هل من فراغ تركه انسحاب القوات الامريكية من العراق في العراق؟ وما هي هوية هذا الفراغ؟
يقول عارفون بالشان العراقي، ومقرّبون من صناع القرار السياسي العراقي بما فيهم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بان أكثر هؤلاء يخشون فراغاً كبيرا يخلِّفه انسحاب القوات الامريكية، وهذا ينطوي على اعتراف ضمني بضرروة بقاء قسم من هذه القوات في العراق، وإنْ لأغراض التدريب والتمرين، ولكن تمنعهم عوامل كثيرة من التصريح العلني بذلك لاسباب شخصية تتصل بحكم التاريخ كما يتصورون، أو خوفا من مصير مجهول من جهات دولية أو أقليمية أو وطنية تتعارض مصالحها مع بقاء بعض القوات الامريكية في البلد، أو محاولة منهم لسحب بساط المزايدة السياسية وهي سوق رائجة في الساحة السياسية العراقية بمنسوب كبير، ويستدل هؤلاء العارفون بالشان العراقي جدا، بأكثر من شاهد على ما يصرحون به،أي خوف الكثيرمن صناع القرارالسياسي العراقي من فراغ كبير قد يتركه الانسحاب...
إن كلام القوى السياسية العراقية جميعها تقريبا على ضرورة مواجهة هذا الفراغ المحتمل هو بحد ذاته دليل على أن الفراغ المذكور يشغل مساحة جوهرية من تحليلاتهم السياسي وتوقعاتهم السياسية،وإلاّ لماذا هذا التنادي الملح من كل هذه القوى على ذلك؟
لقد طرح سماحة السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري مبادرة ميثاق شرف بين العراقيين، ومراجعة الديباجة وبعض البنود تكشف أن الهدف الكبيرمن هذه المبادرة هي مواجهة الفراغ المحتمل جراء الانسحاب الذي بات بحكم المنتهي عمليا.
الشاهد الآخر الذي يشير إليه هؤلاء المراقبون للشان العراقي بشكل متابع فيما يخص رؤيتهم السابقة، هو تصاعد حدة العنف في العراق تزامنا مع خروج القوات الامركية، وكانما هناك توقيت متواز بين الحالتين، الانسحاب من جهة والعنف الداخلي من جهة أخرى، وقد تصاعدت حدة العنف في البلد ـ كما يرى هؤلاء المراقبون ـ بشكل مثير للغاية، فلم يمر يوم دون ضحايا عنف تطال الكثير من الناس والمؤسسات والمسؤولين، وقد أثبتت الايام عجز الاجهزة العسكرية المسؤولة عن حفظ الامن عن اسكات موجة العنف هذه بشكل جذري بحيث يصح معها القول بأن العراق بلد آمن.
القوات الامريكية وهي تشد الرحال إلى أمريكا بدات نغمة الاقاليم في العراق تتصاعد بوتيرة حادة ومؤذية، وليس من شك أن هذه النغمة مهما كانت مقاصدها بريئة،ومهما كانت مبرراتها دستورية، إلاّ أنها تعرض البلاد في النهاية إلى الفوضى، وتصعد من وتيرة التجاذب الطائفي، خاصة إنّ مشروع الاقاليم هذا ينفرز في النهاية على شكل جزر مذهبية شبه خالصة في بعض صوره !
والسؤال المطروح هنا...هل هذه الظاهرة جاءت بسبب هذا الانسحاب أساسا أم هي ظاهرة خفية فاستغل أصحاب المشروع الانسحاب لتخرج من الخفية إلى العلن؟ ومهما كان الجواب، يبقى جوهر القضية يرتبط بالانسحاب في التحليل الأخير...
المراقبون ذاتهم يلوحون بشكل مباشر إلى أن الامريكان بانسحابهم كليا من العراق يكونون قد جعلوا من العراق مكشوف الظهر ! العراق متوتر داخليا، ويتوسط جوا متوترا على المستوى الاقليمي، فما هي قدراته لموجهة التوترين، الداخلي والخارجي؟
المراقبون ذاتهم أيضا يشيرون إلى أن القوات الامريكية في العراق تملك منظومة امنية ومعلوماتية هائلة عن الاوضاع العراقية الداخلية، وان هذه القوات هي التي كانت تغذي الجهات الامنية العراقية بمعلومات قيمة وحاسمة عن حركة الارهاب والارهابيين، وهذا ليس سرا كما يقول المراقبون، ولكن السر هو كيف سوف يعوض العراقيون هذا النقص بعد الانسحاب الامريكي؟
الأقليات والاثنيات العراقية تحس بأن مستقبلها في خطر، بعض مكونات الشعب العراقي الكبيرة لها علاقات تاريخية بالولايات المتحدة الامريكية، الثقة تكاد تكون قلقة بين مكونات العراقيين، المناطق المتنازع عليها بين العرب والاكراد فتيل نار تحت الرماد، نزعة الفيدراليات الجغرافية أو المذهبية تحولت إلى مطالب جماهيرية، هناك خوف من قوة بعينها من الانسحاب الامريكي كليا من العراق....
هل تملك الحكومة المركزية القدرة الذاتية لمعالجة كل هذه المخاطر وما يمكن أن يترتب عليه؟
الجواب محل تشكيك لدى العارفين بالواقع العراقي تفصيلا، وفيما كان هذا الجواب صحيحا، فإن انسحاب القوات الامريكية من العراق كليا يزيد من موضوعية هذا الجواب، اللهم إلاّ إذا كان صحيحا بان كل مشاكل العراق من الامريكيين، وبذلك، يشكل خروجهم بداية الحل... حيث تذهب لذلك بعض التحليلات السياسية لبعض القوة العراقية الفاعلة في العراق، وفي مقدمتها التيار الصدري.
أيهما أقرب للحقيقة؟
لا أعرف...