اذكر انني كنت نحيلة القوام و كنت المح على الارض ظل فستاني يلوح يمنة و يسرة. وكانت يداي نحيلتان و اصابعي يدي رفيعة و ساعداي كعيدان القش كما و صفهما جارنا حين عاتب امي عندما راني اعجن العجين.
كنت اقيس كف يدي اليمنى على كف يد اخي الصغير، اذ كنت ارى يدي اكبر بالنسبة الى يده الصغيرة، مع ذلك كنت مازلت اراها صغيرة.
كبرت و اصبحت المح عيون شاب تلمع حين يراني و صرت اراه في ذهابه و ايابه من و الى بيته و تضج في صدري مشاعر لطيفة و يخفق قلبي و تتسارع دقاته حتى كنت اظن ان كل من حولي يسمعها. التقينا ذات مساء، مد يده مسلما، مددت يدي اليمنى ضغط عليها برفق اولا ثم بشدة و أبقاها في يده بعض الوقت، احسست ان يدي تنصهر في يده و عندما افترقت يدانا كانت يدي حارة و كان قلبي قد تلقى رسائل حب و شوق.
تلاقينا كثيرا بعد ذلك و كثيرا ما ابقى يدي اليمنى في يده و كثيرا ما شد عليها بمحبة و شوق كبير. ذات يوم اهداني خاتما البسني اياه برفق و محبة ووعد، في اصبع يديى اليمنى.
عندما وضع الطبيب طفلي لاول مرة في بين يدي، تأملته كم هو جميل و كم يشبه اباه. برفق و تأني مددت يدي اليمنى و تلمست وجهه و تفقدت اصابع يديه و اصابع رجليه و تلمست رأسه و ضممته الى صدري ثم رفعت يدي اليمنى قميصي و أخرجت ثديي و القمته فم طفلي الرضيع.
مذ ذاك الوقت اصبحت يدي اليمنى مشغولة جدا في شغل البيت و تربية الاولاد. نعم فكما تطعم الاطفال و تربت بحب و حنان على اولادي و كما تلامس و جه احبائي كذلك كانت ترفع اصبعها في و جههم عند الغضب او تضرب على القفا احيانا عندما يشاكسون. اكره ذلك لكنه حدث!
في احدى ايام الربيع المشمسة كنت اعمل داخل البيت، تفقدت احد اطفالي، لم اجده مع اخوته، ناديت عليه بصوت أعلى، لم اسمع صوته، خرجت من البيت اسأل عنه من التقيه في الطريق، احدهم دلنى على المكان الذي راه فيه حيث توجد بركة مياه كبيرة، رأيته من بعيد جالسا على حافة البركة، اي حركة مفاجأة قد توقعه في الماء وعندها تحصل الكارثة. مشيت على مهل حتى اقتربت منه بهدوء ورأيت يدي اليمنى تنقض عليه ممسكة به باحكام و تجره من مكانه و تضعه في حضني.
قصف بيتنا ذات اجتياح. حين عدنا الى البيت نظرت الى الركام و الزجاج المكسور و الابواب المخلعة و اطفالي حولي خائفين شددت يدي اليمنى على يد زوجي و بعزم امتدت يدانا و رفعت الركام و في المساء طبخت الطعام و اكلت العائلة، و بعدها امتدت يدي و فرشت للصغار و وضعتهم في اسرتهم و ربتت على كل واحد منهم و اخذ ولدي الصغير يدي اليمنى و ابقاها في يده ليستشعر الامان.
كانت يدي اليمنى تتحمس للعمل، فهي جاهزة حاضرة عندما اصحو في الصباح الباكر تغسل وجهي و تمشط شعري و تقوم بجميع الاعمال المنزلية و تأخذ بيد الاولاد الى المدرسة. و ان مرض احدهم تتحسس جبينه، تقيس حرارته وتعطيه الدواء. و تفتح الباب للاحبة و تسارع في احتضانهم و تكتب الرسائل للغائبين و تتبرع في قطع الحطب و اشعال النار، و نكش الحديقة و زرع الورود و ريها و قطف الثمار و الخضار و تعمل اشياء اخرى لا تعد و لا تحصى.
ذات يوم كنت اهتم بطفل مريض، فتحت الباب، رايته يبكي، جلست الى جانبه مسحت يدي اليمنى دموعه و نظفت انفه حدث ذلك بحب و أهتمام.
مؤخرا لاحظت ان يدي اليمنى أصبحت اكبر من يدي اليسرى و كذلك ساعدي الايمن اصبح اقوى و اثخن من ساعدي الايسر،و احس بانها قادرة و فاعلة و كذلك اصابعها التي بدورها بدأت تفقد بعض رشاقتها.
ذات مساء احسست بدوار شديد. نظرت حولي لم المح احد، ناديت، رد صوت ضعيف بعيد، ناديت ثانية، ردت اصوات من بعد نحن هنا نسمعك و تلاشت. مادت الارض بي. رأيت يدي اليمنى تشد طرف ثوبي و تربت علي و تحتضنني قائلة: لا تقلقي ها انا ذا! فأنا دائما يدك اليمنى
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات