عوامل كثيرة تتحكم باتخاذ القرار السياسي العراقي، اقصد القرار السياسي بالنسبة لزعماء الكتل والاحزاب السياسية العراقية، ربما من نافل القول بان المصلحة والقوة والنفوذ من ابرز العوامل التي تتحكم باتخاذ القرار، سواء على صعيد الهوية أو الوقت أو المكان، فتلك هي العوامل التي تكمن وراء النشاط السياسي في العالم، سواء كان هذا النشاط حزبيا أو دوليا أو حكوميا، فالسياسة هي صراع على القوة والمصلحة، والعمل السياسي في العراق ليس بدعا في هذا المجال، وبطبيعة الحال هذا كلام صحيح، ولا غبار عليه، ولكن ليست هذه المقتربات وحدها عن صناعة القرار السياسي بالنسبة للكتل والاحزاب السياسية في العراق، هناك عوامل اخرى، عوامل نابعة من طبيعة الظروف التي يمر بها العراق، ظر وف الفوضى وا لتدخل الخارجي وظروف الانتقال من مرحلة الى مرحلة نقيضة ومتقاطعة، وظروف التنابذ والتجاذب الطائفي والقومي في هذا البلد.
القرار السياسي في العراق محكوم الى حد كبير با جندة الجوار، الجوار يساهمون مساهمة كبيرة في صناعة القرار السياسي الذي تتخذه الكتل والاحزاب العراقية، واسباب ذلك كثيرة ومعقدة، من اهمها أن هذه الكتل والاحزاب ذات علاقة بدول الجوار لا تتسم بالتكافؤ، ولان دول الجوار تمتلك اجندة فاعلة ونشطة، والعراق بحد ذاته ضعيف بين يدي دول الجوار، عسكريا وسياسيا ومخابرتيا وامنيا واقتصاديا في بعض الاحيان، وليس هذا محل شك اليوم بالنسبة لأي مواطن عراقي، العامل الثاني الذي يساهم في صناعة القرار السياسي بالنسبة للكتل والاحزاب السياسية العراقية هو الحفاظ على ا لحياة، الخوف من المستقبل، فالجميع لا يعرف مصيره في هذا البلد في ظل هذه الفوضى السياسية والامنية، هذه نقطة جوهرية في تحديد طبيعة وهوية وزمان ومكان وهدف القرار السياسي الذي تتخذه هذه الكتلة أو تلك، هذا الحزب أو ذاك، هذا الزعيم أو غيره، من العرب او الكرد او التركمان، من السنة أو الشيعة، هناك تساؤل حقيقي عن مصير اي حزب أو كتلة أو زعيم فيما لو خسر المعركة، معركة الحكومة، معركة النفوذ، قد يتصور البعض ان مثل هذا العامل مبالغ فيه، بل قد لا يكون له وجود اصلا، ولكن هذا التصور ضعيف لمن يعرف حقيقة تاريخ هذه الكتل، ولمن يعرف الواقع في العراق وما يختزنه من ممكنات المزيد من الفوضى والتناحر والتجاذب غير المشجع.
القرار السياسي في ا لعراق اليوم بالنسبة لصنّأعه الكبار ليس قرارا بحتا، ليس قرارا وطنيا خالصا، بل هو ا لقرار الهجين، ليس صنيعة المنافسة من أجل القوة والمصلحة كما نفهمها في العلوم السياسية، بل اضافة الى ذلك هناك العوامل الشخصية، عامل الحياة والموت، وقبل ذلك هناك عامل الدول المجاورة، ولكن هل القرار السياسي العراقي، اي القرار الذي يصنعه هؤلاء السياسيون بعيد عن المصلحة الا مريكية، بعيد عما تفكر به واشنطن؟ هل هو بعيد عن الحقيقة التي تقول أن الموقف الامريكي في كل ما يجري في العراق محسوب باربعة مقتربات، النفط، أمن اسرائيل، الا رهاب، الملف النووي الامريكي؟
القرار السياسي بالنسبة لصناع القرار السياسي العراقي صعب، عسير المخاض، ليس خالصا، تشترك في تمحيضه وإخرجه الكثير من العوامل، دولية واقليمية ومحلية، شخصية ومبدئية، مذهبية وعنصرية، انه أمر متشابك حقا.
كيف لصناع القرار السياسي ان يخرج من كل هذه الشبكة المتداخلة ا لمتناسجة؟
العالم هو الاخر مشغول بهذه الفوضى من العوامل التي تتحكم باتخاذ القرار السياسي العراقي، وهي قضية تزيد من عقدة ا لموضوع، وتساهم في التعامل المعقد مع ا لعراق، فإن اشتباك العوامل التي تتحكم في صناعة القرار السياسي للبلد، وقواه الرئيسية يجعل التعامل معه في غاية التعقيد.