1:
المعارضة البحرينية تتسم بالحكمة والموضوعية في تحركها، تاريخها أثبت ذلك، هادئة، مسالمة، لا تجازف، وطنية، تنطلق من الواقع، حتى الواقع بلحاظ سياقه التاريخي، وهذا يعود في الحقيقة الى وعي متجذر لدى الشعب البحريني، وعي سياسي دقيق، فهذا الشعب سابق على غيره من الشعوب الخليجية في تعرفه على تيارات الفكر الاديولجي والفكري والسياسي الحديث والمعاصر، فما زالت الحركة اليسارية في البحرين تتمتع بالحضور المشع، وتشهد حركة التنوير الاسلامي الحداثوي نشاطا مفعما بالقوة حتى با تت تهدد ا لتيارات السلفية في فهم النص الديني، وهناك بطبيعة الحال الحركة الدينية السلفية، ومثل هذا الوسط المحتشد بالاختلاف الفكري يصنع معارضة حية، ذكية، واقعية، وهكذا كان واقع المعارضة البحرينية بشكل عام.

2:
وقد استطاعت هذه المعارضة أن تحقق الكثير لجماهيرها، هو كثير بلحاظ سابق هذه الجماهير، وبلحاظ ظروف البحرين على صعيد الفقه السياسي الحا كم، وطبيعة موقعها الاستراتيجي، وطبيعة موقف الدول الكبرى من البحرين في ضوء مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
لقد آمنت حكومة البحرين بضرورة التغيير، وإنْ بمديات بسيطة، دخل في التشكيلة الحكومية معارضون، واجيزت اكثر من جريدة تمثل المعارضة بشكل وآخر، وتم تشكيل أكثر من جمعية تحمل فكر المعارضة، وكان اشراك خمسة وزراء شيعة في التشكيلة الاخيرة خطوة متقدمة على طريق المعارضة نحو مكاسب اكبر، واستطاعت المعارضة إقناع أو إرغام النظام الملكي على الجلوس حول طاولة حوار لمناقشة الكثير من مطالبها، وفي المقدمة مسالة التجنيس السياسي.
كل هذه المقتربات تعتبر مكاسب، بالقياس الى الماضي، وقراءة على ضوء الواقع السياسي والاستراتيجي الذي يتصل بالبحرين كدولة ونظام وطريقة حكم وتنوع مذهبي.

3:
لقد ابدعت المعارضة البحرينية في اسلوب الكر والفر في التعامل مع الحكومة، وابدعت في طرح الشعار الوطني العام، وابدعت في اصرارها على بقاء النظام الملكي، وأبدعت في رفعها لسقف المطالب حسب المستجدات التي اجتاحت العالم العربي والاسلامي، وابدعت في طرحها شعار (البحرين أولا)، وكانت في كل ذلك تحرج الحكومة البحرينية، وتضعها على المحك، وقد تعاطف مع المعارضة أحزاب ومنظمات ومؤسسات دولية تطالب الأنظمة بفتح المزيد من فرص الحرية للشعوب، وقد شعرت الحكومة البحرينية بالحرج محليا واقليميا وعالميا إزاء هذا الفن الدقيق في الاحتجاج والمطالبة من قبل المعارضة، وكان بالامكان الحصول على مكاسب أكثر وأعمق، فيما لو تُرِكت المعارضة البحرينية تعمل وفق هذه القوانين الشفافة، قوانين لعبة الحجاج والمطالبة الموضوعية، الدقيقة....
ولكن!

4:
فيما كانت المعارضة تمارس هذه اللعبة بذكاء وحنكة دخلت الشعارات التي من شا نها خرق قوانين اللعبة وتمزيق نسيجها، كانت هناك المطالب باسقاط الملك، وهو الشعار الذي يتعارض تماما مع خطة وافكار ونية المعارضة الاصيلة، وكانت هناك المظاهرات بقيادة الزي الديني، وهو الامر الذي كانت المعارضة الاصلية لا تحبذه ولا تستذوقه، وكانت هناك صور الزعماء الدينين المستوردة، وهو ما كانت المعارضة الاصلية تحرص على تجنبه والنأي عنه، وكان هناك ما هو أكثر من ذلك، كانت الصيحات المزايدة تنطلق من أنظمة ومؤسسات ذات توجهات رايكالية تعلن وقوفها الى جانب المعارضة، وتطرح من نفسها وكيلة عن المعارضة وشعبها وجماهيرها بل ومطالبها...
فكان الطوفان...

5:
هذه المقتربات الجديدة أدخلت البحرين في أزمة ليس بين الحكومة والمعارضة بل بين النظم الخليجية كلها والمعارضة، بل بين أوربا والمعارضة، أكثر من ذلك، بين الغرب والمعارضة البحرينية، ومن هنا تداعت الانظمة الخليجية كلها لتعلن وقوفها الى جانب الحكومة، كذلك باكستان، كذلك الولايات المتحدة الاميركية، كذلك تركيا، وسواء كان ذلك حقا أو باطلا، فإن المسوغات كانت جاهزة، فهناك تدخل خارجي بالشأن البحريني، وهناك علاقة بين ما يحصل في البحرين وقوى خارجية، دولية وغير دولية، الامر الذي يتطلب الوقوف على جانب الحكومة في مواجهة هذا الخطر!

6:
هؤلاء، سواء الذين اشتطوا في نوع الشعارات التي رفعوها في المظاهرات، أو الذين اشتطوا في موقف (النصرة المزعوم) وضعوا المعارضة البحرينية في فخ الأسد، لقد حفروا لها خندقا مظلما وزجوها في هذا النفق المظلم، لقد جعلوا المعارضة في قبال العالم كله، كان المفروض الحفاظ على واقعية الشعارات الاولى، والاصرار عليها، وكان المفروض بـ (أهل النصرة) أن يسعوا وسطاء بين المعارضة والحكومة، أو يشجعوا دولا أخرى ذات شان وعلاقة بالحكومة البحرينية على التوسط بين الحكومة والمعارضة، وحتى إذا كانت مثل هذه الجهود فاشلة، فإن النصرة ينبغي أن تكون بترشيد الطرفين اعلاميا بشكل هادئ وعلمي، لان معطيات الواقع لا تشجع على أكثر من هذا، وإذا كان هذا هو المطلوب من (أهل النصرة)، فإن المطلوب من (الخائفين) أن يحذوا هذا الحذو ايضا، فهو أسلم لهم وللبحرين حكومة ومعارضة، فالقوة لا تحل مثل هذه المشاكل، وتبقيها نارا تحت الرماد.
والسؤال...
هل يترك الاخرون المعارضة البحرينية تفكر وحدها؟
وهل يقتنع أصحاب القوة بان القوة وحدها لا تحل المشاكل؟