كثر الحديث عن حكم الجزية أو عقد الذمّة في الأيام الأخيرة، وقد صُنِّف عند بعضهم على خانة الإقصاء القاسية، وذلك في أقسى صوره ألا هو حق المواطنة، فكأن هناك علاقة موضوعيَّة بين فرض الجزية على بعض أطياف المجتمع الاسلامي وبين حرمانها من حقوق المواطنة، فالذي يدفع الجزية ليس مواطناً أصلا، فـ (المواطنة) أساساً تعبير يربط بين الإ نسان / المنتمي من جهة والوطن / المكان من جهة أُخرى، وينبثق من ذلك منظومةحقوق وواجبات بين الطرفين كما هو معروف، منها مثلاً ضمان حياة المواطن بما يتلائم وكرامته وقيمته، ووجوب دفاع هذا المواطن عن الوطن حال تعرُّضه لهجوم أو غزو على سبيل المثال، وحكم الجزية كما يقول بعضهم ينفي هذه العلاقة.
وفي الحقيقة ان رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد أسَّس المبدأ الجوهري لحق المواطنة، ولم يكن بالاستناد الى هوية عقدية بل هوية من نوع آخر، تلك هي الإنتماء الى الدولة، اي هوية سياسية بالدرجة الاولى، وذلك في ضوء الوثيقة التي نظَّمها الرسول في المدينة والتي تضمَّنت تنسيق العلاقة بين المسلمين واليهود وقليل من المشركين العرب، فقد كان الإنتماء الى دولة المدينة هو مقياس المواطنة، فالكل آمنون فيها، و الكل مسؤولون عن حمايتها، وقد ظل الرسول والمؤمنون عند نصوص هذه المعاهدة حتى نقضها اليهود كما هو معروف تاريخيِّاً، ولا نريد هنا التفصيل بذلك فقد تكَّفلت كتب السيرة بهذا التفصيل.
والحقيقة أنَّ نظام الجزية عُرِف قبل الإ سلام، أنشأه الاغريق، وفي الفارسية يُطلَق عليه (كزيت)، وقد مارسه الفرس و الروم والمسيحيون والمسلمون، فليس هو بدعة تاريخية.
نظام الجزية حدّدته الاية رقم 29 من سورة التوبة (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقِّ من الذين أُوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).
موضوع القتال في الآية الكريمة يجمعون ثلاث أو اربع صفات (لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، عدم إلتزامهم بمّا حرَّم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق)، وهي كلها مجتمعة تكشف عن (حكمة الأمر بقتال أهل الكتاب) كما جاء في الميزان، أي كلها تستوجب القتال او الجزية، وليس أي منها كاف في إمضاء ذلك، فلا قتال أو جزية مع جماعة لم تستوف هذه الشروط مجتمعة، ولكن هنا أكثر من سؤال مهم...
السؤال الأول: إن أهل الكتاب يؤمنون (بالله واليوم الآخر) فكيف نفهم هذه المفارقة الظاهرة؟
هناك تصوران في توجيه ذلك.
الأول: إنّ هؤلاء لا يؤمنون بالله حقا، ولا باليوم الآخر حقا، أي ملحدون بالله والمعاد، بدليل النفي الصارخ الصريح الذي لا يحتمل تأويلا، وهم ليس اولئك الذين يؤمنون بالله ولكن ضمن تصور خاطي منحرف، كان يقولون أن له ابنا أو شريكا، ونسبتهم الى أهل الكتاب هنا مجازية.
الثاني: أنَّ هؤلاء يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولكن ضمن تصور خاطيء، ألم يقولوا انّهم أحباء الله وأبناؤه؟ أليس هم الذين (... قالوا لن يدخل الجنّة الا من كان هوداً او نصارى)، وبالتالي قد يكون المقصود الإيمان بالله كما يقتضيه المنطق و العقل، أي التوحيد المطلق، المبرّأ من فكرة البنوة والتثليث، وما يخدش التوحيد الخالص، كذلك الإيمان باليوم الآخر ينبغي ان يكون حسب مقتضيات الفكر الناضج، وربما يؤيِّد ذلك، التعريض التالي بعقيدة (البنوة)، حيث جاء في آية رقم 30 من السورة نفسها (وقالت اليهود عزير إبن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله إنَّى يؤفكون).
