افادت اخبار عن لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب العراقي (عن قرب اكمال قراءة وتشريع اتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع حلف شمال الاطلسي)، وصرح أحد النواب العراقيين المحسوبين على رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بان المشروع يهدف إلى حماية الأجواء العراقية (لمعرفة حصول تجاوز على الاجواء من عدمه...)، وفي الاثناء يقول هذا النائب: (مع خروج القوات الامريكية ربما يولد شعور لدى بعض دول المنطقة بان العراق ضعيف، وتعمل على التجاوز على أجوائه)، مؤكدا في الوقت نفسه (أن العراق سيكون قادرا على حماية أجوائه بشكل كامل)!!
هذا النائب متناقض، ومن حق التناقض أن يجد صلاحيته على لسانه بسبب بساطته وسذاجته، ترى أي داع لمثل هذه الاتفاقية فيما كان العراق قادرا على حماية أجوائه بشكل كامل؟
المهم، لا يمكن اعطاء راي صريح وحاسم في هذه الاتفاقية حتى تتضح الصورة في الاطار كما يقولون، لعدم توفر النص النهائي والكامل للاتفاقية المذكورة، ولكن هذا لا يمنع من تقديم بعض الملاحظات الجوهرية والمهمة على أصل الموضوع وبعض تضاعيفه الواضحة.
أولا: القراءة الاولية لجوهر المطروح من الاتفاقية يوشي بشكل غير مباشر أن العراق يملك ناصية أمنه الداخلي بالكامل، ولا يحتاج سوى تأمين أجوائه الخارجية، في حين العراق مستباح داخليا بشكل مفرط من كل دول الجوار، وهذه القضية تدركها جيدا ما يعرف بلجنة الامن والدفاع التابعة لمجلس النواب العراقي، فليس سرا أن العراق اليوم ساحة صراع، وإن كل أنظمة دول الجوار تملك أجندتها الخاصة في هذا البلد المنكوب، ليس على مستوى اشخاص بل على مستوى أحزاب ومليشيات ومنظمات.
ثانيا: إن العراق اليوم مهدد داخليا أكثر من كونه مهددا أجوائيا بسبب خروج القوات الامريكية من العراق، إذا كان خروج هذه القوات قد يطمع بعض دول الجوار باختراق الاجواء العراقية، فهي فعلا سوف تتدخل أكثر واكثر بعد خروج هذه القوات، ان النائب العبقري يفكر بقدمه المجروحة وينسى دماغه المعرض للعطب !ّ ولا اعتقد أن لجنة الدفاع لا تدرك هذه الحقيقة المرة، وهي تتغافل عنها لان الكلام بها يحرجها أيما احراج...
ثالثا: هل الاختراق جوي وحسب؟ أليس هنا اختراق بري للعراق اليوم؟ ماذا تسمي لجنة الدفاع والامن عن تجفيف الانهار العراقية من جهة الشرق، وماذا تسمي لجنة الدفاع دخول تركيا من الشمال، وماذا تسمي هذه اللجنة الخائبة استحواذ الكويت على بعض الاراضي العراقية بشكل وآخر ـ كما تنقل بعض الاخبار ــ والسؤال، من هو المسؤول عن دريء أو بالاحرى عن رد هذه الخروقات البرية للعراق، الجيش؟ القوات الامنية؟ وكيف ستقوم بمثل هذه المهمة وهي غير قادرة على حماية مجلس النواب؟ وحماية حسينية صغيرة، وحماية مركز شرطة؟
رابعا: لقد جاء القرار برفض التمديد للقوات الامريكية بعنوان سيادة العراق، فالعراق لا يملك السيادة مادام على أرضه جنود امريكيون، إذن العراق كامل السيادة مادام الناتو يحمي سماءنا، أو يساهم في حماية سماءنا !!
خامسا: حماية الاجواء وفق اتفاقية ستراتيجية مع الناتو هل هي مجرد خبراء؟ مجرد مدربين؟ مجرد تفاهم أولي؟ هل هي اتفاقية جرداء بهذا الشكل؟ بلا معلومات متبادلة عن أجواء دول الجوار وسياستها وخططها الجوية؟ وهل ستقبل دول الجوار بهذه الاتفاقية ولا تعتبرها تهديدا لامنها القومي، وماذا لو استجوبت دول الجوار بعض اجندتها في داخل البلد المنكوب للوقوف ضد هذه الاتفاقية، والعراق محكوم بهذه الدول بلا شك؟
سادسا: الذي اخشاه أن تسارع الحكومة العراقية إلى الاستنتجاد بامريكا يوما ما فيما احتدم الداخل العراقي بما لا يحمد عقباه، كما استنجد السيد المالكي بالطائرات البريطانية لانقاذه في البصرة! حيث لم يستنجد بطائرات دولة جارة في وقته، وكانت نقطة فارقة بتاريخ السيد رئيس الوزراء.
سابعا: العراق اليوم محتشد الاستقطابات، طائفية وعشائرية وحزبية، وليس هناك دولة جارة تريد العراق قويا، وكل دولة من دول الجوار تعتبر الجغرافية العراقية المجاورة لها مجال حيوي، الجيش العراقي غير قادر على معالجة هذه الثغرة، ولا القوات المسلحة الباقية قادرة على ذلك، لا المالكي ولا غيره قادر على معالجة هذا النقص، وإذا كانت الحكومة العراقية وجدت في بقايا القوات الامريكية في العراق بعض عنصر موازنة بدرجة ما، وبشكل وآخر، فإن هذا العنصر انتفى الان.

حمى الله العراق