لا تشير المعلومات المتوفرة ولا التصريحات المعلنة بان تشكيل الحكومة العراقية اصبح احتمالا قريبا، بل هناك ما ينبيء بان تشكيل هذه الحكومة العتيدة ما زال بعيدا، فهو يصطدم بعوائق كبيرة جدا، منها اختلاف الكتل حول تفسير المادة الدستورية التي تتعلق باحقية الكتلة المسؤولة عن تشكيل الحكومة، ومنها الصراع المرير بين الكتل حول مرشحها لشغل منصب رئاسة الورزاء، ومنها التطاحن بين صناع القرار السياسي داخل الكتلة الواحدة حول استحقاق ذات المنصب، فضلا عن تعارض الارادات الاقليمية في ذات الموضوع، والعراق اليوم نهب هذه الصراعات.
تأخُّر تشكيل الحكومة لا يصب في صالح العراق بشكل عام، والجميع يعلم ذلك، ولكن يبدو أن مصلحة الحزب أو الشخص أو الطائفة فوق مصلحة الجميع، المحللون يرون أن تأخُّر هذه الكتل في تشكيل الحكومة سوف يضاعف من تداعيات التجاذب الطائفي والعنصري في البلد، كما أنه سوف يقوِّي من دور العشائرية اكثر، ويرسخها أعمق، مما يساهم في ازدياد فرص ومجالات تمزيق اللحمة المدينية، حيث يضطر الناس الى اللجوء أكثر لعشائرهم لمعالجة مشاكلهم وحماية حقوقهم وفض خصوماتهم، وهو أمر طبيعي، لان غياب الحكومة يسبب فراغا امنيا وقضائيا واداريا، فيضطر المواطن لاكتشاف البديل الذي يسير له امور حياته وشؤون يومه، ومن العواقب المخيفة التي يمكن ان تترتب على هذا التاخير هو ازدياد نزعة الانفصال القومي والطائفي في البلد، فمن المعلوم أن العراق يعاني من شبه انقسام اثني وطائفي، وليس من شك أ ن غياب الحكومة يسبب مزيدا من شحن هذه النزعة ويساعد على تبلورها حاجة ماسة، تفرضها الظروف القائمة، ومن الصعب القول بأن صناع القرار السياسي العراقي لا يعرفون او يفقهون هذه الحقيقة المرة.
تأخُّر تشكيل الحكومة من شانه توسيع شقة الخلافات بين الكتل الفائزة، بل من شانه أيضا أن يخلق خلافات جديدة داخل الائتلاف الواحد، وبالتالي، تتضاعف وتتزايد التناقضات بين الكيانات السياسية وفي داخلها أيضا، أي يتوفر المزيد من فرص الفوضى السياسية، وما يمكن أن يلحق بذلك من فوضى امنية، وفوضى ادارية وفوضى اقتصادية!
الدول الاقليمية التي لها أجندة كبيرة ومؤثرة في العراق سوف تتوفر على فرص مواتية أكثر على تقوية نفوذها داخل البلد، فإن الفراغ السياسي في اي بلد يمكن الجوار من مليء هذا الفراغ، فكيف إذا كان لهذه الدول نفوذ طاغ ومؤثر مسبقا؟
ليس من شك أن تأخُّر تشكيل الحكومة يخلق علاقة سلبية بين الناس والكثير من صناع القرار السياسي، خاصة المتصدين للعملية السياسية مباشرة، أن الشعب العراقي كله يتطلع الى الاسراع في تشكيل حكومته، خاصة بعد ذلك الاقبال الجيد على الانتخابات، حيث كانت العملية محفوفة بالمخاطر الكبيرة.
ان استقرار العراق مدخل لاستقرار المنطقة، أو هو احد المداخل الى استقرار المنطقة، وتأخير تشكيل الحكومة العراقية مهما كان لونها أو نكهتها، وبناء على ذلك، يكون التعجيل بتشكيل هذه الحكومة مطلب اقليمي، مطلب كل شعوب المنطقة، فهل يعقلون؟