أثار أكثر من كاتب وباحث من المستشرقين ومن المسلمين بعض المشاكل أو الإشكاليات حول تفسير القرآن الكريم، كتاب العربية الأكبر كما يقول العلامة الرحل الخولي، ومن جملة هذه الإشكاليات ما يمكن تسميته اشكالية المعجم العربي، فمن المعروف إن هذا المعجم تشكل في مرحلة متأخرة من زمن نزول القرآن المجيد، وما قيل عن مؤلفات الصحابة ألأوائل عن غريب القرآن ما زال محل نظر من حيث صحته، فضلا عما يعتري معاني الكلمات من اضافات وتغيرات وتحولات قد يصرف معنى الكلمة عن رسمه الموضوع له في البداية، ولذلك تجد هناك اختلافات بل معركة شرسة حول معنى المادة الواحدة بين معظم المعاجم اللغوية، ولك أن تأخذ مادّة (خ، ل، ق) وترى بعينك مدى الاختلافات والاجتهادات المطروحة، كما أن هناك مشكلة الاستشهاد على المعنى، فهي الأخرى مُثارة، وليس هنا محل بيانها، سأخصص لها مقالة بها في موقع إيلا ف بإذن الله تبارك وتعالى.
يستند كثير من المفسرين قدامى ومحدَثين على ما يُنقَل لنا من تراث المفسرين الأوائل، بل هو بداية الاستشهاد في كثير من الاحيان، وكثيرا ما يُقرَن التفسير بحديث ورواية، ولكن هناك شكوك كثيرة حول روا يا ت التفسير، حتى اعتبرها ابن حنبل إنها جنبا الى جنب احاديث الفضائل وأسباب النزول من أكثرم ما ابتلى به الحديث النبوي من وضع وافتراء!
هؤلاء المفسرون مثل عبد الله بن عباس (ت 68) للهجرة، واسماعيل بن عبد الرحمن السدي (ت 127)،وعطاء(ت 114)، وعكرمة مولى بن عباس (ت 105)، ومقاتل بن سليمان الأَزدي (ت 150)، وغيرهم.
تحوم أكثر من مشكلة حول التراث التفسيري لهؤلاء المفسرين، منها مثلا وثاقتهم، فهناك تضعيفات في كثير من هؤلاء، وليس هناك اتفاق على نزاهتهم في النقل والعلم ما عدا بن عباس رضي الله عنه فهو محل اتفاق الجميع من علماء الإسلام سواء على صعيد نزاهته أو علمه، وثانيا تحوم مشاكل كثيرة حول الناقلين عنهم،أي الرواة الذين نقلوا لنا ما قاله هؤلاء في التفسير، فإذا كان هو ثقة، حجة، محل اطمئنان فإن مشكلة أخرى تنتظرنا هي مدى وثاقة وحجية واطمئنان الناقلين عنهم، فمن المعلوم إن كلام هؤلاء لم يكن مدوَّن، بل هو شفهي، ونقل شفهيا، ولم يدون إلاّ متأخرا، فكيف إذا ضممنا إلى كل هذه الملاحظات النقدية ملاحظة في غاية الأهمية، تلك هي كون الرواة عنهم ضعفاء، أو صدرت بحقهم تضعيفات؟
عبد الله بن عباس يعتبر حبر الامة كما يقولون، وكان من أخطر وأهم مفسري القرآن الأوائل، سواء على مستوى قربه الزمني من عصر الكتاب الكريم، أو على مستوى علمه، أو على مستوى نزا هته ونظافته في السلوك والتدين، ولكن المشكلة تكمن في الرواة عنه!
لقد جمعت أحاديثه في التفسير في كتاب مطبوع بعنوان (تنوير المقباس في تفسير ابن عباس)، جمعه صاحب البحر المحيط، أي معجم البحرالمحيط، ولكن نقرا في كتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي قوله: (لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلاَّ شبيه بمائة حديث / الاتقان 1ص 224)، وفيما تحرينا رواته فسنقع على: ــ
1: الضّحاك بن مزاحم الهلالي ت (102، 105)، وثقه جماعة، ولكن نقرأ أيضا في كتاب الاتقان للسيوطي الجزء 1 ص 224 من أنه لم يلق ابن عباس أصلا، وربما في جميع ما ينقله لنا عن ابن عباس فيه نظر!
2: عطية بن سعد بن جنادة العوفي ت (111)، ضعّفه بن معين وابو زرعة ومتهم بأنه كان من شيعة أهل الكوفة، وروى عنه ضعفاء أيضا / تهذيب التهذيب 7 رقم (413).
3: محمّد بن سائب الكلبي ت(146)، فقد رفضه السنة رفضا باتا، وعدوه حكاواتي يكذب ويُتهم بالوضع، حتى أخباره محل نظر، وهو من أهم الطرق إلى تفسير ابن عباس رضي الله عنه.
هذه هي حال تفسير ابن عباس، قد لا تكون المشكلة في التفسير بحد ذاته، بل بالنقل عنه، فكيف نطمئن إلى تفسيره بالذات، ومن المعلوم أن رواة حديث وتفسير بن عباس هو عكرمة، مولاه، وهذا متهم بالوضع من قبل ولد ابن عباس، حتى أنه ربطه إلى الكنيف بسبب ذلك!
ولنأخذ على سبيل المثال أيضا المفسر مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني أبو الحسن البلخي، فهذا الرجل من أساطين المفسرين الأوائل، بل هو عمدتهم عند المتأخرين، ترى ما يقولون عنه؟
نعم، هناك توثيقات كثيرة بحقه، ولكن أُتهم بأنه (لا يضبط الإسناد / تهذيب التهذيب 10 رقم 501)، واتهم بانه اخذ التفسير عن الكلبي،والكلبي متهم، وأنه يروي عن مجاهد ولم يره،ويروي عن الضحاك أيضا ولم يسمع عنه لأن الضحاك مات قبل موت مقاتل هذا باربع سنوات كما في الاتقان للسيوطي!
هذه بعض مشاكل المفسرين الأ وائل الذين هم عمدة التراث في التفسير، تفسير القرآن الكريم،وهي مشاكل لم تقدم لها حلول جدية لحد هذه اللحظة، وتشكل بطبيعة الحال عبئا على توخي الحقيقة القرآنية فيما اعتمدنا عليهم بلا تحقيق وبلا تدقيق، ليس على مستوى الكلمة معناها، بل على أكثر من مستوى، الأول هو النزاهة، والثاني هو صحة النقل، والثالثة هي الثقافة والعلم.
هناك من يرى أن المشكلة لا تحتاج إلى مثل هذا القلق والاضطراب، وذلك لأن هؤلاء لم يكونوا ينقلون لنا فضائل أو أخبار معارك، بل ينقلون لنا معان وحسب، ونقل المعاني لا يحتاج إلى وثاقة ونزاهة وصدق في النقل، واعتقد أن مثل هذا الكلام مردود، فإن الصدق وحدة لا تتجزا، وهي أحدى الطرق في معالجة الكثير من النقولات التاريخية!
إن مثل أبي هريرة أو عمرو بن شمر أو ابي مخنف، سواء ينقل تفسيرا، أو تاريخا، أو قولا لآخر، أو حدثا، أو رأيا، أي مادة أخرى، يكذب في هذه وتلك فيما إذا كان كاذبا أساسا.