بقلم أ. د. شموئيل سامي موريه

ترجمة: عمرو زكريا عبدالله- القاهرة

لا يتناول هذه المقال ضروب التسلية الشرقية المألوفة التي لا يكون الممثل عنصرًا متضمَّنًا فيها كالدمى المتحركة ومسرحيات خيال الظل. إنما يتناول هذا المقال المسرحياتِ التي يؤديها أشخاص تجري فيهم دماء الحياة وأشخاص يؤدون أفعالاً ويستخدمون الحوار ليمثلوا فعلا حقيقيًّا من الواقع أو متخيَّلا يعرض أمام جمهور لأغراض ترفيهية.
ذكرت المصادر الإسلامية هذه التمثيلات بإشارات عابرة لفهم المؤلفين معناها الذي تنوسير بمرور الحقب والعصور، ومن بين هذه المصادر كتاب المؤرح الفارسي علاء الدين ﭼويْني (ت. 1283) quot;جهان كشاquot; (فاتح العالم) The History of the World-Conqueror عن تاريخ فتوحات هولاكو، حيث يسجل فيه أن quot;جماعة من اللاعبين الممثلين قد جاؤوا من خطاي khitai ومثلوا مسرحيات خطائية عجيبة لم يرها شخصٌ ما من قبلquot;.
وفي الحديث عن الهنود ودراماتهم الهندية، فإن المصادر العربية كالبيروني (ت. 1048) في quot;تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولةquot;، وابن النديم (ت. 987) في quot;الفهرستquot;، قد استخدمت مصطلحي quot;تلاعبquot; acting وquot;لِعْبquot; فيما يخص الدرامات الهندية
ومن ناحية أخرى، فإن العلماء العرب الذين ترجموا ولخصوا كتاب quot;فن الشعرquot; Poetica لِـــ quot;أرسطوquot; Aristotle قد استخدموا مصطلحات متعددة شتى. فقد ترجم أبو بشر متى بن يونس مصطلح actor ndash; وهو باليونانية Hypocrite- بِـــ quot;المراؤون والمنافقونquot;، بينما قال ابن سينا (ت. 1037): quot;وقد يعملون عند إنشاء طراغوذيا باللحن أمورًا أخرى من الإشارات والأخذ بالوجوه تتم بها المحاكاةquot; بمعنى التمثيل الذي يقوم به الممثل بارتدائه الاقنعة.
وهنالك نص قانوني تشريعي يرجَّحُ أنه مترجَم عن السريانية إلى العربية في القرنِ الثالثَ عشرَ، وفي الوقت نفسه فإن النص السرياني ذاته هو ترجمة منقولة عن اليونانية عام 501 بعد الميلاد. ومن بين الأشخاص الذين يعددهم النص على أنهم محرومون من أن يكونوا ورثة هم: quot;من كان يصير نفسه شهره للناس ومن يخدم الحلبات ومواضع الصراع وكذلك المضحكين والزواني والراضة واللاطة ومن يقذف بالفجور من الرجال والنساء وما اشبه ذلك...quot; ويقصد المترجم بمن كان يصير نفسه شهرة للناس بالممثل الهزلي.
ومن ناحية أخرى، نجد في quot;كتاب الدياراتquot; لِـــ quot;الشابُشتيquot; (ص 39- 40) أنه يُستخدَم مصطلح quot;سماجةquot; للإشارة إلى الممثلين المضحكين الذين يرتدون الاقنعة الغريبة الشكل والمضحكة.
ليس من الواضح ما إذا كانت المصطلحات المستخدَمة من قِبَلِ الشُرَّاح العرب على كتاب أرسطو quot;فن الشعرquot; أو من قِبَلِ مترجمي هذا النص العربي المنقول عن السريانية، أقول إنه ليس من الواضح ما إذا كانوا يستخدمون مصطلحات مألوفة أو فنية تقنية كانت شائعة في زمانهم أو ما إذا كانت المصطلحات قد ابتُكِرَتْ على أيدي المترجم بغية الترجمة وبلا مرجعية أو إشارة محددة لفن معلوم. ومن ناحية أخرى، فإن المصطلح المستخدَم من قِبَلِ المؤرخين العرب أحيانًا ما يشير إلى فن محدد والأرجح أن يكون ذا معنى محدَّدٍ. هذا المصطلح هو الفعل quot;لَعِبَquot; acting وquot;لِعْب quot; play، وهو المصطلح ذاته الذي استخدمه رفاعة الطهطاوي في وصفه التفصيلي للمسرح الفرنسي بباريس في كتابه quot;تخليص الإبريز في تلخيص باريزquot;. ففي وصفه أماكنَ اللهو قال الطهطاوي: quot;فمن مجالس الملاهي عندهم محالٌّ تُسَمَّى التياتر (بكسر التاء المُشَدَّدَةِ وسكون التاء الثانية)، والسبكتاكلquot;. ورغم ذلك، فإن الطهطاوي لم يكن قادرًا على تقديمِ مصطلحٍ محددٍ موازٍ لمصطلحيْ Theatre و Spectacle، واقترح مصطلح quot;خياليquot; (محاكاة الخصائص الشخصية المضحكة(.