السؤال الثاني: ما هي هذه المحرَّمات المُشار اليها؟ هل هي محرَّما ت كتبهم ام محرَّمات الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نحو الحصر؟ وبالتالي ما المقصود بـ (رسوله) هنا؟ هل هو موسى وعيسى أم خاتم الإنبياء محمَّد بن عبد الله؟
هناك تصوران في توجيه هذه السؤال...
الأول: يرى أن الرسول هنا ينصرف الى رسول كل ملّة على حدة، ومن هنا قال (روق) أحد المفسرين الكبار نقلا عن الزمخشري (أي لا يعملون بما في التوراة و الإ نجيل)، وفي مجمع البيان [ (ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله) موسى وعيسى عليهما السلام ]، وفي كنز الدقائق [ وقيل (رسوله) هو الذي يزعمون إتباعه ]، وعنه أيضا (والمعنى: أنَّهم يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقاداً وعملا).
الثاني: أن الرسول هنا ينصرف على وجه الخصوص الى النبي الكريم محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبالتالي فإن المحرّمات هنا هي ما حرَّمته الشريعة الخاتمة.
وفي إعتقادي ان ّ التصوُّر الأول أرجح وأليق، ذلك من غير المعقول أن يُحرِّم أهل الكتاب على أنفسهم ما حرَّمه الأسلام على مُعتنقيه، فهم ما يزالون على دينهم، يتدينون به، فكيف احاسبهم على عدم تحريم ما حرَّم الإسلام؟! نعم من المعقول جداً بل من المنطقي والموضوعي أن يتوجَّه مثل هذا الخطاب التأنيبي الى المؤمنين بنبوَّة محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم في حالة خروجهم على أوامر النبي الذي يؤمنون به، وليس الى اليهود أو النصارى أو الصابئة، فهم أصلاً لا يؤمنون بالنبوة المحمديَّة. وقد يتعزَّز هذا الرأي أيضا بالاية رقم 31 من ذات السورة (إتخذوا أحبارهم ورهبانهم إربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أُمِروا به إلاّ ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلاّ هو سبحانه عمَّأ يشركون)، فهم عصوا نبيهم سلام الله عليه، لم يلتزموا بشريعته. وبذلك نجد تناغماً بين هذه الأية والتصور الأول الذي يصرف كلمة (رسوله) الى رسول كل إمّة على حدة.
السؤال الثالث: ما هو دين الحق؟ هو في تصوري تعريض بعدم متابعة الطريق الصحيح في التفكير، وليس الدين الأسلامي بالخصوص، فـ (ولا يدينون دين الحق)، تعني الإ ضطراب في التفكير، لا يلتزمون بالسنة الراسخة في التفكير الصحيح، تلك السنة التي تستوجب التعمق والتدبر والمراجعة، فإن من معاني الدين الطريقة، و(يدين) قد تعني يلتزم بطبيعة الحال. والتصور الآخر يذهب الى أنَّ المقصود بـ (دين الحق) هنا هو الا سلام بالذات، وهناك رأي ثالث يرى ان المقصود بذلك (ولا يعقتدون بدين حقيقي) كما يتصوره (المُعتقد ون) أنفسهم أنّه حقيقي، أي حقيقي في إمضائهم وتقريرهم وتصورهم، بصرف النظر عن الواقع وحكومة المنطق والعقل، وليس بفرضه عليهم من الخارج.
