1:
قال تعالى في كتابه الكريم: (إنّ للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأسا دِهاقا، لا يسمعون فيها لغوا ولا كذّابا) / سورة النبأ 31 ــ 35 /
هذه جملة من إغراءات الرب الرحيم يغوي بها حقا نفوسا عطشى، وكل نفوسنا عطشى، لذلك النعيم الوسيم، والدفيء المنعش، وطعم الحياة قبل أن يتغشّاها كدر الهبوط من عالم المثال إلى عالم التزاحم والكدر، فيما صحّت نظرية افلاطون وقد سرقها منه ابن سينا، وافلاطون عبارة عن شبق جمالي، فيما ابن سينا أرهقته لذّة الفكر ممزوجة بلذة الحس المنغمس في حرارة الانثى، وكأنه يودِّع سرَّه في ضمير ابن عربي، وهو يخاطب كل موضوعاته بضمير الانثى المتوسمة في ذَكرِها عُصارة رهقها المتأوهة من عذاب اللذة، ورعشة جبروتها، وجنون صراخها رغما عنها!
إنه إغراء الرب الرحيم، وهو إغراء سوف نجده فوق وصفه يوم يحين وعده...
ألنهد مفاز...!
قالت اللغة: (جمع كاعب وهي المرأة التي تكعّب ثدياها واستدار مع ارتفاع يسير ويكون ذلك في سن البلوغ)، وقد غلبَ اسمُ النَّهد هنا على تسمية من تحمل وسامه الجمالي (كاعب)، وما ذلك إلاّ لما يحتلُّه هذا الجزء من جسد الأنثى من موقعٍ يهبها هويتها الأنثوية، ويُضفي عليها ما يستدعي كل حوافز الانحصار بشموخها بهِ، وحضورها بهِ، وهمهماتها بهِ، وتقفّزاتها بهِ، وخدرها بهِ، وتشنجها بهِ، وصراخها بهِ، وكل ما يعلن عن أنوثتها متحدية صلف الرجولة، كاسرة عنفوان التحدي الذكوري بامتياز!
قال أبو جعفر عليه السلام:[ (وكواعب اترابا) الفتيات النوهد ].
قال في روح المعاني للآلوسي ـ أضخم تفسير لساني قرآني مثير ـ ما يلي:
[... (وكواعب أترابا) جمع كاعب وهي المرأ ة التي تكعّب ثدياها،وا ستدار مع ارتفاع يسير،ويكون ذلك في سن البلوغ،وأحسن التسوية (أترابا) أي لدّأت، ينشأن معا، بشبيها في التساوي، والتماثل بالترائب ا لتي هي ضلوع الصدر أو لوقوعهن معا على التراب أي الارض، وفي بعض التفاسير نساء الجنة كلهن بنات ست عشرة سنة ورجالهن أبناء ثلاث وثلاثين) / التفسير 29 ص 305 /
بارزان بهدوء وشموخ، ما أن تضع مسطرةً فوقَهما شريطة موازنة الجهتين من منتصف الجيب حتى تستقرَّ المسطرة مطمئة الى حنانيهما، مشدودة الى حرارتيهما، فتابى المسطرة السعيدة السقوط على الارض أبد الآبدين!

2:
كواعب أترابا!
لماذا أترابا؟
تشبيها بضلوع الصدر متجسدا بذلك التساوي الرهيب، التساوي الذي هو بعينه التكامل والتصاف الوظيفي والجمالي...
وهما كذلك!
إنهما يسقطان معا على الارض!
كذلك يسقطان معا في وسط كفين حنونين، يسقطان بهدوء، يقطران لذتيهما معا في راحة ذينيك الكفين الشغوفين بمثل هذا اللقاء!
مثل عنقودين من كروم مخمَّرين بخمرتيهما قبل أن يُعتصرا خمرا.... يسقطان على تربة أرض حنون، تختزنهما خوفا عليهما من مصير يحيلهما إلى ذكرى بعد أثر!