ومن ناحية أخرى، فإن مؤرخًا مصريًّا مبكرًا هو الجبرتي (ت. 1825) وصف افتتاح الكوميدي- فرانسيز Comeacute;die- Franccedil;aise يوم 29 من ديسمبر عام 1800.ولم يكن الجبرتي في حيرةٍ أو ترددٍ من أجل إيجاد مصطلحٍ عربيٍّ له ووظَّف نفس الفعل الذي استخدمه البَيْروني وابن النديم: quot;يَلْعَبquot; في قوله: quot;وفيه كمل المكان الذي أنشئوه بالأزبكية عند المكان المعروف بباب الهواء، وهو المُسَمَّى في لغتهم بالكُمْدِي، وهو عبارة عن محلٍّ يجتمعون فيه كلَّ عشر ليال ليلةً واحدة، يتفرَّجون به على مَلاعِيبَ يَلْعَبُـهَا جماعة منهم بقصد التسلِّي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل، وذلك بلغتهمquot;. الفجبرتي يستخدم مصطلح معروف هو ملاعيب بمعنى المثيليات ويلعب بمعنى يمثل.
ومن ثم، فإنه من الممكن أن نفترض من هذه الفقرة أن مصطلحي quot;ملاعيبquot; و quot;يلعبونquot; ينطبقان على المسرحية وفي هذه الحالة على الأداء المسرحي في quot;الكوميدي- فرانسيزquot;. ومن المهم أن نحاول تعقُّبَ استخدام هذين المصطلحين من قِبَلِ الجبرتي فيما يخص أنواعًا أخرى من التسلية واللهو في مصر، وأن ننظر ما إذا كانا يحملان أيَّ تشابه مع المسرحيات الأوروبية.
في هذه الحالة يمكن أن نكون متأكدين من أن الجبرتي يستخدم مصطلحًا معينًا فيما يتعلق بأنواع محددة من ارباب التسلية. وفي فقرة أخرى يصف الجبرتي مسجد عمرو بن العاص حوالي عام 1212هـ/ 1797م، حيث كتب يقول: quot;وكان فيما أدركنا الناس يُصَلُّون به آخر جمعة في رمضان... ويجتمع بصحنه أرباب الملاهي من الحواة والقرداتية وأهل الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازيquot;. ولأننا نعرف ولع الجبرتي بالترادف، فيمكننا أن نفهم بالضبط ماذا قصد بِـــ quot;أهل الملاعيبquot;، لأنه ذكر في فقرة أخرى نفس الأنواع من اللاهين بنفس الطريقة، ولكنه استخدم فيما يتعلق بمصطلح quot;أهل الملاعيبquot; مصطلحَ quot;المُحَبَّظُونquot;. وفضلا عن ذلك، ففي وصفه حفلَ زفاف إسماعيل باشا عام 1813 استخدم مصطلحا آخر مشتق من مصطلح quot;مُحَبَّظِينquot;، أعني quot;حَبَبْظِيَّةquot;، أيِ الذين يشاركون في موكب طويل من أفرادِ طوائفَ مختلفةٍ عارضين صناعاتهم ومهنهم على حافلات.
من الوصف المذكور آنفًا رأينا أن الجبرتي يستخدم المصطلحات التالية تعبيرًا عن ممثلي التمثيليات الهزلية: مُحَبَّظُون، حَبَبْظِيَّة، أرباب الملاعيب أو أهل الملاهي على نحو مترادف. إن السنة المبكرة التي يذكر فيها الجبرتي quot;أرباب الملاعيبquot; هي سنة 1108ه/ 1696م بمناسبة الختان، حيث يذكر فيها لاعبي خيال الظل أيضًا مع quot;أرباب الملاعيب والبهالوين والخيالquot;.
ومن حسن الحظ، فإن لدينا وصفا كاملاً للمحبظين (أو المُحَبَّظ) في كتاب إدوارد وليم لين E.W. Lane quot;عادات وتقاليد المصريين المحدَثينquot;. وفيه يعطينا quot;لينquot; وصفًا لوظيفة المُحَبَّظِين كلاعبين أي ممثلين، كما يعطينا ملخصًا عن مسرحياتهم التي عُرضتْ أمام محمد علي باشا (ط 1834)، بقوله: quot;quot;إن المصريين في الغالب يتسلَّوْنَ بممثلي الهزليات المنحطة والسخيفة والذين يُسَمَّوْنَ بِـ quot;المُحَبَّظِين quot;.
ويبدو أن هذا النوع من اللاعبين كان قد وُصِفَ من قِبَلِ ن. نيبور N. Niebuhr الذي شاهد تمثيلا لهؤلاء اللاعبين، وذلك في كتابه quot;أسفار عبر بلاد العرب وبلدان أخرى في الشرقquot; (كوبنهاجن،1774) في الفصل العاشر المعنون بِـ quot;عروض الشرق الشعبيةquot;. وحسب quot;نيبورquot; فإن هؤلاء اللاعبين quot;مثَّلوا مسرحياتهم أينما وُجِّهت لهم دعوة للقيام بذلك في مقابل أجرٍ معقولٍ. وكانوا يعرضون في الهواء الطلق. وكانت ساحة البيت هي مسرحهم. وكان ثَمَّ حجاب يسترهم عن النظارة كلما غيروا ملابسهمquot;.