وفي ضوء (بعض) هذه المقتربات يكون المعنى هو: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالتوحيد الخالص، واليوم الآخر كما هو صحيح، ولا يلتزمون بمحرَّمات الشريعة الاسلامية، ولا يدينون بدين الإسلام... أو يعطون الجزية)، ولكن أليس هناك تداخل واضح في هذا التفسير؟ فإن عدم الإعتقاد بدين الإسلام ينطوي بشكل وآخر... بدرجة وأخرى... بمساحة وأُخرى... ينطوي على عدم الإلتزام ببعض المحرِّمات الشرعية المحمَّدية. وفي ضوء بعض هذه المقتربات يكون المعنى (قاتلوا منْ يزعم أنّه من أتباع الكتب السماوية، بيد أنّه لا يؤمن بالله، ولا بالاخرة، ولا يرعى حرمة المحرَّمات الإلهية التي جاءت بها تلك الكتب السماوية، ولا يعتقد بدين حقيقي أيضا... أو يعطون الجزية.)، وهو الآخر مختلط ومتداخل. وفي ضوء بعض هذه المقتربات يكون المعنى (وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ولا يمتنعون عن محرّمات الشريعة الكريمة، ولا يدينون بالمعتقد الذي يرونه حقا... أو يعطون الجزية).
وفي الحقيقة هناك عشرات الصور والصيغ التي يمكن ان نشتقها من هذه المقتربات والاحتمالات، وذلك تبعاً لاختلاف الفهم لفلسفة الجزية ومستحقاتها، وتبعاً لخلفيَّات كل قاريء ومفسِّر وناقد، وتبعاً للتباين في الروا يات التي وردت في هذه الخصوص، وتبعاً لتباين فهم السياقات، وتبعاً لكيفية الاستشهاد بالايات الاخرى، فليس هناك ضابط محكم صارم يمكن الركون إ ليه في ضوء هذه المعطيات على صعيد بلورة معنى نهائي للإية الكريمة، وهي مسألة في غاية الصعوبة أن نطرح صورة تطبيقَّية واضحة ومطمئنة هنا، فإنّ الاحتملات كثيرة جداً، ويبدو ان إبتعاد النص عن زمننا عقَّد الفهم، وجعل هناك صعوبة، بل هناك مخاطر كبيرة للبت في ذلك، ولا ندري ماذا كانت تعني هذه المعايير في زمن تطبيقها على أهل الكتاب زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلاّ لما أختلفنا في تحديدها بهذه السعة من الاختلاف، وهذه صعوبة تقف دون تطبيق هذه الآية على الاخوة من أهل الكتاب في زمننا هذا، وهناك ملا حظتان تزيد الأمر صعوبة وتعقيدا.
الأولى: أنَّ بعضهم يذهب الى أنّ (مَنْ) هنا تفيد التبعيض، أي قاتلوا بعضاً من أهل الكتاب وليس كلهّم، وإذا كان ذلك صحيحاً سوف يدخلنا في رحاب الاحتمالات أ كثر وأ كثر.
الثاني: إنَّ هناك خلافاً واسعاً حول مساحة أهل الكتاب الذين يخضعون لهذا الحكم، فهل يشمل أهل الكتاب من العرب ام لا؟ حيث تفاوتت الأراء في ذلك.
هناك ملاحظة أخرى تدخل في نطاق هذا التعقيد ومشاكله، ماذا لو كان هؤلاء يؤمنون بالله على تلك الطريقة المرفوضة عندنا، ولكنّهم مقتنعون بذلك عن فكر هم يعبترونه صحيحا؟ بل يدافعون عنه بحرارة وإيمان وثقة؟ هل هم اهل للقتال أو الجزية؟ وبالتالي اين نضع قوله تعالى (لا إ كراه في الدين...)؟ وهل يجيز المنطق مقاتلة إنسان على قضية هو يؤمن بها صدقاً لا عنادا؟ وهل من الإنصاف مقاتلة إنسان يؤمن بقضية بها لان عقله قاده إلى الايمان والتصديق بها؟ ولذا أتصور ان المقاتلة هذه تصدق لو أنّ هؤلاء كانوا معاندين، كانوا يخاتلون الحقيقة، يكذبون في إيمانهم هذا، وإلاّ اين نضع القيمة الكبيرة الفاصلة بين إ يمان معاند وإيمان صادق؟ بصرف النظر عن طبيعة القضية التي هي محل الإيمان الذي يجمع بين الصنفين؟
أعود وأقول، ليس هناك من يستطيع القول، إنَّ بإمكانه بلورة صورة نهائيِّة واضحة في تشريح حقيقة وأبعاد تلكم المواصفات الأربع التي تشرِّع تخيير (أهل الكتاب) بين القتل والجزية بالاعتماد على هذه الآية الكريمة، وليس هناك من يمتلك جرآة بالقول أنّه يملك الصورة الكاملة التي كانت تجري عليها الآية على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حتى الخلفاء الراشدين، فلسنا ندري بإيِّ فهم كان يتعامل النبي والخلفاء مع (أهل الكتاب) من خلال هذه المواصفات وا لمعايير، أيُُ إيمانٍ هو؟ وأيُّ رسولٍ هو؟ وأيُّ دينٍ هو؟

ولكن ما هي الجزية؟
يقول الراغب: (الجزية ما يؤخذ من أهل الذمَّة، و تسميتها بذلك للإجزاء بها في حقن دمهم)... وفي مجمع البيان (الجزية فعلة من جزى يجزي مثل العقدة والجلسة وهي عطية مخصوصة جزاء على تمسُّكهم بالكفر عقوبة لهم)...
