هل يمكن أن يمر الربيع العربي بلا مضاعفات؟
وما هي هذه المضاعفات؟
وهل يمكن تلا فيها؟
وإذا أمكن تلافيها فما هي آليات هذا التلافي؟
هذه الاسئلة مشروعة، لانها موضوعية، أو تستند إلى مبررات موضوعية، فليس مثل هذه التمردات أو التحركا ت أو الثورات أنْ تمر بهدوء، لانها زلزال يتصل بكل مفاصل الامم والشعوب، بقيمها واقتصادها وجغرافيتها وتركيبتها الديمغرافية وتطلعاتها... ولانها ظاهرة شعوب وليس أفراد، ولأنها حركة حقوق جوهرية وليست حقوق عادية، شخصية، وفي مقدتها الحق في الحرية وفي الصميم ممنها حرية الفكر التي يخافها الحكام أكثر من أي لون من ألوان الحرية الأخرى.
إعلام الحكام الذين يعانون من هذا الربيع ويتواجهون معه مصيريا يؤكدون أن هذه التمردات والثورات والتحركات قمينة بزرع الفوضى، بل ربما تقدم مجانا كل ما من شأنه تصليب وتقوية عود الحركات الارهابية بشكل عام والقاعدة بشكل خاص، ولذلك كثيرا ما حذر هؤلاء الحكا م من حكم سلفي ارهابي بديل ليس من ورائه سوى المزيد من الفوضى.

هل هذا صحيح؟
هناك معلومات تفيد حقا بأن القاعدة وجدت لها مكانا آمنا في بعض ربوع اليمن وليبيا، وربما سوريا أيضا، مستغلة الانفلات الامني الذي هو نتاج طبيعي لمثل هذه الحالات...
محللون آخرون يتخوفون من موجة حروب طائفية محلية، يمكن أن يتمخض عنه هذا (الربيع)، حرب سنية / شعية، سوريا على سبيل المثال مهيأة لذلك، أيضا في البحرين، وربما يشتعل آوارها قريبا في لبنان لاسامح الله.

هل هذا صحيح؟
ليس هناك احتمال مستبعد في مثل هذه الظروف، خاصة وإن بعض الانظمة العربية تأصلت طائفيا، وتحولت الحكومات فيها إلى حكومة هذه الطائفة أو تلك على حساب طوائف أخرى تشا ركها الوطن منذ مئات السنين، بل، آلاف السنين، أكثر من هذا، لا حت بشكل جلي سافر علامات تجاذب طائفي بين دولة وأخرى، ومراجعة مواقف كل من إيران وتركيا ـ على سبيل المثال ـ تجاه ما يحدث في سوريا يدلل على ذلك بلا تردد... وهذا أخطر بطبيعة الحال.
قراءة أخرى تتوقع للقاعدة وكثير من القوى (الارهابية) الازدهار والنمو والانتشار بفاعلية، ثقافة وكما ومساحة في ظل تفاعلات الربيع العربي، فإن الانفلات الامني، وخلط الاوراق، وعدم حسم الأمور، واحتدام الافكار فيما يتعلق بالهوية الآتية، حكما واقتصادا وسياسة... إن كل هذه المقتربات تشكل بيئة خصبة للارهاب وقواه واحزابه، والواقع ربما يشير إلى ذلك، فهناك أخبار عن استيلاء القاعدة على بعض مناطق اليمن، وليبيا، وربما سوريا، وقبل أيام قام متشددون اسلاميون في تونس بقمع منظم وقاس ضد مظهر احتفالي في العاصمة أُعتبر منافيا لشريعة الله.
قراءة أخرى تتوقع أن تتجدد المعارك العشائرية في كثير من المناطق التي تشهد هذا الربيع، وفي المقدمة اليمن، بل هي قائمة فعلا، فمن أحد معالم هذا الربيع في اليمن أنه عبارة عن حرب عشائرية أو قبلية ليس إلاَّ، ووجهها الشبابي مجرد سطح، فيما العمق هو ا لقبيلة!
حملت بعض الاخبار أن صوفية مصر وبالتعاون مع الشيعة هناك قرروا مواجهة المد السلفي، الذي كان يصر هناك على محو الاضرحة، باعتبارها تنافي قواعد الشرع الحنيف، وتقول الاخبار أن اتفاقا وقع علنا بين صوفية مصر وشيعتها في هذا المجال، وقد جوبه برد فعل قاسية من جانب الخط السلفي الذي راح ينتشر هو الاخر في مصر!
هناك حديث يتداوله كبار من المحللين أن ما يحدث في سوريا ربما يؤدي في النتيجة الى تفتتها، وتجزئتها، وهو ذات الحديث عن إمكان تفتت وتجزء اليمن، بل حتى ليبيا، وعليه ، تكون أحدى مضاعفات هذا الربيع المتوقعة هو هذه النتيجة الخطيرة، التي ستغير تماما جغرافية الشرق الاوسط، سنكون بين يدي شرق أوسط جديد.
إذن الا ستناج الاولي في سياق الحديث عن مضاعفات خطيرة يمكن أن يتمخض عنها هذا الربيع العربي صحيح الى حد كبير، وليس في ذلك غرابة، إن جغرافية هذا الربيع عبارة عن نموذج (رائع) للتناقض الطبقي بين الناس، وعبارة عن نموذج (حيوي) لغلبة العشيرة على الدولة، وعبارة عن نموذج ساخن للتمايز الطائفي والمذهبي والديني، وعبارة عن نموذج دراسي قيم عن الدول المصطنعة...
ولكن رغم كل ذلك...
هو ربيع...
ربما تأتي ثماره الطيبة بعد زمن، ليس زمننا، ولكن ذلك...