1:
هي نيران حقا، سواء كانت آتية لا سامح الله أم مؤجلة، إذا أتت ـ كلها أو بعضها ـ تأكل الأخضر واليابس في منطقة الشرق الأوسط العربية وغير العربية، تجر حرائق تلو حرائق، تزيد كثيرا من التجاذبات الطائفية في المنطقة، تخلق مشاكل حدودية جديدة، تعمق الخلافات العرقية والإثنية، تولَّد أحلاما جديدة في الانفصال والاستقلال هنا وهناك في بلدان عُرِفت أنها بلاد طوائف وقوميات وأثنيات... وإذا تأجلت ــ كلها أو بعضها ـ فهو تأجيل مؤقت بطبيعة الحال، في ظل حرب باردة، وتسابق محموم على القوة والمصلحة، تحالفات اشبه برمال متحركة لمواجهة المستقبل، تزايد تسليح، تخليق المزيد من بؤر التوتر والانفعال في كل أرجاء المنطقة، لأنه تأجيل محكوم بالانفجار اليوم أو غد...

2:
ماذا لو أصدرت المحكمة الدولية في لاهاي القرار الظني بحق قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق الشيخ رفيق الحريري؟ وماذا لو صوُّت أكثرية أبناء الجنوب السوداني على الانفصال وثبت الانفصال على السكة؟ ماذا لو فشل العراقيون في تشكيل الحكومة العتيدة فيما مضى على موعد تشكيلها أكثر من ثمان أشهر تقريبا؟ ماذا لو لم يتوصل الحوثيون وغيرهم من القبائل (الثائرة) في اليمن ومعهم رموز جنوبية (أنفصالية) إلى إتفاق ـ وإنْ وِفقَ معادلة هشة مضطربة ـ مع الحكومة التي باتت حائرة في كيفية مواجهة كل هذا الكم من (الخارجين) على النظام؟ ماذا لو يتم الاتفاق بين إيران والمجتمع الدولي على صيغة تنهي هذا الصراع المحوم بينهما بسبب القضية النووية، ودور إيران في المنطقة؟ ماذا لو أن إسرائيل بقيت على مواقفها الرافضة لأي فرصة سلام، واستمر نتنياهو على رفض مقترح تجميد الاستيطان؟ وماذا لو لم يتم التوصل إلى القضاء على القاعدة في افغانستان ولم يحصل أي اتفاق بين كرزاي وزعماء القاعدة وإنْ على نحو جزئي ومع بعض هذه القيادات؟

3:
هذه الاسئلة من الصعب الجواب عليها ـ كلا أو بعضا ـ لأنّها أسئلة افتراضية بطبيعة الحال، ولكنّها ليست افتراضية بحتة، أي ليست افتراضات عقلية واحتمالات نظرية، بل هي افتراضات قريبة من الواقع، وهي مقلقة في حد ذاتها، أي مقلقة رغم كونها افتراضية، لان موضوعاتها تمس السلام بالصميم في المنطقة، وتمس هواجس الناس وهمومهم ومعائشهم ومصيرهم،سواء كانوا عربا أو غير عرب، وسواء كانوا مسلمين أوغير مسلمين، سواء كانوا في الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، فهي افترضات لا تنبع من فراغ أو أوهام، بل من واقع مملوء بما يشجع على كونها ممكنة بل ربما قريبة الوقوع والتحقق.

4:
وفي ظل هذا القلق الكبير الذي يستحوذ على كل المهتمين بشؤون هذه المنطقة تبدو الحكومات المحلية عاجزة عن معالجة يخصها من هذه الافترضات المرتقبة على الأبواب القريبة ، فبعض هذه الحكومات ذات الصلة بهذه المشكلات ضعيفة، لا تمتلك رصيدا شعبيا، وتعاني من علاقات سلبية مع أبناء شعبها بشكل وآخر ، وبعضها تغلب عليها الصبغة (المذهبية)، وبعض منها يعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية، ولا تملك علاقة حية مع المعارضة الداخلية والخارجية، وبعض منها على علاقة سيئة ومتوترة مع جيرانها، كذلك الدول الكبرى، بما فيها قائدة العالم لحد هذه اللحظة، اي الولايات المتحدة الامريكية، وربما تضارب المصالح بين هذه الدول قد يزيد النار ضراما، أو يعقد المشاكل اكثر، كما هو في الصراع الدائر على اشده بين واشنطن من جهة واستطرادا المجتمع الغربي وبين بكين من جهة أخرى حول الموقف من المفاعل النووي الإيراني، وربما يزيد من عدم قدرة هذه الدول على احتواء هذه الافترضات ومواضيعها المقلقة إنشغالاتها العميقة بهموم داخلية مثل الهجرة غير المشروعة، واتساع ظاهرة تعاطي المخدرات، وتصاعد موجة اليمين المتطرف، لانه لا يشكل خطرا على (الاجانب) فقط، بل على عموم استقرارها الداخلي، فضلا عن تداعياته المحتملة على عموم أوربا في المستقبل، ولأن مثل هذا الاهتمام يكلف الا قتصاد كثيرا، فيما الازمة الاقتصادية العالمية مازال شبحها قائما ومؤثرا.

5:
ان عدم التوصل إلى مخرج لتشكيل الحكومة العراقية سيفجر أو يعقد المشهد العراقي أكثر،ويصعِّد من منسوب التدخل بالشأن العراقي أقليميا وعالميا، وفيما إذا صدر القرار الظني من طرف المحكمة الدولية، متهمة بعض أفراد حزب الله بشكل مباشر وسوريا بشكل غير مباشر ربما تتفجر الاوضاع مجددا في لبنان، وإذا ما فشلت قطر بلم شمل الافرقاء المتحاربين في اليمن، وطرح مبادرة سلام وإنْ مؤقتة، فإن مزيدا من التداعي المدمر ينتظر هذا البلد المُستهلك حربا ونزاعا، ونتائج الانتخابات السودانية أيا كانت هويتها تخلق فرصا جديدة للمشاكل بين الشمال والجنوب، وبين الجنوب والجنوب، واسرائيل تعد العدة بلا شك لمواجهة إصرار إيران على برنامجها النووي الذي تعتبره واشنطن وتل أبيب مشروعا (حربيا) وربما (عدوانيا)، وتبقى منظمة التحرير الفلسطينية وحماس في معركة دائمة باتجاهين، الا تجاه الاول بين حماس ومنظمة التحرير، والإتجاه الثاني بين كل منهما من جهة وتل ابيب من جهة أخرى، وفي ظل تداخل معقدة للغاية...
ولكن ما هو مصير هذا التسابق على التسلح في المنطقة؟
الكل في انتظار مجهول، أو أكثر من مجهول، ولكنه مخيف على أي حال، وفي كل حال.