أمن الخليج العربي ليس خطا أحمر، بل جدران حمر، ذلك بالنسبة للغرب كله، بل حتى روسيا، والصين، فيما يشكل أمن الخليج حجر الزاوية في أمن العالم العربي، ليس ذلك سرا، لأن الخليج يختزن ثروات نفطية هائلة، بحيث تشكل نسبة عالية من مصادر هذه الطاقة، وأي تخطيط استراتيجي لدول الغرب على الصعيد التكنولوجي والعلمي والاقتصادي يعتمد في درجة فائقة على مدى سلامة هذا المصدر، أي النفط الخليجي، سواء على مستوى المادة بحد ذاتها، أو مستوى تكريرها واستخراجها ووصولها وسعرها، فالعالم يُصنع من هنا، من الخليج، لأن ما دة العالم في الخليج، ليس حصرا بطبيعة الحال، ولكن بمديا ت واسعة جدا، وبا لتالي، مستقبل العالم يتقرر في الخريج العربي، هل يمكن الاستغناء عن نقط الخليج؟ السؤال ليس للمفاخرة أو التباهي أو الاختبار، وإنما لامكان تصور عالم غربي يمتلك كل هذا الجبروت الحضاري والمدني وا لتكنولوجي والعلمي بلا نفط!
أمن الخليج العربي في عرف السياسة الغربية ليس أمنا عسكريا وحسب، بل يحرص الغرب على أمن الخليج عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا، لان الامن في هذه المنطقة، وكما هو منطق الأمن الحقيقي وحدة لا تتجزا، كل مركب، وأي خلل بهذا المركب ربما ينعكس على المركب كله، ولذلك من السذاجة أن نتصور إن الغرب يفكر بامن الخليج عسكريا وحسب،الغرب يملك احصائيات كاملة عما يجري في هذا الخليج، من جرائم، من وقائع سياسية، يرقب تطور المنطقة بدقة، يرصد الحركات الفكرية والدينية فيها، يلاحظ ويدقق بمستويات التحصيل العلمي كما وكيفا في المنطقة، يلاحق الاعلام بالتفاصيل، لا شاردة ولا واردة دون رصد ودراسة وتمحيص ومقارنة، ولذلك مراكز تخصصية، ومؤسسات بحثية من الدرجة الراقية...
ذلك أن العالم الغربي يُصنع هنا، أو يصنع بعضه هنا، فكيف لا يكون الخليج جدران حمر بالنسبة للغرب.
المساعدات الخليجية لمصر والمغرب والجزائر ولبنان وسوريا واليمن وغيرها ليست بسيطة، ليست عابرة، ليست مساعدات على الهامش، كلنا يتذكر مشروع المجهود الحربي الذي اضطلعت به قطر، ذلك المشروع الذي اعاد تسليح الجيش المصري عندما تحطم تحطيما شبه نهائي في حرب 67، وكلنا يتذكر مشروع سد مأرب في اليمن، وكلنا يتذكر القرى العربية في الجولان، وغيرها وغيرها، هذه المساعدات تشكل حا فزا قويا لدى هذه الانظمة والحكومات وربما الشعوب للاهتمام بامن الخليج العربي، إنه مصدر رزق، مصدر إغاثة، مصدر تموين، أحزاب كثيرة، يمونها نفط الخليج، بصرف النظر عن هوية هذه الاحزاب، وبصرف النظر عن طبيعة هذه المساعدات والغاية منها والهدف البعيد المترتب عليها، هذه الاحزاب لا يمكن أن تتسا هل في أمن الخليج العربي.
ولكن هل هذا يكفي؟
الامن في الفكر السياسي الحديث لا يعتمد على أجندة عسكرية ومخابراتية ولوجستية وحسب، بل يعمتد أيضا وبشكل كبير وجوهري مقتربات من نوع آخر، مهما كان اهتمام الغرب وا لشرق بامن الخليج يبقى هذا الامن محتاجا الى مقتربات داخلية، تتصل بالنظام الاجتماعي، ومن أبرز هذه المقتربات الحرية والعدل والمساواة قدر المستطاع، لقد أثبتت ا لتجربة ذلك.
من هنا تتجه أنظار كثير من المحللين السياسيين الى تصريح ملك البحرين قبل أيام، فقد صرح بضرورة الاصلاح، وأكد بان الاصلاح مهمة الجميع، أي ليس مهمة الحكومة وحدها، بل مهمة كل شعب البحرين، إنها بادرة بحرينية مهمة، لأنها بادرة تنطلق من تقدير واع ومقنع لمعنى الامن، وجوهر الاستقرار، ولا يستبعد مراقبون إنها بداية مشرقة بالامل سوف تجد صداها في ربوع الخليج العربي.