1:
لست في مورد الرد على ولي امر المسلمين اية الله السيد علي خامنئي في بيانه الى الشعب المصري، والذي دعا فيه المصريين إلى الاستمرار بـ (الثورة)، من أجل إقامة حكم الله على الارض، وعدم الثقة بالامريكان، وما إلى ذلك من مطالب ثورية انقلابية رسالية، نابعة من إيمانه بالاسلام ونظامه الإلهي، فله الحق بذلك، إيمانا بحرية الراي واتخاذ الموقف، ولا أجد في ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية، بدليل أن الوطن العربي شهد الكثير من المظاهرات والاعتصامات الشعبية انتصارا للشعب المصري ومطالبه المشروعة في التغيير، ولكن أود أن اناقش ما صرح به الولي الفقيه من أن ثورة الشعب التونسي والمصري كانت بايحاء الثورة الإسلامية الايرانية بقيادة الزعيم الروحي الكبير السيد روح الله الموسوي الخميني رحمه الله...
هل هي مقايسة صحيحة؟

2:
الثورة الايرانية في نهاية السبعينيات كانت تدار من خارج البلاد، فقد كان آية الله الخميني هو القائد الحقيقي للثورة، ولم يكن في ايران، بل كان في المنفى، وهي ظاهرة ملفتة للنظر في وقتها، فيما قيادة الثورتين المصرية والتونسية كانت حاضرة على أرض الوطن، لم تكن في العراق او لندن او باريس، كما هي الحال في قيادة الثورة الإيرانية، بل النخبة التي قادت إيران ثوريا وسياسيا فيما بعد كانت في الخارج الايراني وليس في الداخل الايراني.

3:
الشعار الذي كان غالبا على ثورة الجماهير الايرانية هو شعار إسلامي بحت، شعار الجمهورية الاسلامية، لقد اطيح بالشعار الديمقراطي بشكل عاصف في ايران من قبل جماهير الثورة ذاتها، بل أطيح به على لسان قائد الثورة العظيم آية الله الموسوي الخميني، وذهب ضحيته آية الله شريعتماري في وقتها، وقد تلقى الخط الليبرالي الايراني في وقتها ضربات جماهيرية موجعة بحث من الحوزة العلمية في قم ومشهد والاهواز وتبريز، فيما الشعار الجوهري في ثورة تونس ومصر هو التغيير، بل كانت الديمقراطية تشكل جوهر المطلب الشعبي في الثورتين، الإسلام كان في ايران هو الشعار، بل وهو الأداة، وهو الفكر، فيما هنا كان التغيير، وفي الصميم الديمقراطية هي الشعار وهي المطلب وهي اللغة الحجاجية والتبريرية، ولا ننسى أن هذه الثورة تفجرت على أثر تزوير الانتخابات في مصر وقبلها في تونس، فهي ثورة الديمقراطية والحرية وليست ثورة الاسلام هو الحل.

4:
الثورة الايرانية كان معدا لها من سنين، كان هناك عمل منظم يقوده الامام الخميني لسنوات طوال، كان هناك عمل تحت الارض، كان الامام الخميني على تواصل مع منظمات سرية تعمل في الخفاء، كانت هناك احزاب منظمة بدقة وسرية محكمة، وعلاقة قيادة وقاعدة بين الامام وهذه الاحزاب والمنظمات، فيما الثورة في مصر لم يكن معدا لها بهذا الشكل، ولا في تونس، كانت عبارة عن هبة ثم تطورت، ثم تصاعدت، لم تكن هناك منظمات سرية، ولا أحزاب خفية، ولم تكن هناك علاقة بقيادات ورموز التحرك الشعبي في مصر او تونس، بل ليس هناك قيادة بالمعنى الميداني الاستراتيجي الشمولي في ثورة الشعبين التونسي والمصري.

5:
للجيش موقف مختلف، فالجيش الايراني خاصة القوة الجوية وقفت الى جانب الثوار في ايران، فيما في تونس كان له موقف آخر، موقف حماية الثورة كما جاء على لسان القيادات العسكرية الكبيرة، وفي مصر كان الجيش حام للنظام بشكل عام، كان يمثل موقف السلطة بشكل عام، هناك اختلاف نوعي بطبيعة الحال.

6:
بدا ت تلوح بكل وضوح معالم الاممية الانقلابية في شعارات الثورة الايرانية، الثوار كانوا يلوحون بايديهم وشعاراتتم بما يفيد أن الثورة بداية انتفاضة عالمية، شعار المستكبرين والمستضعفين كان واضحا، كان علنيا، فيما الشعارات التونسية والمصرية كانت وطنية بحتة، لم نسمع شعار تسقط امريكا ولا بريطانية ولا روسيا ولا الصين ولا فرنسا في هتافات الجماهير المصرية والتونسية، فيما كانت هذه الشعارات هي جوهر الاعلان الثوري في الثورة الايرانية.

7:
الثورات لا تسنسخ ولا تتشابه، والتاريخ لا يعيد نفسه، والشعوب ليست فقيرة بحيث تستوحي من خارجها، وما تفضل به الامام الخامنئي مخالف لسنن المجتمعات وخصوصياتها، تونس تملك تراثا ثوريا وثقافيا عريقا، وتملك تجربة ديمقراطية غنية، ومصر أم الثورات، ثورة عرابي وسعد زغلول وثورة ضد البريطانيين، ومصر دخلت في ثلاث حروب مع اسرائيل، فلا تحتاج ان تستوحي من خارجها.
وربما اناقش القضية في فرصة اخرى