الوصف كله يستحثنا أن نحصر الكلام بـ (النهد)، فهو المقصود، وهو الذي غلب على التسمية، وهو الذي غلب على موقع الإثارة والتواصل بين الثمر والماء! فقبله كانت البساتين المثمرة، وبعده كانت الكؤوس المترعة، وثمر الجنة لذة بحد ذاتها، وكؤوسها مترعة بلذة لا تفوقها لذة!
هل هي صدفة أن يتوسّط النهد الكروي المرتفع قليلا إلى أعلى ثمراً من يمين وماء من شمال؟ لست أدري، ولكني أطرب عندما يتوسط اللحم االانثوي متفرقات الوجود الأخرى، بين الماء والنار، بين الثمر والجمر، بين السفح والقمة، بين الليل والنهار... بين كروم الجنة ودهاق نعيمها الشفاف، كروم الجنة هيجان جسدي، وماؤها فوران جسدي، وهنّ (اترابا)، اي (لدّات) يتدحرجن بهدوء ساخن، ويتقافزن بنعومة الهواء عندما يلامس نفسه، وتنزُّ الشضيِّة الناتئة من بين أوتارها لتعلن عن نفسها عالما جديدا...
إنهما النهدان..
وماذا بعد؟
الجواب: (أترابا...).
قالوا في التفسير: (لدّأت...).
ألسن هن أيضا (كؤوسا دهَّقا)، فهنَّ مُترعات بالحرارة، تتضاغط نغماتهن لتشحنَ السابقةُ لاحقتَها بنزقها وجنونها، ثم تتزاحف حركة الاستيداع هذه لتصل إلى الذورة، هناك تعلن الشضيَّة اللحمية الناتئة بكل غرور وجبروت وفي الوقت ذاته بكل غنج وشفافية...
ــ أنا هنا...
ــ أنا كل هذا الكون الذي تكعّب واستدار...

3:
هل من وصف الى النهد الانثوي في تلك الجنة التي توعدون؟
هذا الذي ينتظر المتقين!
القرآن الكريم وهو يغرينا بهذا النهد إنّما يبيح لنا أن نتصوره، أن نتخيَّله، وهل هناك إغراء دونما حقٍ مشروعٍ بالخيال، أن نرسم له صورة في خيالنا؟
أي إغراء هذا إذن؟
ترى هل هو يختزن كل ما يتميز به النهد البشري على اختلاف الالوان واللغات والاوطان والاجواء والقوميات والاديان وا لمذاهب؟!

قال تعالى: (كواعب اترابا)!
يقول تعالى في آية بعد آية الكواعب: (وجعلنا سراجا وهّاجا)!
الوهج هو حرارة الشمس كما يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته، والسراج قنديل الضوء، قناديل من حرارة الشمس، الكواعب الاتراب قناديل تتوهج بحرارة الجسد... بل هي قناديل من حرارة كونية ربانية يتوهج بلهيبها الجسد...
يقول تعالى: في آية بعدها ايضا: (وانزلنا من المُعْصِرات ماء ثجّأجا).
يقول في التفسير: [ (مُعْصِرات) جمع مُعْصِر، من العصر، بمعنى الضغط... الثجاج بمعنى سيلان الماء بكمية كبيرة ]، والكواعب الاتراب تعتصر لذة الحياة، تسيل بلذة الحياة، ولكنه السيلان المتصل بلا نقاط فاصلة، سيلان الخط المستقيم المفترض في عالم الخيال، عالم الرياضة وليس عالم الواقع.
قال تعالى: (وجنّات ألفافا)...
اليس النهد شجرة ملتفة حول روحها العزيزة، تحتضن سرّها أن ينفلت من بين شرايينها الممتدة في كل جسدها المتوقد بالخضرة والماء؟
وللحديث بقية، لان الحديث عن النهد الانثوي في كتاب الله عز وجل لا ينتهي!