أيَّتها الحياة!
إيه
يُغريني منكِ ثغرٌ يرسمُ على صفائح الثلج... ذكريات الثلج... خارطة عمري... بريقُ الثلج... بياضُ الثلج... يُغْشي الخارطة الموهومة لذَّةَ الغفلة السادرةِ في كسلها الكوني... تصدمني لذَّةُ الغفلة لحظةَ الوداع الكسير... تُلْهمُني في النهاية أنَّ البداية كانت سرابا.
أيَّتها الحياة!
إيهٍ
يُغريني منكِ ثغرٌ يبصمُ على شبح الضبابْ... وهمِ الضباب... نثرِ الضباب... سنواتَ عُمري... يتشظَّى الضبابُ الساخرُ منْ غبائي... المستبدُ بأحلامي... بأوهامي... تتوزَّع سنوات ُ عمري المسجَّى على أنفاس غدٍ مجهول المصير... مودِّعة ماضٍ يبتلِعُه جبروتُ النسيان، جبروتٌ يجثمُ على نبض وعيِّ مهما استقى من بريق الإله الازلي اسمه ومسمَّاه....
الإلهُ الأزليُّ يقضمُ باسنانه القَدرية الذهبية أياميَ الهزيلة، يُضيفها إلى عُمره المديد، لتمضيَ في غياهب العدم، وكأنها لم تكنْ وما كانتْ، وليتها لم تكنْ وما كانتْ
أيَّتها الحياة!
إيهٍ...
يُغريني منكِ ثغرٌ يحفرُ في ترابٍ همْلٍ مساحة عمري... امتداد عمري... الترابُ قدرٌ يصارعُ يقظتي المصدومة بهشاشتها، ببؤسها، بجدبها، بفقرها، يُصهرها في صداه، وكأنيْ صدى بلا صوتٍ يسبقُه، فهل هي إلاّ حياة مستعارةٌ من جدبٍ يلهو بنا، فهل هي إلاّ حياةٌ مترَعةٌ بعدمِ وجودها، وسُقمِ صحّتِها، وفقرِ غناها، وفسادِ كونها، ومعلولِ ِعلَّتها، وكذبِ صدقها، وظلمةِ نورها... فمالي وأنخابَ كؤوسٍ تمتليءُ من دَمي، وأنا أسيرُ مائها الآسن بذكريات الموتِ الكريه ؟
أهبُها نسائمَ روحي... رعشةَ روحي... أُغنيةَ روحي... شهقةَ روحي... تهبُني عطبَ الوجود.... أهبُها فجرَ الكون... تهبُني ظُلمةَ الكهوف... أهبُها شبق جسدي... تهبُني زُفرةَ الموت بكلِّ رعبه... نَتنٌ هو الموت... زُفرةٌ كونية... ليتنا نلفظه لا يلفظنا كي نتحرر من زفرته النتة البائسة أبد الدهر.
أيَّتها الحياة!
إيهٍ
إيهٍ
يغريني منكِ ثغرٌ يكتبُ على جدران النسيان الكسيح ابتسامةَ عمري... ضحكةَ عمري... شهوةَ عمري... نزوةَ عمري... يتستّرُ داخلي حتمُ الفناء، لألهو بخدعة البقاء، زيفِ الوجود... بريقُ الثلج ومنذ ولادته الاولى كان قد ذابْ... يتخّفى داخلي حتمُ النهاية... البوار... الهلاك... ليوهمني بغدٍ لا ينقضي، وقد فنى قدري بغدٍ لا يكون، وأنَّى له أن يكونْ.
أيتها الحياة!
إيهٍ... إيه...
يُغريني منكِ ثغرٌ يخطُّ على جبيني حروفَ الوعدِ يَنسلُ وعْدَه بلا انقطاع، وسرُّ روحي تشيخُ آمالُه... تتشظى أمنياتُه... تتبدَّدُ أحلامُه... ولا أشعر... رثٌ يكون ولا أشعر، سِرُّ روحي تسنزفه رغبةٌ جامحةٌ يُلقيها الرَّبُ على دربي لأأَزلِ السماء، وما عشقي في سرِّه إلاَّ لأَزلِ الأرض، ولستُ أدري إنْ كان للسماء أزلٌ مرقومٌ على لوح الصدق بلا ريب المنون ؟ كلماتي تفتش عن معانٍ تكسبُها حقَّ البقاء، والمعاني تهرب بعيدا... بعيدا... وهي ملقاة ٌعلى الطريق بلا عناء!
أيَّتها الحياة!
إيهٍ
يُغريني منكِ ثغرٌ يخطُّ بلسانه المدفون في كهف الموت الكريه لحظةَ وداعي، يُغالبني بفنِّ الجسدِ الشهيِّ إنْ اتناسى المصيرَ المحتومْ، يُسلِّيني بلمسِ جسدٍ آخر، فأرتوي من شهوةٍ ساخنةٍ، تدفنُ حرارَتها في صقيع الحذر الأبدي في اللحظة الموعودة، رغما عن شبقٍ يحلمُ بالبقاء، لا ينفذ أبدا... زفيرُ الموتى يلحسُ عظامي بشراهة بلهاء، ليرتوي من سَكرَةِ الحياة، من نشوةِ الحياة، لا ليحيى من جديد، بل ليحفرَ في قاع الوجودِ الرَّث البليد أغنيةَ لحدٍ جديد، تتزاحمُ اللحود لتشهد على هشاشة هذا الوجود، على هشاشة كونٍ بعد فساد.
أيَّتها الحياة!
عرِّيني من جلدي قبل أن تسلبي منِّي شهوةَ الخلود، كي أبصق على ساعة المولد التعيس، عرِّيني من عظامي أيَّتها الحياة قبل أن تهزئي من إرادتي الورقية، لابصقَ على فجر يومْ، فجرُ يومٍ زفَّت به السماء ُدليلاً جديدا على جبروتها الاسفلتي الجاسي... عرِّيني أيَّتها الحياة من لحمي ودمي وشَعري قبل أن تكشفي عورتك، لعلِّي في لحظة يتيمة استعيد رشداً كان قد مات منذ تنفس في مهد الوجود...
لا تواسيني بتراب ٍمن جسد آخر، جرِّديني من كل شيء، وارتمي باحضاني الخاوية، علِّيْ افضحُ زيفكِ المزكوم بزفير موتى أمسنا ويومنا وغدنا...
أيَّتها الحياة...
إيهٍ...
ولكن بلا جدوى...
بلا جدوى...