وفي معرِض بيان حكمة الجزية أو سببها، يذهب بعضهم، إنَّها شُرِّعت كي يستعين بها المسلمون في مواجهة الضائقة المالية المرتقبة بسبب منع المشركين من دخولهم المسجد الحرام كما هو في الاية رقم 28 من السرورة ذاتها، بإعتبار أنَّ هؤلاء المشركين كانوا يجلبون الطعام والكساء، فوقع في نفوس المسلمين ذاك، فشُرِّعت الجزية لمعالجة هذا الخوف النفسي لدى المؤمنين.
ونحن إذا دققنا في أحكام الجزية بشكل عام سوف نرى بُعُد هذه التعليلات عن الواقع، فلم تشرَّع الجزية لحقن الدماء، فكأن الدماء مستباحة، وتُفدى بالمال، ويظهر لنا تهافت هذا الرأي عندما نعلم ان الجزية في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت ضريبة بسيطة للغاية، بحيث لا تعُدُّ مالاً بالمعنى الإقتصادي، قياساً للظروف الإقتصادية التي كانت سائدة آنذاك، هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى، هذه الضربية البسيطة لم تكن قادرة على التعويض عمّا يمكن أن يلحق المسلمين من ضائقة مالية بسبب منع المشركين من زيارة البيت الحرام، لانَّها ضريبة زهيدة بسيطة، لا تغني، ولا تكفي لمعالجة أبسط الحاجات، وهي لا تُفرض إلاّ على المقاتل، وقد عفي منها النساء، و الصبيان، والعبيد، والعاجزين إقتصاديا، والمجانين، والقسسة، وكبار السن في فقه بعضهم، بل وبعض الاقوام كما يذهب آخرون، وليست هي عقوبة، هذا في منتهى السذاجة، ولم يرد نص في هذا التعليل البارد، فهو مجرَّد رأي يعكس مرحلة ثقافية معينة أو هي تعبير عن ثقافة شخصية مضطربة.
ويرى آخرون،أن الجزية ضريبة مالية تُفرض على الكتابي المتمكِّن العاقل البالغ الحر المقاتل ضمن سيادة الشريعة الإسلامية وحكمها، وليس في كل وقت، وليس لها مقدار محدّد بل تتعين في وقتها، ويجب فيها التخفيف جهد الامكان. وفي مقابل ذلك: ــ
1: لا يُكرهون على دينهم.
2: تُضمَن حمايتهم من كل خطر، سياسي، واقتصادي، ومدني، وحقوقي، وديني.
3: ليس عليهم قتال أو دفاع، بل هم ضمن حماية الدولة ورعايتها في هذه الحالات.
4: لا يُضار أحدهم.
