كل ما يدور من تجاذبات وحوارات واتهامات متبادلة ولقاءات وولائم ونقاشات بين الكتل العراقية المتنافسة في هذه الايام إنما يختص بقضية مركزية واحدة لا غير، هي رئاسة الوزارة، منْ يكون رئيس وزراء العراق المقبل، ومن ثم يشكل الحكومة، والكتل السياسية لم تخف هذا الامر، بل هو صريح حربها بين بعضها ا لبعض، وصريح اختلافاتها في تفسير هذه المادة الدستورية أو تلك، ولا اعتقد ان السبب غامض وراء هذا المعركة الشرسة الحادة حول استحقاقات رئاسة الحكومة العراقية في سياق هذا التنافس المحموم، فإن رئيس الوزراء بيده جوهر السلطة ومنافذ قوتها، فهو رئيس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة فضلا عن صلاحيات اخرى تجعل منه الملك المتربع على عرش البلاد.
ولكن يخطا من يتصور أن الصراع هذا مجرد صراع بين كتل، أو رؤساء كتل، بل هناك صراع يدور خارج الحدود يتصل مباشرة بالصراع (الوطني) حول رئاسة الوزراء في هذا البلد، فلم يعد سرا أن قضية العراق دولية قبل أن تكون اقليمية، واقليمية قبل أن تكون (وطنية / عراقية)، وكان لدول الجوار دور بارز ومؤثر بل مصيري في تصميم جوهر العملية السياسية في العراق، اي الانتخابات البرلمانية.
معركة رئاسة الوزراء في المشهد ا لسياسي العراقي فضلا عن كونها صراع ارادات (وطنية / عراقية) هي محل صراع دولي واقليمي، وهذا ما يزيد في تعقيد القضية، بل هنا تكمن العقدة في الدرجة الاولى، وبالتالي، هناك صراع عراقي / عراقي، أقليمي / عراقي، دولي / اقليمي، اقليمي / اقليمي! وهكذا، ومن أجل ان نكون واضحين اكثر، وتبدو الصورة اكثر تجليا في الإطار وعلى سبيل المثال لا الحصر، نقول وبكل صراحة إن الصراع على منْ يكون رئيس الوزراء في العراق هو مجال صراع شيعي / سني، شيعي / شيعي، عربي / كردي ، إيراني / سعودي، أمريكي / ايراني، تركي / ايراني... وفي سياق هذه الفوضى والتشا بكات المذهلة تتفرع عشرات الاحتمالات مشفوعة بعشرات العوامل الطاردة والعوامل الجاذبة، وربما تعيش بعض الكتل والجماعات السياسية والارهابية على هذا الكم الهائل من مفردات ومعادلات الصراع المرير، فإن مثل هذا الصراع يخلق فراغا دستوريا وحكوميا وإنْ بحدود بسيطة، ولكن يبدو لي أن قوى الارهاب بالعراق مدربة ومتمرنة بحيث يمكنها الاستفادة من كل ثغرة امنية او دستورية في البلد.

اين يكمن الحل؟
إن الحل لا يكمن في اتفاق مفردات الصراع على العراق من خارج الحدود، فهذا الصراع يكاد يكون مصيريا، ولا اعتقد أن الزيارات الاخيرة التي قامت بها بعض الكتل العراقية الى دول الجوار ساهمت في تذليل هذه المشكلة، فإن المصلحة والقوة فوق كل اعتبار في المعادلة السياسية، ومن هنا يخطا في تصوري من يتوجه الى تلك الدول من أجل الحل، بل هو أشبه بالاعتراف الواضح الذي مؤداه ان العراق بلا شعب، وبلا احزاب، وبلا تاريخ، وبالتالي، لابد من حل آخر، فهل الحل يكمن في الارتكان الى الدستور؟ هذا الحل معضلة في حد ذاته، فإن المادة الدستورية التي ينبغي أن تكون الفيصل في الحل هنا هي محل معركة طاحنة في التفسير والتأويل، وبذلك يشكل الحل المذكور معضلة اخرى، بل يزيد المشكلة تعقيدا وضراوة ومآساة.
وبالتالي، يبقى السؤال قائما، ترى أين يكمن الحل، هل يكمن باعطاء مناصب سيادية لتكون بديلا لإرضاء طموح الطامحين، مما يمهد البقاء لا ختيار محصور وينتهي هذا السجال والاحتراب والتجاذب والتطاحن ؟ يصطدم الحل بقول الشاعر (قومي رؤوس كلهم، هل رأيت مزرعة البصل) ثم لا ننسى دول الجوار المحبة للعراق، وقبلها الارادات الدولية التي تريد لهذا البلد الخير والأمن والاستقرار!
لا حل...
لكنَّ صوتا من بعيد ينادي لتأتلف المكونات الثلاثة (الكردية، الوطني، القانون) وتحسم المشكلة بجرة قلم ونلغي شعار حكومة المشاركة الوطنية، فإن للضرورة أحكامها، وهذا التصور يتناسى ان الخلاف قائم على اشده بين الائتلافين الشيعين حول ذات المشكلة.
كثير من المراقبين ينتظرون تشتت القوائم وتمزقها علّ المشكلة تنفرج بشكل وآخر، ولكن التمني عمره لم يحل مشكلة...
المشكلة باقية...