أكثر من تحالف إقليمي جديد مُتوقَّع يتحدَّث عنه باحثون في شؤون الشرق الاوسط بشكل عام، وفيما لا يختلف هؤلاء الباحثون من أنَّ التحولات الكبيرة التي تجتاح الشارع العربي والاسلامي هي الباعث الاكبر وراء هذه التحالفات المتوقَّعة، فلا يخامرهم شك في نفس الوقت، إن هذه التحالفات المتوقَّعة لا تخرج في جوهرها عن حلبة الصراع بين أنظمة المنطقة، وفي سياق علاقاتها المتشابكة مع العالم، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية، كما لا تخرج في النهاية عن دائرة الحفاظ على مصير الانظمة بالذات، وهذه الشبكة من التداخلات تساهم في صعوبة اعطاء تصور حاسم وواضح إنْ من جهة حصول هذه التحالفات فعلا، ومن جهة ما يترتب عليها من نتائج فيما أصبحت واقعا.
التحالفات المتوقَّعة ليست تفصيلية كما يرى هؤلاء الباحثون، وربما إضفاء صفة التحالف عليها، أو تسميتها تحالفا، يحمل الكثير من المبالغة، بل هي نموذج من التعاون المشترك ولكن على مستويات عالية من التفاهم حول قضايا مصيرية، تهم مستقبل الأنظمة، وهوية علاقتها بما يجري من حراك شعبي في المنطقة، يهدد بحروب أهلية في أكثر من بلد في المنطقة، ربما تؤدي إلى التجزئة والتشظي، ويهدد بمزيد من التدخل الاجنبي، ويهدد بتصعيد العلاقات المتوترة بين بلدان وأخرى.

ماذا يتوقع هؤلاء الباحثون؟
تحالف أوتعاون على مستوى عال جدا بين تركيا ومصر والسعودية، تمتين العلاقات الاقتصادية، وتبادل معلومات استخبارية، واتخاذ مواقف متشابهة من بعض الأحداث الخطيرة في المنطقة، وفي مقدمتها ما يجري في سوريا، وعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ومواجهة النفوذ الايراني، وهناك أكثر من عامل يشجع على مثل هذا التوقع، وهي بعض الأهداف المترتبة على ذات التحالف، وفي الجوهر مواجهة النفوذ الايراني في سياق ما يُعرف بمحور الممانعة في المنطقة، الذي يضم إيران وسوريا وحزب الله استطرادا، وحماس قبل أن تخرج من المحور ولو جزئيا، ولعل من العوامل ما بدات تعانية المملكة العربية السعودية من مخاوف على الصعيد الداخلي، كذلك ما يعانيه العسكر في مصر من صعوبات بالغة في التوائم مع تجدد الحراك الشعبي في ميدان التحرير، حيث بدأت الجماهير المليونية تتحدى المجلس، وربما تهتف بسقوطه!
باحثون آخرون يتوقَّعون تفاهما ربما يحصل في الأيام المقبلة بين المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا، وهي تعيدنا إلى حقبة قديمة كانت قد مرت بها هذه الدول، حيث كان هذا الثالوث على حد تعبير صحافي عربي كبير مفيدا للعرب، وهناك عوامل تشجع على مثل هذا التوقع أيضا، منها: إنَّ الوضع في سوريا ربما لن يُحسَم لصالح الذين راهنوا على التغيير، ومنها: انحسار الدور السعودي في العراق ولبنان، ومنها: إن ذلك قد ينهي متاعب بعض الانظمة الخليجية الداخلية، خاصَّة البحرين، ومنها: إنَّ مثل هذا (الثالوث) على حد تعبير سركيس نعوم في جريدة النهار البيروتية ربما يساهم في تخفيف التوتر في لبنان، ولكن تُرى أين سيكون موقع إيران في مثل هذه العودة المتوقَّعة ؟ وهل من أهداف هذه العودة في تخطيط أصحابها فك إرتباط سوريا بإيران، أو تخفيف العلاقة بينهما من مستوى استراتيجي إلى مستوى عادي ؟ وهو الأمر الذي يعد من الصعوبات بمكان أقلا في الظروف الحالية.
ليس هناك حسم نهائي بالنسبة سواء على صعيد التوقع الأول أو الثاني، والمرشح هو استمرار حالة اللاستقرار في المنطقة، وفي سياق هذا (اللا استقراء) تكثر التوقعات، وتكثر الفروضات، ويبدو أن الجميع في حيرة،حتى الولايات المتحدة الامريكية التي يوعز لها كثير من المحللين المسؤولية عن كل ما يجري في المنطقة!
الحرب الأهلية في اليمن قائمة، والتوتر الاهلي في لبنان يشتد ويتصاعد، وليبيا مهددة باختلافات جذرية بين القوى الفاعلة فيها، والعلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس متوترة، والصدامات بين الحكومة والمعارضة في البحرين لم تتوقف، وأوضاع سوريا لم تتحدد معالمها النهائية، وتركيا تدخل بكل ثقلها في المنطقة، والعراق نار تحت الرماد، وإيران تهدد بانها لن تسكت فيما تعرض حلفاؤها للخطر، فهل يمكن أن تنشا تحالفات ستراتيجية في مثل هذه الاوضاع المتداخلة، المتفجرة، الملتهبة؟
كان واضحا قبل زمن الربيع العربي أن هناك محورين، المحور الممانع والمحور المحافظ، وذلك بصرف النظر صلاحية التسميتين وما زالت بعض معالم هذه الثنائية شاخصة، ولكن حراك هذا الربيع الهائل خلط الاوراق مبدئيا، وفيما يستمر هذا الربيع العربي متصاعد الموج والعنفوان، سوف نجد أنفسنا أمام واقع في غاية التعقيد،بحيث يعصب معه أي تحليل سياسي يمكن الاطمئنان إليه...
الحل سهل وصعب في آن واحد، الحل يكمن في تفاهم ستراتيجي بين الحكام وشعوبهم، والصعوبة تكمن في أن الحاكم في العالم العربي، بله، الاسلامي لا يعرف معنى لمثل هذا التفاهم...