قرات برنامج حكومة رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي المنشور في جريدة الصباح العراقية بتاريخ 18 / 7 /2011، وذلك للسنوات 2011 ــ 2014، والمتكون أساسا من مقدمة مذيلة بتوقيع السيد المالكي، وستة محاور عمل، تتعلق با من العراق وارتقائه الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي... وقد جاء في مقدمة السيد المالكي [... وهذه الوثيقة التي أمامكم هي برنامج الحكومة... في لغة واضحة (يبدو يقصد بلغة واضحة)... ]، ومهما يكن من أمر فإن من جملة ماجاء في المقدمة: (جرى التركيز في السنوات الما ضية على ضرورة توفير الأمن والاستقرار المهددين في بلدنا)، والذي اعرفه بكل تواضع، ان الامن ليس ضرورة بل هو قضية ستراتيجية، ليس من شك أن السيد المالكي يقصد تركيز الجهود العملية، ومثل هذا التركيز لا ينصب على (ضرورة) وإنما ينصب على حاجة، التركيز على الضرورة يكون با لفكر والكلام والتوجيه، كما أن الامن في العراق ليس ضرورة بل هو اشكالية، تبدا من ازمة الوزرات الامنية والقوات المسلحة وحتى الانفلات الامني في منا طق كثيرة من العراق مرورا بظاهرة السيارات المفخخة والعبوات اللاصقة واغتيال رموز العراق والخروقات من قبل دول الجوار، وهكذا، ولو أن بيان السيد رئيس الوزاء دخل مباشرة بقضية الامن لكان التعبير اوفق لغويا وستراتيجيا (جرى التركيز في السنوات الما ضية على الامن والاستقرار...).
ولأن هذ التركيز استوعب جهود السنوات الما ضية نرى (... معاناة المواطنين في توفير الكهرباء لمنازلهم...)، وكان الكهرباء محصورة بحاجة منزلية، في حين أي عملية اعمار وبناء وانتاج تعتمد اولا وقبل كل شيء على توفير الكهرباء، ولكن يبدو لي لان السيد رئيس الوزراء العراقي لا يملك تصورا عن مفهوم التنمية والتطور بمنظوره العلمي سيطر عليه هذا الهاجس القريب من الحس.
يقول: [... ونحن نسعى سعيا حثيثا (أتصور لو اكتفى نسعى حثيثا يكون ابلغ ...) إلى معالجة الامور لكي يكون العراق مكانا آمنا للعيش السعيد للناس جميعهم)، يبدو أن كلمة مكان ابلغ من كلمة وطن، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، هل حقا أن السيد المالكي يريد عراقا (للناس جميعهم)؟ أي ناس، التحديد الدقيق من أبرز معالم البرنامج الحكومي، طبق هذه المادة يعني من حق أي انسان في العالم أن يعيش في العراق عندما يكون (مكانا / وطنا) آمنا، اركزعلى وطن لا على مكان، لان كلمة الوطن مصطلح سياسي بطبيعة الحال.
يقول السيد رئيس الوزراء في المقدمة: (وإن ما يواجهنا في عملنا هي البيروقراطية الحكومية)، هل هناك بيروقراطية غير حكومية؟ ممكن، لا أدري، ولكن أليس ما يواجه حكومتكم بالدرجة الاولى هو الامن المنفلت، هذا ما كان في مقدمة الديباجة.
تقول مقدمة السيد رئيس الوزراء (وسنقوم بتقديم التقارير تقديما منتظما) !! اعتقد لو قال: با نتظام لكان اولى وابلغ.
ما ذا نحتاج لكل ذلك؟
تجيب المقدمة: (... نحتاج إلى اصلاحات إدارية وتحسينات كثيرة لدعم التنمية في البلد)، ولكن ماهي هذه الاصلاحات؟
يقول البرنامج: (يسمح الامن والأمان للعائلات بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو القومية للحصول على حياة طبيعية، وللاعمال التجارية بالازدهار...)، واضح النبرة المنبرية في البرنامج في صدر هذه الفقرة (العائلات !)، يا اخي نحن بين يدي برنامج دولة، شعب، حضارة، مستقبل، بيان وعظي هذا، وليس بيان ستراتيجي، أن الدستور ينص على حق المواطن بالأمن، وليس العائلة، الفرد هو الاساس في الدستور، أتكلم بلغة دستورية لا بلغة منبرية، لا يعني هذا التقليل من شان الاسرة بطبيعة الحال، ولكن اللغة القانونية هي التي يجب أن تسيطر على البرنامج.
يقول البرنامج: (من بين واجبات الحكومة ومسؤوليتها الرئيسة إيجاد الامن) أعتقد لو قال: (تحقيق الامن، أو توفير الامن) يكون ابلغ لغة وقانونا.
