1:
منذ ان بدأت احداث البحرين، معارضة وحكومة، كنت قد كتبت مقالا في ايلاف ذكرت فيه أن الحرين خط احمر، خط احمر بالنسبة لدول الخليج، وخط احمر بالنسبة لاوربا، وخط احمر بالنسبة لا مريكا، خط احمر بمعنى الكلمة، وقلت في حينها، أن البحرين خاسرة السعودية، ونقطة رصد وحضور ستراتيجي امريكي مباشرة، وانها جزيرة صغيرة، لا تصلح لثورة، ولا تصلح لتمرد، وأن الموقف الصحيح بالنسبة للمعارضة هو ذاته الموقف السابق، الحوار، مداومة الحضور في البرلمان، السعي لتطوير المكاسب البسيطة، الابتعاد عن سقف المطالب التي تشعر الحكومة بالخطر والتجاوز، وعدم الانجرار وراء هتافات المغالين والمزايدين، ولم يكن موقف المملكة العربية السعودية يصدمني، ولم يفاجاني موقف باكستان، ولم استغرب موقف وزارة الدفاع الامريكية، ولم اتعجب من موقف دول التعاون الخليجي، ومن يندهش لأي من هذه المقتربات فهو يدلل على بساطة تفكيره السياسي، وقد استحق من كان يعي هذه الحقائق وقال بها ونشرها وصارح بها شتائم المزايدين، وسباب المتطلفين على التحليل السياسي، وتشكيك اصحاب ثقافة الجرائد، وأخبار المواقع غير المنضبطة باخلاق مهنة الصحافة المحترمة، والاعلام المسؤول.

2:
ما يحدث في سوريا كان ردا على ما حدث في البحرين، لم يكن تزامنا صدفيا، بل هو مدروس، فالبحرين تعني الخليج كله، واي اختلال في علاقة المعارضة بالحكومة في البحرين في سياق انتصار حاسم أو شبه حاسم للمعارضة ينعكس بكله على المنطقة، ونكهة التغير تحمل رائحة الطائفية، هذا واضح لكل من له قلب ويلقي السمع وهو شهيد، وفيما اكتشاف هذه العلاقة لا يحتاج الى دليل مسفر، وقوة تفكير خارقة، فإن طلب دول الخليج أو اقتراح دول الخليج العربي من الجامعة العربية بتغيير مكان اجتماعها، اي بغداد، إنما يدل بشكل مباشر وبشكل سافر أن الاقتراح له علاقة ماسة بقضية البحرين، ولماذا نذهب بعيدا، وكان في ذلك كلام صريح لدول التعاون في ذلك، أنه التدخل في شؤون البحرين، اي تدخل العراق، والاشارة المبطنة هنا الى ما حصل في البرلمان العراقي، حيث لم يحسب بدقة، ولم يدرس بموضوعية، وبدل أن يطرح هؤلاء المزايدين أو السذج مشروع الوساطة، وبدل أن يدعوا الحكومة والمعارضة الى استمرار الحوار، والتحلي بضبط النفس، راحوا ينفخون في النار، على طريقة أحد (ابطال المعارضة) عندما جاء من لندن ليصرح بأن الملك سوف يغادر، وأن ساعة الحقيقة قد أزفت!

3:
قضية البحرين لم تنته، ولن تنته بهذه السرعة، وسوف تستمر آثارها، بل ستكون سببا في تغيير الكثير من المعادلات الاقليمية، تحالفات جديدة، وعلاقات جديدة، وتغيير في مسار العلاقات بشكل وآخر بين دول المنطقة، بل بين شعوب المنطقة، بل بين مكونات هذه الشعوب، وقد أخطا من كان يظن ان البحرين صغيرة في حجمها، فقيرة في عدد سكانها، عالة على غيرها في امنها وسلامها، وبذلك يسهل، بل ومن السهل جدا، إرباك الحكم، وتغيير هويته السياسية، واستبدال تاريخ لمدة مئتين سنة واكثر بتاريخ جديد، يحل مكانه، موضوعا ونظاما وسياسة، فهؤلاء لم يفقهوا سنن الجغرافية السياسية، ولم يدركوا قيمة الاستراتيجية، ولم يتدارسوا انعكاسات الاحداث وعمقها في عالم اليوم، فورطوا المعارضة البحرينية، وليس من شك أن هذه المعارضة بسبب هذه الملابسات التي كانت بسبب بعض رموزها وبسبب بعض المزايدين تراجعت ليس الى المربع الاول، بل الى النقطة العاشرة تحت الصفر، وهذه هي قمة المأساة، والقمة التي تليها أو توازيها، أن المحرضين والمزايدين لم يصبهم ما أصاب أهل البحرين، واستمروا يواصلون الخطب الرنانة، خطب الشهادة والبطولة التاريخية، خطب الاسناد والمساندة الكلامية، بل لا يستحون حتى من الاستمرار بالتحريض العسكري والثوري والاستشهادي، والمعارضة في حيرة من أبسط أمورها!

4:
لم تنته قضية البحرين، ولن تنتهي، سوف تزيد من حدة التجاذب الطائفي في لبنان، وسوف تزيد من ارباك العملية السياسية في العراق، وسوف تخلق بؤر مشحونة بالشعور الطائفي في مصر، وسوف تعمق من الخلافات السرية بين ايران والكويت، وسوف تقنع تركيا اكثر واكثر ليكون لها موقع أكثر مساحة وعمقا في المنطقة العربية...
لم تنته ولن تنتهي مشكلة البحرين، سوف تتفاعل طائفيا واستراتيجيا وسياسيا وثقافيا في المنطقة كلها...
والخاسر الاكبر هو الناس، الناس في كل البلاد العربية والاسلامية، بلا فرق ولا تمييز....
ولكن سؤالي هو...
من هو الخاسر الاكبر على وجه الخصوص؟
كلنا يعرف الجواب...