حنبل يقول:عمرو بن شعيب له أشياء مناكير، إنّما نكتب حديثه لنعتبر به، فاما أني يكون حجَّة فلا، وقال معمر: كان ايوب إذا قعد إلى عمرو بن شعيب تمطَّى رأسه حياء من الناس 40

قال الاثرم: سئل أبو عبد الله، عن عمرو بن شعيب، فقال: [بما احتججنا به، وربما وجس القلب في القلب منه شيء 41، وقال الترمذي عن البخاري: رأيت أحمد وعليا واسحق وابا عبيدة وعامّة اصحابنا يحتجون ديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه ما تركه احد من المسلمين، فمن الناس بعدهم؟42لا أن الإمام الذهبي يستدل على ذلك فيقول: (ستبعد صورة هذه الالفاظ من البخاري... فالبخاري لا يعرج على عمرو أ فتراه يقول: فمن بعدهم، ثم لا يحتج به أصلا، ولا متابعته ]43 وروى ابو داود، عن أحمد، قال: (أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجُّوا بحديث عمرو بن شعيب، عن جدِّه، وإذا شاؤوا تركوه)44
يعلق الذهبي على ذلك (وهذا محمول على أنهم يترددون في الاحتاج به، لا أنهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي / ترجمته ص 168).

وسيرة مشبوهة
ان استعراض حياة عبد الله بن عمرو بن العاص يكشف عن ما فصل حسَّاسة في سلوكه السياسي والعلمي إزاء أهل البيت، فعبد الله هذا حارب عليا مع معاوية في صفين، وقد كان على الميمنة يضرب بسيفين، وأكمل دوره بحمل را ي أبيه في هذه الحرب (راجع اسد الغابة في معرفة الصحابة 3 ص 234)،

مصادر البحث
(1): طبقات بن سعد 4 ص 261.
(2): سنن الدارمي 2 ص127.
(3): المسند 2 / 158 ــ 226.
(4): تهذيب التهذيب 8 / 48 ــ 55.
(5): أصول الحديث ص 194.
(6): علوم الحديث ومصطلحه للشيخ صبحي صا لح ص 27.
(7)، (8)، (9)، (10)، (11) تققيد العلم للخطيب البغدادي، ص 84 ــ 85.
(12): تهذيب التهذيب 8 ص 833.
(13): نفس المصدر نفس المصدر 1 ص 254.
(14): نفس المصدر 9 ص 170.
(15) علوم الحديث ومصطلحه، نفسه.
(16): المعارف لابن قتية ترجمة عبد الله بن عمرو نفسه.
(17) المصدر نفسه.
(18): مجلة كلية الفقه س1 ص 111 بشيء من التصرف.
(19): تهذيب التهذيب 8 ص 50.
(20): أصول الحديث.
(21): سير أعلام النبلا ء 3 ص 79.
(22): نفس المصدر والصفحة.
(23): راجع ترجمته في (أسد الغابة) وغيرها من المصادر.
(24): أصول الحديث ص 195.
(25): مجلة كلية الفقه، مصدر سابق ص 122.
(26): أسد الغابة 3 ص 233 \ز
(27): أصول الحديث، الحاشية ص 195.
(28): المصدر نفسه.
(29) خطط المقريزي 2 ص 332.
(30) فتح الباري بشرح البخاري 1 ص 217.
(31): أبو هريرة، أبو ريّة، نقلا عن تفسير الحافظ ابي الفداء.
(32): نفس المصدر والصفحة، نقلا عن رد الدارمي على بشر المريسي ص 136.
(33) ا لبداية والنهاية 2 ص 277.
(34): تذكرة الحفاظ 1 ص 42.
(35): سير اعلام النبلاء، مصدر سابق، نفس الصفحة.
(36): مقدمة ابن الصلاح ص 170، المطبعة العلمية بحلب.
(37): نقلا عن (ابو هريرة)، أبو رية، هانش ص 125.
(38): نفسه ص 125.
(39): راجع هذه النصوص في تهذيب التهذيب 8 ص 49.
(40): تهذيب التهذيب 8 (48 ــ 55).
(41): سير اعلام النبلاء 5 ص 167.
(42): نفس المصدر ص 166.
(43): نفس المصدر والصفحة.
(44): نفس المصدر ص 168.