1 :
الطوفان العربي حقيقة قائمة اليوم، لا شك في ذلك، طوفان جماهيري كاسح، أدى إلى نتيجة شبه واضحة في تونس، وما زالت النتائج غير واضحة في مصر، في الأردن، في اليمن، في الجزائر، وربما هنا وهناك من جغرافية العالم العربي، هذه الجغرافية المشحونة بالتاريخ والفكر والروح...
الطوفان هذا مثير للقلق، هذا ما تشير إليه اكثر التحليلات السياسية، سواء كانت عربية أو غربية، الخوف من فلتان أمني كاسح، الخوف من حروب أهلية، الخوف من سقوط حكام، الخوف من مجيء حكام راديكاليين، الخوف من استغلال الفراغ الأمني والمديني من قبل القاعدة، ماذا لو تحركت الجماهير العربية في سوريا؟ والسؤال هنا يتفرد ببعض الخصوصية لموقع سوريا في الشرق الاوسط، ودورها النشط الفاعل في مجمل قضايا هذا الشرق، سواء قضايا العراق أو لبنان أو الساحة الفلسطينية، وماذا عن دور ايران فيما لو عمت الفوضى؟ هل هناك أمل أن تتحرك الجماهير الايرانية أيضا؟ هناك ترقب حذر لنتائج المحكمة الدولية المترقبة فيما يخص مقتل رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، الشعب اللبناني منقسم، هناك تحد وتحد مضاد، السودان انقسم، ولكن هل انتهى التقسيم الى خطوط فاصلة نهائية؟

2:
اسئلة كثيرة ومعقدة والجواب عليها اصعب وأكثر تعقيدا، ولكن النقطة التي استأثرت بالوضوح في كل هذه الفوضى العارمة، هو رغبة الجماهير العربية في التغيير، التغيير الشامل، ليس على مستوى شكل الحكم، هذا التفسير تسطيح للعملية، ليس لان الشعار الغالب في هتافات شباب هذه الحركة الشعبية العربية الجامحة هو التغيير (نريد التغيير) بل لان الحركة مليونية، مليونية بكل معنى الكلمة، الاديولجيات غير قادرة على اشباع هذه الرغبة، اي الرغبة في التغيير، لان الاديولجيا شكل نمطي، لقد استهلك، مات، لقد ولى عصر الاديولجيات، ربما تثار هنا قضية الاسلام السياسي، أليس له حضور طاغ؟ كان حضور الاخوان المسلمين واضحا جليا في التحرك الشعبي المصري، كان واضحا كذلك في اليمن، ا لجزائر، ولكن المحللين يشيرون إلى أن حركات الاسلام السياسي اتخذت من القيم الغربية شعارا لها وهي تدخل في صميم هذه الحركة الشعبية الثائرة، مما يعني أنها مرغمة للتعامل والتفاعل مع هذه القيم مهما كان السبب...


3:
التنازلات التي اعلنها بعض الحكام لم ترض الجماهير هذه، اعبترتها شكلية، بل اعتبرتها مجرد مناورة، لقد أكد مبارك بانه لم يرشح نفسه لحقبة جديدة، كان قبله زين العابدين بن علي اعلن الموقف نفسه، ولكن جماهير تونس ردت عليه بمظاهرات أكثر صخبا، وأ كثر حدة، فترك البلاد بلا رجعة، الرئيس علي عبد صالح هو الاخر اعلن عن عدم ترشيح نفسه لرئاسة جديدة، لا هو ولا ابنه، ولكن ما زا ل الغليان الشعبي ينذر بالخطر، المالكي هو الاخر اعلن ذلك، فيما يتناقل الناس هناك بانه مجرد كلام، فقد سبق وأن اعلن عن عزوفه بالترشيح لولاية ثانية، فيما دخل معارك شرسة في سبيلها فيما بعد، فكيف يصدقون!
التنازلات لم تخفف من حدة المظاهرات والاحتجاجات في مصر، بل اللقاءات بين نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان والمعارضة كانت خجولة كما يبدو، لم تلطف حتى الجو، بل عقب ذلك أكبر تجمع جماهيري في ميدان التحرير يطالب برحيل حسني مبارك، الناس في العراق دعوا إلى أكبر تجمع في سا حة التحرير في بغداد يوم الجمعة بتاريخ 11 من هذا الشهر لاعلان غضبهم على تردي الخدمات...


4:
الطوفان إذن ماض، ولا يمكن لا ي محلل سياسي ان يحلل بدقة ما يجري، هل هو ثورة، انتفاضة، تمرد، غليان، غضب، رغم ان الشعار المطروح، الشعار الذي سيطر تقريبا على كل الشعارات، أي شعار (نريد التغيير)، ورغم انه شعار غامض بشكل عام، ولكنّه بالتاكيد يشير إلى ملل هذه الشعوب من الحالة الراكدة التي يعيشونها في ظل أنظمة حكم لم تفقه لغة التاريخ، ولا لغة الحياة، فقد ثبت أن هؤلاء الحكام لم يفهموا الاجيال، لقد فاجأتهم الاجيال، اجيال كانت خفية، كانت تحت ركام ظاهر مخادع، ظاهر الخنوع وا لاستكانة، فيما تبين العكس، كانت هناك تراكمات تترسخ في اللاشعور، الحكام لا يفهمون لغة اللاشعور، لم يقرأوا مدارس التحليل النفسي، كانوا سادرين، الخدر كان ظاهريا، كان في العمق نار، وحان وقت اندلاعها الى الخارج...


5:
هل هو مشروع بوش، مشروع الفوضى الخلاقة؟ هل هو مشروع المحافظين الجدد قبل ذلك، مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي، لانها السبيل الانجع في موا جهة الارهاب، والتشدد الديني؟ ليس هناك ما يدلل على ذلك ولا هناك ما يفند ذلك، ترى هل هي انطلاقة عفوية؟ اعتقد إن مثل هذا التعليل تبسبيط مذهل للتاريخ؟ هل هي مؤامر ة صهيونية؟ هل هي تخطيط مبيَّت عكف على وضعه وتنفيذه قوى خفية غير معلومة لدينا؟
مهما كان أو يكون الجواب، تبقى حقيقة واحدة ناصعة، تسطع بكل وضوح وسط هذا الغموض المرعب...
إن الانسان العربي، المسلم، يريد التغيير...
ما هو؟
كيف؟
النتيجة؟
لا احد يعلم...