وفيما يلتقي جسدان تكون فورة، فورة الجسد في عالمه اللاهوتي، لاهوت الرغبة، لاهوت الشهوة، لاهوت الاغنية الشبقية، شبق ينسج كلماته من لحم متداخل، من لمس متذاوب، من همس حفيف، يتصاعد خفيا، همس يضيع بين (هو) و (هي)، تختلط الالوان، تتمازج الاصوات، الآهات المتبادلة تنسج ضفيرة محكمة العقد والفواصل، الصيحات تخترق الاجساد لتزيد احتدام ذرات الجسد المتقد بنار برومثيوس، تضطرب خطوط الطول والعرض، تغيب الجغرافية، وينتصر التاريخ، تاريخ سوف يُكتب من جديد، تاريخ تهتز نغماته بميوعة مؤنثة، أنوثة تتجدد، انوثة تقتحم الممنوع لتصرخ ملء صراحتها...
لم ارتو بعد...
لم ارتو...
هل من مزيد؟
الالتقاء الجسدي أنوثة في جوهره، أنوثة طاغية، تتحسس عصير لوعتها، تتمرغ على سفح جسدها شهوة كانت تنتظر لحظتها بفارغ الصبر، هناك يذوب الجسد في نغماته المنبعثة من ذات الوعي الذي كان يتحسر على تلك اللحظة، يتشظَّى بنار الوعي المسبق...
نعم...
أن للشهوة جسدا، حينما يلتقي جسدان يتكون جسد جديد، إنّه جسد الشهوة، فللشهوة جسد، جسد يبدأ من داخل الجسد التاريخي العتيد، ليستقل بنفسه، معلنا عن صوته الخاص، عن رائحته الخاصة،عن همساته الخاصة، عن غذائه الخاص، عن مائه الخاص، عن لحمه الخاص، كل شيء خاص، هناك جسد جديد، جسد يضاف الى عالم اللاهوت المسكون في داخل كل ذرة من ذرات الكون، أنه لاهوت الشهوة، الشهوة العتيدة، فهل ننكر بعد كل ذلك أن للشهوة جسدا.
جنون وما هو بجنون، صراخ وما هو بصراخ، هيام وما هو بهيام، ذلك أننا نقرأ ذلك الجسد بآليات الزمن العادي، فيما هو زمن آخر، تسميته زمنا هي خيانة أخرى لعالم الشهوة الذي أقصد، لا تدرك الشهوة إلا الشهوة، الشهوة ذاتها... ذاتها... هي الذات والموضوع معا.
العتبة الاولى ذات وموضوع، فيما بينهما مسافة... هُوَّة... نخترقها بالحس والخيال والعقل، تلك قضية المعرفة في عالمنا السفلي، عالم القسم الاول من كتاب الطبيعة لارسطو، حسنا يرفض المتصوفة تلك المعرفة الأدنى للاشياء، الحقيقة هنا على بعد منّا شئنا أم أبينا، لا ندركها حق الادراك حتى نكون جزء منها، الله في جبتي، لاني صرت جزءا من الله، الاتحاد بالحقيقة قبل الفناء فيها، هل نملك شجاعة التخطي، نتخطى الحس والخيال والعقل لنتحد بها...؟
أقصد الحقيقة...
وهل نملك الشجاعة الكافية لنرفض الاتحاد ونتحول الى ذرة في شعلة الحقيقة؟
البداية لقاء، لقاء عابر، وربما لقاء مقصود، في البداية يفرض الحس القريب شجاعته الطاغية، الحس القريب طغيان أعمى، ولكن يتخلى الحس القريب عن جبروته الغليظ، وهو يواجه زحف ذرات الحس الآخر، الحس الخفي، الذي كان ينتظر صولته الهائجة، يشتعل بنار العودة لبداية كانت قد سجّلت تاريخها برموز من نار مقدسة، لا تخبو ابدا...
اتحد ا لجسدان، اتحدا بعنف بعد رخاوة الدهشة الاولى، في الاتحاد قوة، ولكن أي قوة؟ قوة الأمل في مرحلة لاحقة، أن يكون الجسد ذائبا في نظيره، الآن غاب الجسد، صار جزءا من نظيره، لقد فنى في نظيره، لم يعد هناك جسد، هناك مخلوق جديد، لا يرى كما نرى في يومنا العادي، لا يسمع كما نسمع في يومنا العادي، لا يشم كما نشم في يومنا العادي، لا يلمس كما نلمس في يومنا العادي، يرى شهوة، ويسمع شهوة، ويشم شهوة ويلمس شهوة
إذن...
الشهوة جسد، ليس للشهوة جسد، تلك بداية الطريق، بدايةا لتأسيس، أما التأسيس الكامل، فهو إن الشهوة بحد ذاتها جسد !
الشهوة جسد...
أحذفوا العنوان، عنوان (للشهوة جسد)، لأن العنوان يخلق ذاتا وموضوعا وبينهما هوّة،، فيما الشهوة هي الذات والموضوع معا، لا فاصل بين الشهوة والمُشتهى، هل اقول أن الشهوة تلتهم نفسها؟
أين يكون مصير تلك الصورة الحسية التي نستلها من المحسوس؟
أين تتحدد نهاية تلك الصورة الحسية المستنسخة من محسوس في عالم الخارج؟
يتبارى الفكر الفلسفي الكلاسيكي ليصل الى نتيجة مفادها أن العالم والمعلوم متحدان، أن العاقل والمعقول متحدان، الصورة تقتحم الحاجز، بل الحواجز،تتحول الى فكر بحد ذاته، عقل، أنها عقل الآن، ألسنا نستعين بها لكسب معرفة جديدة؟
أين يكون مصير الشهوة وهي الآن جسد؟
مصيرها هو ذات الجسد، هي جسد متحد بنفسه، صوفية الشهوة أعمق من صوفية المعرفة، إذا كان الطريق الى معرفة الله هو الفناء في ذات الله، فإن شهوة الجسد لا تصل الذورة إلا من خلال الذوبان في الجسد الآخر، وذلك الذوبان يلغي الجسد الاول ليؤسس لجسد جديد، أنه الشهوة بحد ذاته...
من يدعي أنه يعي شهوته كما لو يحل معادلة رياضية؟
لا أحد...
جنون وليس بجنون...
هكذا وصف علي بن ابي طالب عليه السلام شهوة الوصال!

إنه الإمام ا لسابق على عصره حقا...