بغداد أم البلاد، وفيما يقول بعضهم، لا ينقصُ بغدادَ سوى قبر الرسول الكريم، فإني أقول لا ينقص بغداد سوى أهلها، فهي باهلها، ومن هنا كانت جريمة خلو بغداد في اهم مفاصلها الادارية من البغداديين، وهي أحدى مفارقات الإدارة في هذه العاصمة الحيوية في العالم العربي والإسلامي مهما أصابها من بلاء وضنك وظلم وقهر.
لم تشهد بغداد حربا أهلية أبدا، ربما كانت هناك تجاذابات مذهبية،ولكن ليست حربا أهلية، حتى حرب الامين والمامون لم تكن أهلية، بل كانت بين خليفتين، ولم تكن بين بغداديين وبغداديين!
استمرت بغداد عاصمة العالم الإسلامي لقرون، وكان هي العاصمة حتى وإن كانت الخليفة مجرد رمز، وعندما يتغنى بها مصطفى جواد، إنما ليس لعلاقة شخصية بين مؤرخ ومكان، بل لان هذا المكان رسم حدود العالم في فترة زمنية من جسم التاريخ العالمي بجدارة ومهارة، وما زالت معالم هذه الحدود تمارس د ورها...
كان أهل بغداد يهتفون (بين العجم والروم بلوة ابتلينا)،أي إن بغداد تحولت إلى صراع صفوي تركي، والذي يتحمل كل أعباء هذا الصراع هم أهل بغداد، البغداديون، سنة وشيعة، وتلعب كل من الدولتين على وتر الخلاف المذهبي لتحترق بغداد، بلا فرق،أهل الاعظمية أو أهل الكاظمية، وهناك يرقد الامام الاعظم، صاحب مدرسة الرأي الرائعة، وهنا يرقد الامام الكاظم سيد الأخلاق الرفيعة وزبدة أل البيت الروحية والعلمية... الخط الذي يربط بين الكاظمية /موسى الكاظم،/ وبين الاعظمية /الامام الاعظم / هو نبض بغداد، ويمكن أن يتحول إلى خط سلام العراق كله، نعم، هناك تكمن الثروة الروحية للعراق، وهناك تكمن قوة الفكر والسلام...
أنْ تخلو بغداد في أهم مفاصلها من البغداديين جريمة نكراء، تشويه لكل حقائق التاريخ، وجلف إداري فج، ومن نعم الله على بغداد إنها لم تتهيا فيها اسباب برلين المتقاسمة، وسوف لن تتحقق أحلام الخونة والمخربين في تعليم هذه الخارطة العدوانية الوحشية،لان أهل بغداد متسلحين بوعي حضاري عميق وعريق.
عاش البغداديون حياة الشراكة لا المشاركة، صحيح، قد تغلب المشاركة أحيانا ولكن تزاحمها الشراكة وتزيحها من متن الحياة البغدادية، صحيح قد تكون تجارة بغداد شيعية وإدارة بغداد سنية، ولكن التوازن كان موجودا، الامر الذي حفظ بغداد من نفاق السياسين، والاعيبهم، أتحدث منذ تاسيس الدولة العراقية، صدام حسين خرب بغداد، دمرها، قلب موازين الشراكة إلى مشاركة، ثم حوَّل المشاركة إلى ترجيح بلا مرجح، ثم حول الترجيح إلى معادلة حذف وقهر واقصاء، وحمَّل مسؤولية هذه السياسة طائفة بعينها وهي بريئة بشكل عام، كما هي الطائفة الماقبلة بريئة بشكل عام من حماقات بعض المحسوبين عليها.
كانت العوائل البغدادية تتواد،تتحاب،تتعاون، لا شك كانت هناك مناطق بغدادية شبه حصرية لهذه الطائفة أو تلك، ولكن الجو العام كان عراقيا، بغداديا، واليوم حيث تتعرض بغداد لمؤامرة قذرة، جوهرها حرب طائفية مدمرة، نتساءل ونقول : أين هي العوائل البغدادية التراثية لتعلن كلمتها قوية صريحة؟
هناك عودة لبعض مظاهر هذه العوائل البغدادية، دواوين، مجالس، ندوات، جلسات، لقاءات، نريدها أقوى، اعمق، ونريدها مشتركة، كي تعود بغداد، ولا ننسى أن اسمها دار السلام، هكذا كانت، ونريدها هكذا دائما.
الخط الواصل بين الاعظمية والكاظمية يمكن أن يكون خط نجاة، بل خط نجاة فعلا، نريد إعادة الهيكل الإداري لبغداد، نريد موظفين سنة كبار في مناطق بغدادية يقولون إنها (شيعية)، ونريد موظفين شيعة كبار في مناطق بغدادية يقولون إنها (سنية)، نريد مهندسا شيعيا يخطط لعمران الاعظمية، ونريد مهندسا سنيا يخطط لعمران الكاظمية،أذكر ذلك للمثال بطبيعة الحال، وليس على سبيل الحصر... عندها سيقولون إن الاعظمية بغدادية، والكاظمية بغدادية
إن إحداث ثورة إدارية تتخلى عن المطابقة بين المذهب والمكان مبدا ملح اليوم في بغداد وربما في كل أنحاء العراق...
بغداد باهلها، مبدا طبيعي، الحكومة الحالية اخطات، وما أكثر أخطاءها عندما اهملت هذه الحقيقة، بل ساهمت بذلك في تعقيد الاوضاع في بغدا د...
بغداد لا هي سنية ولا هي شيعية، هناك الامام موسى الكاظم وابو حنيفة والغزالي والامام الجواد وابو يوسف، فلا هي شيعية ولا هي سنية، هي بغداد...
أين العوائل البغدادية التاريخية الكبيرة؟
بغداد تستصرخكم بوجه السياسيين الجهلة...
بغداد لا هي صفوية ولا هي عثمانية، هي بغداد بعينها، ولكن كل ذلك يعتمد على وعي أهلها،وعي عوائلها، علمائها، مجالسها المشتركة...
إرادتها الحرة الواعية...
عجبا أن يكون المرشحون عن بغداد في الانتخابات البلدية والبرلمانية لا ينتمي أكثرهم لبغداد ذاتها...
هل اصبحت بغداد يتمية إلى هذه الدرجة؟
إذن مات العراق...