لا يمكن لأحد أن ينكر الحضور الشعبي للأخوان المسلمين في العالم الإسلامي، العربي منه وغير العربي، وهو حضور متميز بالكثافة العددية والفكرية والتاريخية، ولا لأحد أن ينكر قدرات الأخوان المسلمين التنظيمية، وقابلياتهم على الاستمرارية، وفنونهم المتقدمة في تحريك الشارع العربي والإسلامي، وتجييش العواطف تجاه أهدافهم ومطالبهم، تباعا، فمن الخطأ التعامل مع الأخوان المسملين، كتنظيم وفكر وتاريخ وقوة باستهانة وتغافل وتناسي، ففي ذلك تعاطي ساذج مع الحقائق الصارخة، وقد كان للتعامل السلبي للحكومات مع الأخوان المسلمين نتائج غير مرضية لهذه الحكومات بالذات، فلم تتمكن هذه الحكومات من القضاء على التنظيم، وربما تسبَّب ذلك في اشتداد الحضور الأخواني في العالم العربي والاسلامي، واليوم، حيث هذه التحركات الشعبية العربية التي تجتاح جغرافية العالم العربي، والتي في طريقها نحو الاشتداد أكثر، ونحو التصعيد أكثر، يبرز تخوف كثير من القوى العالمية والأقليمية والوطنية من عودة قوية للاخوان، ليس على صعيد الحضور الشعبي الشارعي، بل على صعيد المشاركة في صنع القرار السياسي، القدرة على تشكيل حكومات، القدرة على تشكيل أنظمة حاكمة، بل هذا ما يجزم به كثير من المحللين، على أقل تقدير في مصر واليمن فيما إذا سقط علي عبد الله صالح، فضلا عن الوجود الفعلي من هذه الناحية في السودان بشكل وآخر.
حضور الاخوان المسلمين بهذه الكثافة السياسية، وبهذا الوزن الرسمي القوي يثير الكثير من المشاكل الوطنية والإقليمية، فالاقليات تتخوف من مثل هذه الحضور، والغرب لا يتساهل مع مثل هذا الحضور، حتى إنْ صح القول بأن بعض هذا الغرب،وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية تساهم اختيارا أو اضطرارا فيه، واسرائيل لها حسابها الحذر من هذا الحضور، والجماعات الليبرالية متحفظة بل خائفة من هذا الحضور، وهناك كلام إن مثل هذا الحضور قد يولد مشروع هلال سني، الأمر الذي يشجع أو يهيِّء فعلا لتكريس مشروع هلال شيعي، وهكذا، تتناسل التخوفات وتتولد المحاذير، بعضها يجر بعضا ، ومما يساعد على بعض هذه الاستنتاجات، أن المنطقة ملتهبة طائفيا، سواء على مستوى سني /شيعي، أو مستوى / مسلم / مسيحي، ورب تصرف من شيعي أحمق يحرق المنطقة، وربما تصرف من سني أحمق يشعل المنطقة...
هل يعي الأ خوان المسلمون كل هذه الحقائق، أو التوقعات؟
إن التاريخ يضع الأخوان المسلمين في هذه اللحظة أمام خيار عسير، فإما يساهمون في سلام المنطقة ورخا ئها وعمرانها أو العكس تماما، فليس هناك نقطة وسط بين هذين الخيارين...
الأخوان المسلمون لو يعقلون، يتجنبون مشروع أسلمة الدولة، وينصرفون لبناء الأمة طبق تصوراتهم الإسلامية بالكلمة الصالحة والعمل الصالح، ولهم الحق في ذلك كأي تنظيم فكري شريطة احترام الناس، والالتزام بشروط العمل الدعوي السليم، ولو يعقل الاخوان المسلمون يمكن أن يساهموا في درأ فتنة سنة وشيعة، خاصة أخوان مصر، فلهم علاقات قوية ومتينة بالشيعة من عشرات السنين، تمتد إلى أيام حسن البنا ونواب صفوي، والاخوان لو يعقلون يعملون على تكريس القيم الديمقراطية في المجتمع العربي، وبالتعاون مع رواد الفكر الحر وعشاق الحرية والعدالة الاجتماعية، ولو إن الاخوان المسلمين يعقلون يرشدون القاعدة ونظراءها فكريا وروحيا بعد أن ساهمت للاسف الشديد في الاسا ءة للأسلام والمسلمين في كل أنحاء العالم، ولو أن الأخوان المسلمين يعقلون يتحولون الى جسر تفاهم واقعي بين الإسلام والغرب بدل هذه القطيعة المؤذية للغرب والاسلام، ولو أنهم يعقلون يقفون بقوة ضد فتنة مسلم / مسيحي، خاصة في مصر الكنانة...
اثبتت تجارب الاسلام السياسي أن هذا الإسلام يضر بالإسلام، فكريا وسياسيا ودعويا واجتماعيا، واثبتت التجربة أن العلمانية تحمي الاسلام، وإن الاسلام في مجتمع تحكمه أنظمة علمانية أقوى وامضى وأرسخ من أن يكون في مجتمع يحكمه الاسلام السياسي نفسه، وهي مفا رقة تدعو الى التأمل حقيقة.
أمام الأ خوان المسلمين فرصة كبيرة، خاصة وإن هناك توقعات تدعي إن الاخوان المسلمين بهذا الحضور قد يعلنون الوسطية، وقد يعلنون مواقفهم ضد الاحتقان الطائفي وا لديني في المنطقة، ولكن لا حصان من أن يتحولوا إلى طائفيين أكثر من دعاة الطائفية، عندها يكون الطوفان الرهيب...
ربنا يستر