1:
لم تهدا العاصفة بعد، حتى في تونس ومصر، كل الاحتمالات واردة، استمرار التحرك الشعبي العارم في البلاد التي تشهده فعلا الآن، اليمن، ليبيا، سلطنة عمان، تجددّه مرة أخرى في تونس ومصر، بدايات في بلدان اخرى، بدايات تنذر بهذا التحرك العارم حقا، في العراق، في الجزائر، في لبنان، في الجزائر، ثم لا ننسى إيران، هناك تحرك واضح، جريء، يتسم بالتحدي والعزيمة والقوة، والبحرين ليست بعيدة عن المعادلة بكليتها.
العاصفة لم تهدأ بعد، وربما لن تهدا، إنّها الثورة، الا نتفاضة، التمرد، العصيان، الانقلاب الاجتماعي، سمه ما شئت، المهم إنه تحرك شعبي، شبابي، تغييري كاسح....

2:
ولكن ماذا لو هدأت هذه العاصفة؟
هذا هو السؤال الملح، السؤال الذي يشغل المراقبين والمحللين والمتابعين، بل هو السؤال الكبير الذي يشغل الحكام، حكام المنطقة، والشعوب، شعوب المنطقة، وأخيرا وليس آخرا، يشغل الدول الكبرى، حتى إذا كانت هي المسؤولة عن هذا التحرك المفاجيء الغريب كما يدعي العقيد القذافي، والرئيس علي عبد الله صالح، تبقى حائرة، متحيرة، لا تدري حقيقة الجواب على السؤال المطروح، أي السؤال الذي يقول: وما ذا بعد أن تهدا العاصفة فعلا؟
الحكام يسالون هذا السؤال خوفا على مصائرهم السطلوية وحياتهم وثرواتهم، والشعوب تطرح هذا السؤال خوفا على مستقبلها بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ترى ما هو مصير العلاقات بين هذه الشعوب وأحزاب هذه الانظمة الحاكمة التي سقطت والتي في طريقها الى السقوط، وما هو مصير العلاقات بين أبناء طوائف ومذاهب واديان وقوميات هذه الانظمة أو البلدان بتعبير أدق، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن بعض هذه البلدان تحكمها أنظمة طائفية أو ذات نكهة طائفية، وإن بعض هذه البلدان شهدت اضطهادا عنصريا وديينا، وإن بعض هذه البلدان شهدت تهميشا لعشائر وقبائل بعينها، والدول الكبرى خائفة على النفط، ومواقعها الاستراتيجية، فامريكا ليس لها قوة في الخليج، بل هي قوة خليجية، أمريكا ليست في العراق وجود رمزي، بل وجود يرسم، ويشترك، ويحرك، ويوجه...
قبل أيام صرحت وزيرة الخارجية الامريكية كلنتون بان أمام ليبيا طريقين إما ديمقراطية وإما حرب طويلة الامد، والحرب اهلية كما يبدو، لان ليبيا مجتمع قبيلي متصلب، ولكن هل هو الطريق سالك تماما في اليمن فيما لو سقط علي عبد الله صا لح؟ اليس هناك احتمال الحرب الاهلية القبيلية التي لا تبقي ولا تذر، أليس هناك احتمال الانقسام، يمن شمالي ويمن جنوبي كما كان؟ وماذا لو تحقق الانفصال في السودان؟ القتال وارد بين السودانين، احتمال قوي وراجح كما يقول السودانيون انفسهم....
الكل خائف...
حتى روسيا خائفة....

3:
ماذا لو استقرت الاوضاع، لو أن هدوءا عقب هذه العاصفة؟
هل هناك أمل بتكريس الأنموذج التركي؟
احتمال ممكن، ولكن ليس في الصومال ولا اليمن ولا لبنان ولا البحرين ولا ليبيا، والاقرب الى هذا الاحتمال هو مصر وتونس، وكثير من المراقبين والمحللين يلوحون بامكان ذلك، بل والكثير من الشعوب تتمنى ذلك.
هل هناك احتمال الحرب الاهلية؟

احتمال ممكن، ولكن ليس في مصر أو تونس، ولكنه احتمال وارد، وربما راجح في ليبيا، اليمن، ولماذا نذهب بعيدا، والاقتتال الاهلي القبيلي موجود الان في كلا البلدين، قبائل مع القذافي ضد قبائل معارضة للقذافي، قبائل موالية لصالح ضد قبائل معارضة لصالح، حرب حقيقية، حرب رصاص وبارود وقتل ودم، ليس تنافسا، لقد انتهت مرحلة التنافس هنا، اليوم قتال، قتال بمعنى الكلمة...
هل هناك احتمال حرب طائفية، إقتتال طائفي؟
لبنان تشهد احتقانا طائفيا، هذا الاحتقان له تاريخ، بل لبنان الحديث عبارة عن احتقان طائفي، تارة هاديء وأخرى ساخن، هذا الاحتقان في طريقه الى التمركز والتكثف أكثر، هناك مشروع تحرك شعبي سني ضد حزب الله، هناك مشروع حكومة اللون الواحد، فهل يصب ذلك إلا في خانة الفوضى؟
العراق لحد هذه اللحظة ليس بعيدا عن شبح الفوضى الطائفية، البحرين تنذر بخطر مثل هذا الاحتقان، ما زالت لغة الطائفة والطائفية هي التي تهندس العملية السياسية في العراق، بشكل وآخر...

4:
في فضائيات دينية سلفية نقرا رسائل مثيرة للغاية، مانشيتات بحروف كبيرة صريحة، عشائر في افريقيا تضع كل ثقلها البشري والقتالي في خدمة البحرين للدفاع عن (سنة) البحرين، لست في معرض التعليق على سلامة هذا التفكير أو خطأه، واجزم ان كل عقلاء البحرين لا يتفقون مع هذا التفكير الفوضوي غير المسؤول، ولكنه علامة على امكان كل الاحتمالات، وما حصل في هذا البلد الصغير قبل ايام بين الحكومة والمعارضة ليس من السهل معالجته دون تعقل كلا الطرفين، وتفاهمهما من دون تدخل خارجي، سواء من هنا أو هناك.
ربما هتاف غير مسؤول يصدر من متطرف شيعي يحرق المنطقة كلها، خاصة في ظل غياب الحكم المركزي الذي سيكون أحد مظاهر المشهد السياسي في العالم العربي والاسلامي فيما هدأت العاصفة؟
العكس أيضا صحيح!
المنطقة مخيفة، وأكثر ما يخيف فيها الاحتراب الطائفي، موج شيعي ضد موج سني، موج سني ضد موج شيعي...
اقول ذلك وبصرف النظر عن جغرافية هذا الموج، فقد تكون في بلد واحد، وقد تكون في اكثر من بلد، وقد يكون الموج والموج المضاد أقليميا، أي يشكل الطابع العام للمنطقة...
واسال أين عن دور المثقف في مثل هذا الحال المزري المخيف...