صرح رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي بُعيد تشكيل حكومته بانه غير راض تمام الرضا عن التشكيلة الوزارية لحكومته، فقد خضع مضطرا لخيارات مفروضة عليه بشكل وآخر، فيما هي خيارات ليست بالمستوى المطلوب. ورغم أن السيد المالكي لم يكشف عن هوية هذه الضغوط،ولكن مراقبين يشيرون إلى أنها ضغوط مختلطة، بعضها من خارج البلد، وبعضها من داخل البلد. وهو اعتراف جميل بطبيعة الحال، ولكنه يكشف عن ازمة، فمن الصعب على رئيس الوزراء أن يعمل مع خيارات مفروضة عليه،مهما كانت خلفيات هذهالخيارات المفروضة.
تشكلت حكومة السيد المالكي من 43 وزيرا، وباعتراف السيد المالكي نفسه، وطبق راي كثير من المهتمين بالشان العراقي بان حكومة بهذا الحجم الوزاري يشكل عبئا على الدولة، كما أنه يشكل عبئا على رئيس الوزراء نفسه، ويغرق الحكومة بمزيد من مشاكل التداخل والتعارض في المهمات، فضلا عن ان بعض الاسماء الوزارية كانت شكلية،وليس هناك أي مبرر موضوعي لاستحداثها.
ملاحظة أخرى يشير إليه المهتمون بالشان العراقي بخصوص هذه التشكيلة الوزارية، وهو إن بعض الوزراء في هذه الحكومة رجله اليمنى في الحكومة ورجله اليسرى في المعارضة،وربما التيار الصدري نموذج واضح على صعيد هذه المفارقة، على أنها مفارقة تتوجه إلى ذات التيار الصدري من جهة،ولكنها تكشف من جهة أخرى عن عدم (منطقية) الحكومة نفسها، وهو الامر الذي اشتكى منه رئيس الوزراء، وظهرت ممارساته بصورة واضحة وجلية في مجريات الاحداث المهمة وذات المساس بمصير البلد والشعب، ومن ذلك الموقف من مسالة تمديد البقاء للقوات الامريكية في العراق.
هذه الحكومة نصفها مجسَّد برئيس الوزراء نوري المالكي، فهو رئيس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة،ووزير الدفاع والداخلية والامن الوطني وكالة، وربعها الآخر بالمعارضة من الداخل، ممثلة في وزراء القائمة العراقية واستطرادا التيار الصدري واحيانا المجلس الاعلى، وربعها الآخر مممثل بالاكراد الذين لا يرسون على موقف معين إلا بمقدار ما ينعكس على مصالحهم الخاصة بهم، وبالتالي هي حكومة مرتبكة، غير متسقة، إنها أشبه بالكشكول، وكشكول غير متناسق الالوان والاجناس والاشكال...
حكومة السيد نوري المالكي وكما هو شائع لدى العراقيين تمثل في كثير من واجهاتها ووزرائها وكتلها السياسية اجندة خارجية، بصيغة وغيرها، بصرف النظر عن هوية الجهات التي ترتبط بها هذه الاجندة،سواء شرقا أوغربا أو شمالا أو جنوبا، وهذه مفارقة خطيرة، إذ تشكل ضربة نجلاء في صميم الحكومة، ومدى وفائها في إدارة دفة البلاد،خاصة مثل العراق الذي كثرت مشاكله، وتعدد أزماته، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الامنية...
المجلس السياسي المقترح يعتبر عقدة هوالآخر، وقد ساهمت وتساهم هذه العقدة في إرباك سياسة الحكومة، فهناك اختلاف حول صلاحيات هذا المجلس،وهناك اختلاف في طبيعة الدور المنسوب إلى رئيس المجلس، وما زالت هذه العقدة سارية المفعول، ويبدو أنها في طريقها للتفاقم أكثر واعمق.
ماذا يمكن أن يخرج المحلل السياسي من هذا العرض البسيط والواقعي في نفس الوقت فيما يخص حكومة السيد نوري المالكي؟
أن أولى ما يمكن أن يخرج به المحلل السياسي من هذا العرض هو إن حكومة السيد نوري المالكي تفتقد الانسجام والتوافق، تفتقد البنية المتماسكة، وهي حكومة صراع داخلي، ومناورات داخلية، ومن الصعب أن تقدم على انجازات ستراتيجية خلال مدتها المتبقية حتى وإن كانت مدة كافية من حيث المبدا على صعيد إنجاز شيء كبير،لأن العلة ليس بالمدة الزمنية المتبقية، بل العلة في ذات التركيبة، فهي تركيبة معطوبة تقريبا، نصفها ممثل بشخص،وربعها ممثل بمعارضة داخلية،وربعها الآخر ممثل بلاعب من أجل مصالح قومية مشخصة، وانا إنما اسمي حصة السيد المالكي بالنصف، لان وزارات الدفاع والداخلية والامن الوطني هي عصب الدولة.
في لقاء عابر قلت مرة لاحد المهتمين بالشان العراقي والقريبين منه،وذلك قبل أن يشكل السيد المالكي وزارته هذه، بأن أي حكومة عراقية مقبلة، سواء برئاسة السيد المالكي أو علاوي سوف تصطدم بتذمر شعبي ولم تتسطع مواصلة عملها إذا لم تقدم إنجازا ستراتيجيا خلال الشهور الستة الاولى من عمرها.
حكومة بهذه المفارقات لا يمكن أن تقدم انجازات ستراتيجية، فكيف إذا أضفنا إلى هذه المفارقات تدخلات دول الجوار المستمرة، وكيف إذا اضفنا إلى ذلك ضعف السيد المالكي في مجال المناورة السياسية، فقد ناور أكثر من مرّة ولكنه أخفق في ذلك، بدا من تحالفه مع السيد أبو ريشة في مواجهة رفاق دربه وامسه، ومرورا بقطع العلاقات مع سوريا، وانتهاء بمشروع ربط الهيئات المستقلة بالسلطة التنفيذية، وفي سياق ذلك مشروع سحب الثقة عن مفوضية الانتخابات؟!
وفي ضوء كل هذه الملاحظات،هل يفكر السيد المالكي حقا بترشيق حكومته؟
وهل الترشيق سوف يمضي بسلام، أم يدخله في مأزق جديد؟
ولكن أين اصبح مشروع حكومة الاغلبية؟
الزمن هو الذي يجيب.