سبق لمستشار الامن القومي الامريكي هنري كيسنجر أن وصف الشرق الاوسط بقوله (تاريخ مزدحم وجغرافية صغيرة) وهو وصف مخدوم، لانه يعبر عن حقيقة ليست جديدة بل قديمة، فهذه البقعة من بقاع الله عبارة عن ترسانة عقدية ومذهبية ودينية وأديولجية في نطاق جغرافي محدود، وبالتالي، تبقى مرشحة للقلق والاضطراب، فكيف إذا كانت تشكل الاحتياطي الاول في نفط العالم، وكيف إذا كانت تشكل موقعا ستراتيجيا يتحكم بتواصل العالم؟
كانت منطقة الشرق الاوسط بؤرة التوتر في القران العشرين وبل وحتى القرن التاسع عشر، وكانت محطة صراع دولي عنيف وشرس، واليوم يتجذر هذا التوتر بشكل مثير، بحيث يهدد سلام العالم كله!
ترى ما هي معالم هذا القلق الذي يهدد سلام العالم كله في منطقتنا المنكوبة بنفطها ودينها ومذاهبها وموقعها الجغرافي؟

أولا: تشهد المنطقة درجة متوترة جدا من التجاذب الطائفي بشكل عام، شيعي / سني، بحيث تحول الى آلية تحليل سياسي رسمي، وفي ضوء هذا التجاذب الحاد تتخذ كثير من الدول الكبرى موقفها مما يحدث ومما تخطط له في المستقبل، ويكاد التحذير من حروب أهلية طائفية من أهم القضايا المطروحة في أروقة دراسة الازمات والمشاكل في هذه المنطقة، سواء على صعيد كل المنطقة أو على صعيد هذا البلد أو ذاك.

ثانيا: تتجه المنطقة نحو مستويات عالية ومخيفة وحساسة من التسلح، حتى على المستوى النووي، وهناك سعي لكثير من دول الشرق الاوسط إلى امتلاك السلاح النووي العسكري، بحجة اللحاق بدول تمتلك هذا السلاح، إسرائيل وما يقال عن إيران، وهذا الاتجاه وإن كان بطيئا في سيره، ولكن فكرته وحدها تثير القلق والاضطراب في المنطقة.

ثالثا: تشير الدلائل الى أن موجة الارهاب مستمرة، وإنها في الطريق الى الاتساع، وإنها دخلت حيز الثقافة الشعبية في حدود ليست خفية، مما يجعل المنطقة عرضة لتدخل القوى الكبرى للحفاظ على مصالحها، بل اتساع وتعمق موجة الارهاب يعرض شعوب الشرق الاوسط الى المزيد من التجاذب الطائفي، ويوفر فرصا ذهبية لصدامات بين مكونات هذه الشعوب الدينية والمذهبية.

رابعا: تصاعد وتيرة الرغبة في الانفصال الاثني والعرقي والمذهبي في المنطقة، حتى يقول بعض المحللين السياسيين أن هناك مخططا غربيا واسع النطاق يهدف الى تفتيت المنطقة، والدول التي تضم إثنيات عرقية ومذهبية تعاني اليوم من مشاكل كثيرة تتصل بنوايا بعض هذه الاقليات باتجاه مشروع الحكم الذاتي، او مشروع الانفصال، انطلاقا من مبدا تقرير حق المصير.

خامسا: الكشوفات المتزايدة للنفط في هذه المنطقة التي هي أصلا نفطية، والنظريات التي تقول بأن الدول الصناعية تفتش عن مصادر طاقة غير النفط ما زالت في مهدها، ثم حتى إذا صدر قرار بالعمل وفق هذه النظرية، فكم تحتاج هذه الدول كي تكيف صناعتها لما تعثر عليه من مصادر بديلة من الطا قة المأمولة، ومن الطبيعي أن يحول المزيد من اكتشاف مصادر الطاقة في الشرق الاوسط إلى ساحة صراع دولي محتدم، وليس سرا إن النفط هو من اسباب الصراع على الشرق الا وسط وفي الشرق الاوسط، وذلك منذ لحظة اكتشاف هذه المادة.

سادسا: تزايد واتساع حدة التناقض الطبقي بين أبناء مجتمعات الشرق الاوسط، وتردي قطاعات الخدمات المدنية، وانفلات الامن بشكل عام، وتفشي البطالة، وتكريس الحاكمية الوراثية... كل هذه الامور تساهم في توتير الاوضاع في الشرق الاوسط، لانها مصدر غضب وتذمر وقلق، ولذا ليس غريبا أن يحذر الرئيس المصري حسني مبارك من ان تتعرض مصر لانفلات أمني خطير بسبب الحراك الشعبي المتنوع احتجاجا على تردي الخدمات، وكم لهذا المثل من نظير في منطقة الشرق الاوسط.

سابعا: تواجد القوات الاجنبية في المنطقة، فإنها قد تكون مدعاة قلق وإثارة ومشاكل،بين مؤيد ورافض، ثم هي محل خلاف بين الدول وليس داخل الدولة الواحدة فقط، وبقدر ما تساهم هذه القوات في بعض الاحيان في ضبط بعض الاوضاع داخل بلد ما، فإنها من جهة أخرى قد تكون من اسباب هذا البركان المخيف.

إن أخطر بؤر التوتر في المنطقة هي العراق والسودان واليمن، وبالمقدمة الحيز الجغرافي والاقليمي لفلسطين، حيث الاحتدامات الطائفية، وعسكرة المجتمع، والحروب الاهلية، واتساع موجة الإرهاب، وتراخي الحدود...
ترى ما الذي يخبئه القدر لهذه المنطقة؟
لا أحد يعرف!