تاريخيا وعلى الارض أيضا هناك أكثر من نقطة قوّة شيعيَّة، تساهم في تماسك الشيعة، وترسخ حضورهم في العالم، وتميزهم عن غيرهم بما هو داع افتخار وعزة وربما تعالي وتشامخ، من هذه النقاط كون الشيعة ينتمون إلى مذهب إسلامي يرى في العدل أصلا من أصول الدين،ينيغي أن ينعكس على الواقع الاجتماعي، وقد بلور هذه القيمة نظريا في المرحلة الاخيرة من تاريخ الشيعة الفيلسوف الكبير محمد باقر الصدر رحمه الله، ومن هذه النقاط كون الشيعة هم الجناح الثوري من المسلمين، هكذا هو المعروف، وقد جسَّدوا ذلك عبر تاريخ طويل بالمعارضة والثورة على الحكام، وهذه قضية معروفة في تاريخ التشيع بدأ من ثورة او حركة الحسين بن علي، ولعل ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال الانكيلزي، و (جهاد) أهل جبل عامل في مواجهة الغزو الفرنسي، ومعارضتهم الدموية لحكم صدام حسين، وما أظهره شيعة لبنان من موقف حاسم في مواجهة اسرائيل وتبني المقاومة الفلسطينية، وهي الحقيقة التي يقر بها كل اللبنانيين على تنوع أديانهم ومذاهبهم... لعل كل هذه الحقائق وغيرها إنما كانت صدى لحركة الحسين بن علي، خاصة وهي حركة حاضرة في الخطاب الشيعي بشكل دائم ومستمر وحيوي رغم ما يشوبها من مفارقات منحرفة ومحكومة بالتخلف من قبل كثير من الشيعة قبل غيرهم، ومن نقاط القوة هذه القضية الحسينية التي أشرت إليها قبل قليل، حيث تحولت إلى إلهام ثوري تغييري تجييشي تحريضي، تحولت في كثير من الاحيان إلى مناسبة سنوية لاعلان الثورة على الظلم والطغيان والاستبداد عبر الخطاب الحسيني، وتسببت في احراج حكومات قوية متسلطة،خاصة في البلدان الاسلامية التي تسكنها أغلبية شيعية مثل إيران والعراق والبحرين أو حتى إذا كان الشيعة اقلية في هذه البلدان، كانت مناسبة عاشوراء في خطابهم الحسيني، وشعائرهم العاشورية مناسبة حية لاعلان السخط الفكري والشعبي على سياسات القمع والاجحاف، بل إن بعض شعارات الحسين التي يرددها الخطباء تحمل هذه الروح صراحة وبكل وضوح، ومن نقاط القوة أيضا لدى الشيعة هي المرجعية الدينية، خاصة إذا كانت هذه المرجعية تتمتع بنفوذ روحي قوي، وتتميز بعطاء علمي ثر ومؤثر، وهي النقطة التي طالما بحثها مفكرون وعلماء سياسة واجتماع من السنة، حيث يؤكدون إن خلو الجانب السني من هذه النقطة أو ما يوازيها يعتبر ضعف في الجسم السني بشكل عام، ومن نقاط القوة الشيعية حقا هو الايمان باليوم الموعود بصيغته (الثورية) إذا صحَّ التعبير، فهي فكرة مُلهمة ثوريا، فكرة تحريكية، تحفيزية، وكما قلت فيما أخذت في سياق غير الذي اعتاد عليه بعض الشيعة، وذلك فيما صِيغ على شكل أمل مخدِّر، وانتظار سلبي، وبهذه المناسبة ينبغي أن أشير إلى أن كل هذه النقاط القوية يمكن أن تتحول إلى نقاط ضعف قاتل عندما يساء فهمها وتؤخذ في إطار من التصور الخاطيء، كأن تفهم الثورة على الحاكم الظالم أنها قدر لازب والهدف منه الشهادة وحسب، وأن تفهم المرجعية بانها قيادة غير معرضة للسؤال والتساؤل، وأن يتم التعامل مع ثورة الحسين بانها عمل شخصية معصومة وإنّها عصية على الفهم، وعندما يصادر اليوم الموعود في ظل آمال ميتة، بل عندما يكون مصدر إيحاء عزوف عن الحياة، وربما رضا وأي رضا عما يسود المجتمع من خرافات وظلم وفساد،باعتبار أن ذلك إيذان بقرب هذا اليوم...
