وأخيرا أُختُصر حزب الدعوة بكل تاريخه الطويل، وبكل تجربته الحزبية والنضالية بشخص واحد، القائد الاوحد، الضرورة، الكتاب المفتوح، إنها تجربة حزب البعث مع صدام حسين، فالدعوة اليوم هي السيد نوري المالكي، وعندما ينتخب النا س السيد نوري المالكي، وعن طريق انتخابه يتم انقاذ حزب الدعوة في البرلمان فهو لدليل قاطع على أن الحزب تجسد نهائيا وبشكل درماتيكي حزين في شخص له عمر محدد وله طاقة فكرية محددة وله ارادة محددة، ذلك الشخص هو السيد نوري المالكي، والحزب كما هو وا ضح يدرك ذلك جيدا، وفيما يقول الحزب بان يصر على ترشيح المالكي وحده لرئاسة الوزراء لا ن الناس انتخبتهم، فهو اعتراف صريح بان الشعب العراقي لا يعرف حزب الدعوة بل يعرف المالكي، وأن الحزب أصبح كومة احجار، بيت متداعي ولكن تسنده دعامة قابلة للانكسار باي لحظة ممكنة!
هل حقا أن الحزب يملك طاقات اخرى يمكن ان تحل محل الما لكي ولكن الاستحقاق الانتخابي هو الذي يحتم على الحزب الاصرار على المالكي وحده؟
حسنا...
إذا كان ذلك صحيحا فلماذا لم يحصل هؤلاء على نسبة من المتخبين تعادل أو تقارب نسبة السيد نوري الما لكي؟
لماذا إذن يستنجدون باصوا ت المالكي على طريقة الكراسي التعويضية التي هي كراسي استجدائية خجولة، لا تبعث على الاعتزاز والفخر؟
منْ هذه هي الشخصية التي يمكن ان تكون بديلا عن السيد المالكي لقيادة الحزب سياسيا في الظروف التي يمر بها الحزب اليوم؟
الامر الذي يزيد من صعوبة الموقف وحراجته ان الحزب لا يملك اليوم مفكرين ومنظرين من الدرجة الرفيعة، وهي العقدة التي يعاني منها الحزب منذ زمن ليس بالقصير، لقد انتهى فكر (الاسلام دين ودولة، الاسلام يجمع بين الواقعية والروحية...) وحلت مرحلة انقلابية في الفكر الانساني، فكر ميتالغة، فكر العولمة، فكر معنى العقل.
وإذا كان (مقتل) حزب الدعوة العريق بـ (مقتل) المالكي الشخص... الفرد... العبقري... فإن (مقتل) هذا الاخير بمقتل الحزب ذاته، فقد حصر نفسه في بوتقة حزبية ضيقة للغاية، ولم ينجح في ان يتحول الى غطاء روحي خارج نطاق حزبه الذي يعاني من خلل كبير على صعيد انتاج الفكر، كان بامكانه أن يكون خيمة للجميع، حتى الذين لا يحبونه، ولكن ضيق الافق الحزبي، وتكرس الروح الحزبية على الطريقة الشرقية تحول دون أن يقفز هذه القفزة النوعية، وبالتالي، فإن ما يقترفه (الدعاة المؤمنون!) من ممارسات فجة أو ممارسات لا ترضي الضمير الاسلامي، ولا تنسجم مع ثقل المسؤولية، إنما تُحسَب على المالكي بالذات، لان المجتمع العراقي مجتمع أُسوات وليس مجتمع مؤسسات.
المعادلة واضحة، مقتل المالكي بمقتل حزب الدعوة، ومقتل حزب الدعوة بمقتل المالكي، وتلك هي بعض امراض الاحزاب الشرقية، وهي معادلة حزينة تبعث في نفوس الخيرين الحزن العميق، لما يملكه الحزب المذكور من تراث نضالي وجهادي مشرِّفين.
مراقبون يقولون أن الحزب متمرد في داخله على السيد المالكي، ولكن لا يقدر احد على مواجهة السيد المالكي بالحقيقة، لاسباب عديد ة، منها خلو الحزب من شخصية قيادية شجاعة تقدر على المواجهة، ومنها إن الحزب أو بالاحرى أكثر الدعاة الذين فازوا بالانتخابات كا ن بفضل تبرعات المالكي بفائض اصواته، فهم (ارقام) منسية، ولكن أصوات السيد المالكي هي التي انقذتهم، ولهذا لا يقدر احد على مصارحته بالحقيقة.
هل هناك كسب حزبي في الشارع با لنسبة لحزب الدعوة؟
ليكن
لقد كان عدد المنتسبين الى حزب البعث بالملايين!
ولم يكن الانتماء الى حزب البعث لقاء (هدايا) يقدمها المنتمي الجديد الى بعثيين مسؤولين، فكيف إذا كان ثمن الانتماء (صفقات) تجارية حتى في المدن المقدسة؟!
سؤال يفرض نفسه: ترى ما هو مستقبل العلاقة بين حزب الدعوة والسيد المالكي فيما لو لم يحصل السيد المالكي على منصب رئاسة الوزراء مرة ثانية لا سامح الله ولا قدر؟
مؤرخون ينتظرون، إذ ستبدا مرحلة فضائح جديدة... أو اتهامات جديدة، وجوهر الاتهامات ينصب على قضية جوهرية، إنه الجواب الغامض والمتناقض والمضطرب والمتداخل عن المسؤول عن تحطيم حزب الدعوة...
حرامات مئات بل الاف الشهداء!
ما زا لت أجسادهم طرية، ولكن لتنعم تلك الاجساد بالراحة لان الذي كان يبعث بها الى الموت عبر تلك المياه الصاخبة يملك اليوم فيما يملك أكبر قصر على كورنيش الكاظمية، يحرك ستائر قصره بالريموت كنترول...
آه...