في وقت تتصاعد فيه موجة العنف الطائفي البغيض في العراق، حيث حادثة النخيب ومن ثم كربلاء وبعدها كركوك مِمَّا تسبب بقتل وجرح العشرات من الابرياء ذوي الانتماء العرقي والمذهبي الواحد نشرت وثائق ويكليلكس خبرا مثيرا يتحدث عن أوامر كان قد أصدرها صدام حسين إلى جيشه بضرب قباب المرقد الحسني والعباسي في كربلاء سنة 1991 حينما كانت هناك مواجهة بين حكومته وثوار شيعة في جنوب العراق بمناسبة الزيارة الاربعينية المعروفة في التقليد الشيعي، فهل هو توقيت مدروس أم جاء صدفة؟
وثائق وكيلكس تحولت إلى مؤشر لدى المحللين السياسيين لقراءة المشهد السياسي في العالم، واستكشاف المتوقَّع القريب في هذا العالم خاصَّة في الشرق الاوسط ــ وهذا ما اشار إليه الكاتب بكل تواضع في أحد مقالاته في ايلاف في اللحظات الاولى من صدورها ــ ولذلك لا يجوز اهمالها أو التقليل من قيمتها في أي عملية تحليل سياسي لما يجري في هذا الشرق المسكين...
وثائق وكيليكس ليست خبرية ساذجة، بل هي جزء من ستراتيجية لدولة عظمى، وكل وثيقة لها هدف محدَّد مشخص، يصب أولا وآخرا في خدمة هذه الدولة العظمى، فما هو هدف نشر الوثيقة المذكورة إذن؟ هل هو تمهيد لاشعال حرب أهلية في العراق؟
مراقبون يرجِّحون ذلك، ولكن هذا الترجيح لدى بعض المحللين قد لا يكون ذا فائدة تذكر لاستشراف مثل هذا المستقبل المظلم للعراق، فهو آت لا محال أو راجح على قدر كبير من الاحتمال لا سامح الله ولا قدَّر.
إن العراق اليوم ساحة مفتوحة لصراعات دول الجوار، وساحة مفتوحة لصراع إيراني أمريكي، وعلى هامش هذين الصراعين الاستراتيجيين في العراق تتشكل الصراعات أو التجاذبات بين شيعة العراق وسنته، بين عربه وأكراده وتركمانه، والصراع الدائر في العراق بين الاقطاب العالمية والاقليمية ليس من أجل تصفية حسابات فقط، بل من أجل النفوذ والسيطرة والاستحواذ أيضا، أي صراع له وجهان أو بعدان كما هو واضح من البيان، وذلك بطبيعة الحال مما يزيد من صعوبة الوضع في هذا البلد المبتلى...
إن الصراع بين هذه القوى على ارض العراق وفي أرض العراق من أهم اسباب توقع مثل هذا المستقبل المخيف، أي الحرب الاهلية في العراق، هكذا يرى بعض المراقبين، ويضيف هؤلاء المراقبون إلى أن ما يجري في سوريا الآن يصب في صالح هذا الاحتمال، أي احتمال اشتعال الحرب الاهلية في العراق، خاصَّة إذا ما استمرت الاوضاع هناك تتفاقم وتتضاعف، فما يحدث في سوريا ينعكس على العراق سلبا بسلب وايجابا بايجاب، بحكم الجوار على أقل تقدير، فضلا عن مفارقات التشكل العرقي والاثني والمذهبي في البلدين الجارين.

مراقبون يرون إن توقع حرب أهلية في العراق جزء من المشهد السياسي العام في الشرق الاوسط،حيث يلوح شبح الحرب الاهلية في أكثر من بلد بكل وضوح، سوريا ولبنان واليمن وليبيا ربما !
يضيف المراقبون ذاتهم بان طبيعة العلاقات بين أفرقاء العملية السياسية في العراق تساهم هي الاخرى في ترجيح مثل هذا المستقبل، أي إمكان حصول حرب أهلية بشكل وآخر في بلاد الرافدين المنكوبة، فهؤلاء الأفرقاء متنافرون، والعلاقة التي تحكمهم علاقة اقصاء ومحاصرة وليس علاقة تنافس وتفاهم، وهذه العلاقات تتحرك مثل كثبان الرمال، وهي حالة لا تصب في صالح الاستقرار السياسي ، ولا تساعد على إرساء حالة السلم الاهلي في البلد في مثل الظروف التي يمر بها، سواء كانت الواقع هذا بفعل إرداة الافرقاء ذاتهم أم بفعل الإئتمار باجندة من خارج البلد.
هؤلاء المراقبون لا ينسون الاشارة إلى عمق الاختلافات القائمة بين دولة المركز واقليم كردستان خاصة فيما يتعلق بشؤون بقضايا النفط والغاز والموقف تجاه الكثير من قضايا السياسة الخارجية ومنها التمديد لتواجد القوات الامريكية، حيث تصب كل هذه المفارقات لصالح الاحتمال المطروح!
بعض القوى السياسية العراقية تحمل القوات الامريكية المتواجدة في العراق مسؤولية ما يحدث في بلادها من فوضى أمنية وسياسية واقتصادية، وذلك لضمان مصالحها ولارغام العراقيين على قبول مشروع التمديد لهذه القوات، ويختصر كل المشهد العراقي المعقد بهذه المعادلة حصرا...
والآن...
هل هناك ما يشير إلى أن نشر وكيليكس لهذه الوثيقة في هذا الظرف بالذات، وفي سياق كل هذه التناقضات الكثيرة والخطيرة في ذات الوقت إنما هي مقدمة لتخطيط خارجي يهدف إلى اشعال حرب أهلية في العراق؟
أم أن هذه الحرب محتملة بدرجة كبيرة سواء نشر وكيليكس هذه الوثيقة أم لم ينشرها لتواجد أكثر من سبب لا يمت بصلة إلى الوثيقة المذكورة؟
وما المانع من اجتماع التفسيرين؟
ولكن هل حقا إن الحرب الأهلية في العراق آتية من حيث المبدا كي يشغل المحللون السياسيون أنفسهم بمثل هذه التوقعات؟
الاحتياط واجب...
هكذا يقول العقلاء...
فهل يحتاط عقلاء العراق من مغبة الانزلاق في آتون حرب أهلية التي إذا اشتعلت تحرق الاخضر واليابس؟
ان مثل هذه الحرب ـ لا سامح الله ولا قدر ـ تكون في العراق أشد ما تكون في أي بلد شرق أوسطي آخر، بما في ذلك سوريا، لان العراق تحول إلى مجال حيوي لكل دول الجوار...
نحن الضعفاء ليس لنا من حيلة سوى أن ندعو الله تبارك وتعالى أن يحمي كل عراقي من كل شر...