نقاط القوة هذه يفتقر إليها السنة، وربما انتبه إليها بعض القيادات السياسية والروحية والحزبية من السنة، فعملوا على قراءتها والاستفادة منها،أو جاءت الاستفادة عفوية ومن دون تخطيط مسبق، أو هي نتيجة للالتفات إلى أن بعضها اسلامي في جوهره فلماذا لا يتم التعامل معه على اساس التبني، وربما هم أولى باعتبارهم يمثلون الجمهور من العالم الاسلامي...
كيف؟
لقد اتجه الخطاب السني في الفترة الاخيرة إلى إحياء الحركة الحسينية بشكل مثير للغاية حتى على صعيده الطقوسي الشيعي، ففي مصر على سبيل المثال راح صوفية مصر يحيون هذه المناسبة مناقبيا وبكائيا، كذلك في مناطق أخرى من العالم الاسلامي، وحركات الربيع العربي الاخيرة تكاد تكون (سنية) والشعارات المرفوعة ضد الحكام وضد الطغيان، الامر الذي أنهى الادعاء بان أهل السنة (يهادنون) الحكام بسبب أو لدواعي كانت قد رسخت فقهيا في الفقه السني (ظلم يدوم ولا فتنة غشوم)، ولم تعد الحالة الثورية أو الثورة على الظالم مقترب شيعي انحصاري، وإذا ما تبلور هذا الحراك في سياق شرعي سني جديد، يهدف الحكم والقوة يكون السنة قد خطفوا نقطة القوة هذه من الشيعة والتشيع بجدارة، وهو المأمول، لأن أهل السنة أهل حكم تقرييا، فمن المعقول أن يمازجوا بين كونهم كذلك وبين مشروع الثورة ضد الحكام الجائرين، وتبلور في الوقت الحاضر مشروع مرجعية سنية علمائية بشكل أولي، فليس سرا إن شخصيات مثل يوسف القرضاوي إنما ترسخ لمثل هذا المشروع، والمشاريع الضخمة تبدا بشكل هاديء في كثير من الاحيان ثم تتبلور وتترسخ ظاهرة قوية متمكنة.
الحديث عن اليوم الموعود هو الاخر تسلل إلى الخطاب السني، فقد بدات الفضائيات الدينية السنية تتحدث عن الإمام المهدي عقيدة سنية راسخة، ولكن بفارق جوهري، هو كون المهدي يولد مستقبلا، ولكن مع نغمة مثيرة، وهي التوكيد على أن عصره هو العصر الذهبي للعالم، وإن نصرة هذا الرجل الموعود تتم بالعمل الجدي على توفير القوة بكل ما تعنيه، بما في ذلك تقدم العالم الاسلامي اقتصاديا وصناعيا وعسكريا...
هذه النقلة ربما تكون بسبب فهم دقيق من بعض رموز السنة لنقاط القوة الشيعية ثم تم العمل على استثمارها، وربما تكون نتيجة تطور الاحداث وتفاعلها بين السنة والشيعة، وربما تكون عفوية، إلاّ أنها في النتيجة النهائية هي نقلة لصالح السنة في العالم الاسلامي،خاصة إذا بقي كثير من الشيعة يتعاملون مع هذه نقاط القوة هذه ـ وهي نقاط قوتهم في البداية ـ بشكل سلبي، قدري.. ميت... والامل أن يتفاهم كلا الطائفتين على مشروع اجتماعي نهضوي سياسي بالاستفادة من نقاط القوة هذه، والضمير من وراء القصد