سيجتمع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالرئيس الأمريكي أوباما بدعوة من الأخير، تأتي هذه الدعوة في نطاق معالجة بعض القضايا بين البلدين بعد الانسحاب الامريكي من العراق في نهاية هذه السنة، ليس المهم الزيارة، بل المهم ما يدور بين الرجلين، ليس على مستوى الحديث العلني، بل الحديث الخاص، خلف الكواليس كما يقولون، فكلاهما لا يطمئن ربما لجميع من يحضر اللقاء، خاصة وأن الجانب الامريكي صرح أكثر من مرة بان رئيس الوزراء العراقي مخترق حتى النخاع، بصرف النظر عن هوية المخترقين، ليس برضاه بطبيعة الحال وإنما رغما عنه بصورة من الصور.
النطاق العام لحديث المالكي الخاص لاوبما يتشكل من ثلاث أضلع، الشكوى والاعتراف والطلبات، شكوى من دول الجوار تفصيلا، خاصة فيما يتعلق بتدخلاتها السافرة في كل صغيرة وكبيرة في الشان العراقي، وشكوى من القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية، حيث تشارك نهارا وتحارب ليلا، وسيكون كلام المالكي صريحا، لأسباب كثيرة، لان ملفات هذا التدخل، ومشكلات الصراع بين المالكي وغيره كان قد قراها اوباما قبل الاجتماع،والمالكي لابد أنه يعلم بهذه الحقيقة، فلا يجرؤ على غير كلام الحقيقة، والاعتراف سيكون صريحا أيضا، سيؤكد له بانه وافق أو انضم إلى المطالبة بسحب كامل القوات الامريكية وعدم اعطاء الحصانة للعدد المقترح بقاؤه من الامريكان بضغط من بعض دول الجوار بشكل مباشر، ولسحب البساط من المزايدين على هذا الانسحاب، ولضغوط تمارسه عليه قوى داخلية، وإنه يعترف باهمية بقاء بعض الامريكان لاغراض كثيرة، بدليل أنه ـ أي المالكي ـ طالما أكد حاجة الجيش العراقي خصوصا الى المزيد من التدريب والمهارة، وإنه غير مستعد او جاهز لكثير من المهمات، وفي المقدمة حماية الأجواء العراقية بجدارة ومهارة خاصة وأن المنطقة مقبلة على مستقبل مضطرب، سيعترف له بأن الوضع الامني هش، ولا يستطيع المالكي أن يخفي على اوباما هذه الحقيقة المرة، ما دام ابن الشارع العراقي يدركها يوميا، سيعترف المالكي لاوباما بتردي الخدمات واستشراء الفساد المالي والاداري، وإن حكومته استوعبتها الخلافات بين الافرقاء أكثر مما استوعبها البناء والاعمار والتطوير، وفي الاثناء يستعرض المالكي بعض منجزاته التي تكاد تكون خجولة، اعترافات المالكي لا تكون على شاكلة اعتراف مجرم بين يدي قاض، بل على شاكلة بيان الحقيقة، اوباما ليس رئيس عشيرة يستطيع المالكي كسبه بكيس من الدولارات، ولا رئيس حزب أو كتلة يستطيع استمالته بوظيفة أو تغطية على مفسدة من مفاسده، المالكي سوف يكون أمينا بسرد هذا الواقع بين يدي الرئيس الامريكي، ربما ينصحه بعض مستشاريه بان يتخذ هيئة (المسكنة) وهو يتحدث إلى أوباما، ويذكروه بهيئته عندما اجتمع باكثر من مسؤول دولي كبير خاصة إذا كان هذا المسؤول على علاقة مباشرة بالقضية العراقية، ليس من شك إن السيد المالكي سوف يلح على شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريكية، سوف يؤكد له أنْ لا تقدم ولا تطور في العراق بلا هذه الشراكة، سوف يلح على مسؤولية واشنطن في حماية الديمقراطية العراقية إذا تعرضت للخطر، ويلمح له بارتياحه لتواجد القوات الامريكية في الكويت، المالكي سوف لا يتطرق إلى الاتفاقيات التي أبرمتها حكومته مع بعض الدول الكبرى، بما فيها اليابان، لان اوبما عندما قرأ بعض نصوص هذه المعاهدة فهم على الفور أن الحكومة اليابانية كانت تلمح إلى أن الامن في العراق هش،وأن حكومة المالكي مقصرة حسب تصورها في أرساء حكومة الشراكة الوطنية، ومثل هذه العبارات لا تمر على اوباما كما مرت على الكثير من الذين راجعوا بيان هذه الاتفاقية وغيرها، المالكي سوف يضع أمن العراق على مسؤولية واشنطن بالدرجة الاولى، ويترك لها كيفية الإداء في خطوطه العريضة، وهو محق بذلك، فليس في العراق ما يحمي العراق بشكل جدي وحقيقي، لا جيش على مستوى تحمل المسؤولية، ولا شرطة قادرة حقا على ضبط الوض الامني بما يطمئن الناس، بدليل هذه الانفجارات التي لم يخل العراق منها يوما، ولا نظام امني وعسكري ناجح،ومن الصعب على المالكي أن يحكي لاوبما عن الامن المستتب في العراق، فكل يوم عشرات القتلى والجرحى، وبوادر أزمة أمنية أعمق وأخطر باتت تلوح بالافق في العراق بعد الانسحاب الامريكي من هذا البلد، المالكي سيطرح الكثير من الطلبات على أوباما،اقتصادية وعسكرية وأمنية وثقافية، خاصة وقد تخلى نهائيا عما يسمى بالثقافة الاسلامية.
أوباما يتكلم بالمثاقيل، يلوح إلى علم واشنطن بما تريده دول الجوار، يلمح إلى استعداد أمريكا لتقديم ما يمكنها أن تقدمه للعراق،ولكن يؤكد للسيد المالكي بان واشنطن قلقة جدا من عدم فاعليةالحكومة العراقية للتصدي لتدخلات دول الجوار في الشان العراقي، وربما يلمح له بذكاء، بان المالكي حطم كتلته السياسية الاكبر (الائتلاف الوطني قبل الانشقاق بسبب الخلاف على رئاسة الوزراء) ثم حطم كتلته الاصغر (إئتلاف دولة القانون)، ثم ساهم في ولادة اتحاد مريض كسيح، وقبل ذلك حطم حزبه، وحطم فرصته الذهبية في صنع (ستاف) حكم قوي خبير متمكن، والعراق اليوم في أمس الحاجة إلى الكتل الكبيرة، أوباما يحيل طبعا طلبات المالكي إلى دوائر مختصة...
وربما يعترض بعض الافرقاء المشاركة بالحكومة على الحديث السري بين أوباما والمالكي، وسوف تستنفر دول الجوار اجندتها في العراق لمعرفة ما دار بين الرجلين ؟ ولكن هل يستطيع المالكي إخفاء ذلك على هذه الدول؟
ولكن هل حقا سيكون مثل هذا اللقاء الاحادي؟
أم إن الله وحده يعلم؟