وفي تصوري ليس كل هذه المقتربات صحيحة، فليس الحكومة الإسلامية ـ إن كان هناك حقا مشروع دولة إسلامية با لمعنى السياسي العلمي المعروف ــ شرطيِّاً يأخذ الآتوات مقابل حماية الناس وتمكينهم من مالهم ومتاعهم وكرامتهم، ذلك ان حق الحياة مضمون لكل إنسان في صلب الفكر الاسلامي، ولكل إنسان حريته في معتقده ومذهبه، كما تنص أيات القرآن الكريم صراحة، فمن أين جيئ بمثل هذه التعليلات الباردة؟ فلا يجوز الإعتداء على ذمي، وله حق الملكية، والسفر، والحضر، والزواج، والطلاق حسب شريعته، وله حقه في ثروات الطبيعة كما تقرر جهوده وعمله، وله البيع والشراء، وله حق التوظيف، وهناك من يرى أن المسلم يُقتَل بالذمي كما يقتل المسلم بالمسلم، بل أهم من ذلك، أنَّ الذمي الفقير حاله حال المسلم، له حق من بيت المسلمين، سواء بسواء، والتا ريخ شاهد على ذلك، ومن شواهد التطبيق هنا (حدّثني هشام بن عمار، انهن سمع مشايخ يذكرون عمر بن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق، مرَّ بقوم مجذمين من النصارى، فأمر أن يطعوا من الصدقات، و ان يجري عليهم القوت) ــ فتوح البلدان ص 131 ــ ومن هذه الشواهد كثير كثيرة، وكل هذه الحقوق ليست مًشتقة من دفع الجزية كما نعلم، ولذا فإن بعض التعليلات السابقة بعيدة تمام البعد عن مشهورات وقرارات الفقه الإسلامي.
ويرى أخرون انّ الجزية توازي ضريبة الزكاة المفروضة على المسلم، والجزية تدمج في نظام المالي في للدولة الإسلامية، ممّا يعني انّها في المحصلة النهائية لخدمة المجتمع كله، لا فرق بين مسلم وغيره كما هو معلوم، وهي في هذه النقطة لا تختلف عن ضريبة الزكاة في النتيجة الأخيرة.
وقد علّل الكثير من المفكرين الإسلامين أخذ الجزية قبال الإعفاء من الخدمة العسكرية كما هو مذكور، أو كما هو مستفاد من بعض نصوص السنة الشريفة، فلم يكن من و اجب الذمّي الكريم ألمشاركة في الجهاد، سواء كان هذا لجهاد إبتدائي او دفاعي، قبال دفع هذه الضريبة الزهيدة.
وفي تصوري هي كذلك، ومن هنا قال بعض المفكرين الإسلامين إن بعض العلماء قالوا (إنَّ الذمّة عقد لا وضع، وقد أنتهى العقد بزوال أحد طرفيه من الوجود، وإن غير المسلمين الذين أبرموا عقد الذمِّة، ورضوا بعدها على ألا يُكلَّفوا قتالاً مع المسلمين قد غادروا دنيانا، والموجودون معنا من غير المسلمين قوم آخرون، قاتلوا معنا عدونا، وهم جنود وضباط في جيوش دولنا، وهم ساهموا معنا في صنعها، وقالوا أن الدولة الإسلامية الأولى، الدولة النبوية جعلت غير المسلمين ا لذين وجدتهم على أرضها عند نشأتها مواطنين فيها، وإن هذا الصنيع ا لنبوي هديا يُتَّبع... وقالوا إن العقد الذي رضى المسلمون وغير المسلمين به بإقامة الدولة العصرية على أساسه هو هذه الدساتير الحديثة، و الملسلم مكلَّف شرعاً ب الوفاء والعقد، و خيانة هذا العقد أو العهد إيذاء لغير المسلمين، فالمسلمون وغير المسلمين سواء في حقوق المواطنة وواجباتها...) ــ الأهرام العدد 42508 الدكتور الشيخ فوزي الزفزاف ــ وقد أسقط بعض الخلفاء الجزية عندما شارك الكتابيون بالدفاع عن الدولة الإسلامية، وفي ذلك كل الوضوح بانّها شٌرِعت كـ (بدل) حربي، لا أقل ولا أكثر.
وفي مقال لاحق سوف أتحدث عن إشكاليات اخرى حول موضوع الجزية، وا لضمير من وراء القصد