يقول البرنامج إن من واجبات الحكومة: (تحديث الجيش وقوات الامن وتطويرها... وسيشمل التحديث التدابير اللازمة لضمان الحياد السياسي والطابع غير الطائفي للقوات المسلحة وقوات الامن)، العبارة تدل على أن هناك حقا طابعا طائفيا يدمغ هوية الجيش العراقي وقواته الامنية، أم أن الجيش والقوات الامنية حاليا بعيدة عن الطائفية والسيد رئيس الوزراء يريد استحداث تدابير تحول دون استمرار هذه الحالة الوطنية الصحية؟ لا ادري حقيقة.
البرنامج لا يفرق بين تطوير العلاقات مع دول الجوار وبين حل المشاكل العالقة بين العراق ودول الجوار، إن تطوير العلاقات مقدمة لحل المشاكل، وليس هي عينه حل المشاكل، يسعى العراق لتطوير العلاقات مع الدول الجوار بما من شانه تخفيف أو حل أو تاجيل المشاكل العالقة بين العراق ودول الجوار، وبما يساعد على مواجهة الارهاب الذي يهدد الجميع، أما عن آليات تطوير العلاقات فليس هنا محل الكلام في خصوصه.
يقول البرنامج: (تحديث المناهج الدراسية الجامعية لتواكب الحداثة والمعايير الدولية)، الذي اعرفه ان مصطلح الحداثة ليس بهذه السهولة، فهو يعني من جملة ما يعني القول بان كل ما في الكون يمكن فهمه عقليا، ويستدعي ابعاد الدين والسحر وما هو على هذا الغرار من تفسير الكون والمجتمع والدين، اللهم الا اذا كان السيد رئيس الوزراء يملك فلسفة خاصة بالحداثة، ولكني لم اقرا له بذلك أثرا فكريا.
يقول البرنامج: (... التي تشتمل على ايجاد سكن) يبدو انه يقصد توفير سكن.
يقول البرنامج: (... زيادة عدد المؤسسات التعليمية جغرافيا ونوعا)، ما هو المقصود بجغرافيا، بالنسبة لي اشبه باللغز، يبدو انه يقصد في جميع انحاء البلاد !
يقول البرنامج: (تاهيل الاماكن الثقافية والدينية والترفيهية وتوسيعها)، هل هذا يعني ان ما موجود من اماكن بهذه الهوية كافية، وإن الحا جة فقط تأهيل ما موجود؟ اعتقد أننا بحاج إلى المزيد من هذه الاماكن، فكان الاولى اضافة وخلق أو توفير الى تأهيل ما هو متوفر، اليس كذلك؟
يقول البرنامج: (من أجل زيادتها ـ اي الأمكنة السابقة ـ في المنا طق السكنية) يبدو أن هناك حاجة لها ايضا في المناطق غير السكنية !!!
يقول البرنامج: (إعادة وتاهيل وسائل النقل المختلفة وتطويرها...) يبدو ان السيد رئيس الوزراء مكتف بما هو موجود، وما الحاجة سوى التأهيل، طيب إذا كان الموجود غير مؤهل، فكيف هو الحال اذن على ما هو عليه الأن؟ كارثة...
يقول البرنامج: (إعادة وتأ هيل المرافق والمناطق السياحية)، لماذا لا نقول ايجاد / مادام السيد رئيس الوزراء مغرم بهذه الكلمة العادية جدا جدا / خلق أو توفير الجديد من المرافق والمناطق السياحية، والعراق بلد سياحي من الطراز الاول؟ أم السيد رئيس الوزراء لا يرى حاجة لذلك، أم ان امكانات العراق لا تساعد على ذلك؟
يقول البرنامج: (يعد الاقتصاد العراقي اقتصاد نفطي)، ابو اسراء العراق اقتصاده اقصاد نفطي؟ اقتصاد ريعي، يعتمد بالدرجة الاولى على النفط...
يقول البرنامج: ان من اهم التحديات التي تواجه التحول نحو الاقتصاد المتنوع هو (نقص العمالة الماهرة والعلماء)، هل النقص وحده أم اضافة الى ذلك تدني المستوى أيضا، ثم الا ترى معي ان مصطلح التكنوقراط أو اهل الخبرةوالاختصاص اكثر ملائمة من كلمة علماء في نصك المحترم؟
هذه ملاحظات سريعة وإلا ان البرنامج ليس برنامجا بالمعنى الحقيقي، خال من التعريفات والتحديدات، يفتقر الى اللغة القانونية المهنية، لم يبين الآليات ولا اي سقف زمني في حال الحاجة اليه في مفردة من مفردات المنهج، يفتقر الى التسلسل المنطقي.
- آخر تحديث :
التعليقات