أتحدث عن الشيعة بشكل عام، بلا تمييز بين دولة تُعتبر شيعية، أو حكومة محسوبة على الشيعة، أو قوى سياسية شيعية، أو مجتمعات شيعية، ليس الحديث عن جانب مذهبي، أو فكري، بل حديث عن واقع سياسي في العالم الاسلامي، فقد كان هذا الواقع متسيدا المشهد السياسي في العالم الاسلامي قوةً وحركةً وتغلغلاً وصدى وتواجدا وتأثيرا في الاحداث ومسيرتها، وقد كتب كثير من المحللين السياسيين الغربيين وغير الغربيين عما أسموه صعود النجم الشيعي، او صعود نجم الشيعة، مشيرين إلى إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية بعد التغيير وتواجد الحركة السياسية الشيعية بكثافة وحضور نوعي في البحرين والكويت وغيرهما، وقد طرحت بعض الانظمة تخوفها الجدي من هلال شيعي يمكن أن يطبق على المنطقة!
كانت هناك عوامل كثيرة ساعدت على هذا (الصعود)، منها الموقف الشيعي الرافض لإسرائيل بشكل وآخر، ومنها الدعم الشيعي لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، ومنها دعم المسلمين في البونسة والهرسك، حتى بات الشيعة، سواء على صعيد دولة أو حكومة أو حزب أو مجتمع عنوانا للرفض والممانعة، بل عنوان التقاطع الكامل مع امريكا، الشيطا ن الاكبر، وليس سرا أن هناك تحليلا يرى أن مشا كل المنطقة بسبب الصراع الامريكي الايراني، إنْ لم يكن السبب الأهم في ذلك.


أين وصلت مسيرة هذا الصعود؟
يعاني الوجود الشيعي العالمي اليوم من شبه عزلة عالمية، فإيران تعاني من حصار أقتصادي أمريكي وأوربي بشكل عام، وقد بدأت تعاني من تبعات هذا الحصار، سوريا وبسبب الاحداث الجارية قد تتعرض لذات المحنة، حزب الله مرفوض أمريكيا وأوربيا وأقليميا، وهناك حصار له داخل لبنان با لذات، شيعة العراق يعانون من ضعف التشرذم والتذبذب في المواقف تجاه بعضهم وتجاه الأخر، وتجاه سياسة دول الجوار إزاء العراق، ولم تعد إيران هي اللاعب الاكبر في مناطق العالم الاسلامي، فقد دخلت تركيا بقوة وحنكة، تساندها في ذلك كثير من دول المنطقة بقوة، شيعة البحرين غير قادرين على تضميد جراحهم التي اثخنت جلودهم لسبب وآخر... المحكمة الدولية سواء كانت باطلا أو حقا، قرارها الاتهامي زاد في تضييق الدوائر على حزب الله...
هذا (الربيع العربي) ربما مرشَّح لأن يتمخض عن نتائج خطيرة، لعل منها اشتداد آوار التجاذب الطائفي، وإذا صح ذلك، فإنه سوف يساهم اكثر في اتساع واشتداد دوائر التضيق على شيعة العالم، إذا كان التضييق قبل هذا الربيع تقوم به حكومات وأنظمة، الآن ربما تقوم به أحزاب وجمعيات وكتل شعبية عارمة، بحجج دينية ومذهبية.
ما هي اسباب هذا (النكوص) إذا صح التعبير؟
هل هي المثالية الشيعية؟
أم بسبب تجيير كل الوجود الشيعي لمصلحة قوة واحدة لا غير؟
أم أن هناك تخطيطا محكما قامت به قوى أخرى قادت إلى مثل هذه النتيجة؟
من الصعب معالجة هذه الاسباب وبيان مدى صحتها من خطأها، فضلا عن إمكان وجود اسباب اخرى لا نعلم بها...
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا...
تُرى أين هم عقلاء الشيعة من كل هذا؟
وقبل هذا وذاك، ترى هل يدرك الآخرون، إن مثل هذا التضييق والذي جاء من دون تفريق ولا تمييز ربما يحرق الاخضر و اليابس في المنطقة، بل العالم كله؟
إذن العقلاء من الطرف الآخر يجب أن يفكروا مليا أيضا، وإلاَّ الطوفان الذي لا يرحم احدا لا سامح الله...
مسؤولية عقلاء الشيعة لا تنفي مسؤولية الآخر...
رحم الله الجميع...