كان ج. بلزوني G. Belzoni هو الرحالة الأوروبي الآخر الذي قصد عرضًا لنفس النوع من اللاعبين وكتب عنهم دون إشارة إليهم بأسمائهم العربية. ففي كتابه quot;سرد لعمليات واكتشافات حديثة في مصر والنوبةquot; (لندن، 1820) يصف بلزوني مسرحيتيْن قصدهما عام 1815 مُثِّلَتَا بعد الرقص في حفل زفافٍ.
كذلك وصف الرحالة الأوروبيون لمسرحيات التي شاهدوها خارج القاهرة وحتى على متن سفينة مثل س. د. وارنر C. D. Warner في كتابه quot; شتائي على النيلquot; (هارتفورد، 1904) حين شاهد تلك المسرحية في شتاء 1874- 1875.
اتفق كل الرحالة الأوروبيين الذين وصفوا هذه المسرحيات على أنه كان ثَمَّ تشابه بين هذه المسرحيات وبين المسرح الأوروبي واطلق جميع هؤلاء الرحالة مصطلح quot;الممثلينquot; للاعبين، وقد أكَّد بلزوني على هذا التشابه بقوله: quot;لما كان الرقص في نهايته، كان يُؤدَّى نوعٌ من المسرحيات كان الغرض منها عرض الحياة والعادات كما نفعل في المسرح عندناquot;. وكان لين Lane الوحيد الذي تكلمَ عن مستوياتهم الاخلاقية المنحطة. ومن ناحية أخرى يذكرهم الجبرتي بين الطوائف الدنيا الوضيعة دائمًا: quot;طائفة الخردة من الغياش والقرداتية وأرباب الملاعيبquot;.
يقارن علي مبارك (18231893-) في روايته علم الدين (الإسكندرية 1299هـ/ 1882م) بين المسرح الأوروبي والممثلين المصريين في عصره المعروفين بِـــ quot;أولاد رابيةquot;. وهناك تشابه كبير بين وصفي quot;مباركquot; وquot;لينquot; للإشارات غير المحتشمة واللغة السوقية والنكات البذيئة التي يستخدمها هؤلاء الممثلون.
وبعد صدور رواية quot;علم الدينquot; عام 1882 نجد أن المصادر لا تُوَظِّفُ مصطلحَ quot;المُحَبَّظِينquot;. وبدلاً من ذلك نجد أن مصطلح quot;ابن رابيةquot; يستخدم للتعريف بممثل الهزليات المصري الشهير quot;أحمد الفارquot; الذي ذُكِرَ في مقالة كورت بروفر (Cuuml;rt Pruuml;fer) quot;الدراماquot; الواردة في quot;دائرة معارف الدين والأخلاقquot; في بواكير سنيِّ القرن العشرين. إن وصفه لفرقة quot;أحمد الفارquot; ومستوى الهزليات والمناسبات التي أُدِّيَت فيها هو وصفٌ قريبُ الشبهِ بِـــ quot;أولاد رابيةquot; وquot;المحبظين quot;. وقد اظهر الباحثان يعقوب لاندو Landau) ) من الجامعة العبرية وفويديش Woidisch) ) في كتابيهما Arabisches Volkstheater in Kairo im Jahre 1909: Ahmad IlFar und seine Schwanke (المسرح الشعبي العربي في القاهرة عام 1909، أحمد الفار وفرقته) ان الممثل الشعبي أحمد الفار الملقب بـquot;ـابن رابيةquot; كان رئيس جوق من الممثلين يرتدي الملابس الشعبية ويقوم بتمثيلياتquot; كالتي كتب عنها السواح الاوروبيون، مما يظهر استمرار مسرح ابن رابية والمحبظين الى مطلع القرن العشرين حين انتصر المسرح بأساليبه الأوروبية على المسرح الشعبي العربي ودفعه الى اللجوء الى الريف المصري، الى ان تلاشى تدريجيا.
وبالمقارنة بين تمثيلات مسرحيات quot;خيال الظلquot; وquot;المحبظينquot; وquot;أولاد رابيةquot; يمكننا ملاحظة التشابه الكبير بين كل منها، فكلها كانت تُقَدَّمُ باللهجة المصرية ويعتمد العرض على تقليد الأجانب في رطانتهم عند التحدث بالعربية على نحو مُضحِكٍ، ومحاكاة الفأفاء الذي يتعلثُم في الكلام، والنكات البذيئة، وسوء الفهم، وتبادل الصفعات والضربات وهكذا دواليك من أجل إثارة الضحك. وفضلاً عن ذلك، فإن الممثلين في كل تلك المسرحيات المصرية الشعبية يُطلق عليهم مصطلح quot;لاعبينquot;، وتُسَمَّى خشبةُ المسرح quot;ملعبًاquot;، والمسرحية quot;لِـَعْبَةquot; وquot;فَصْلquot;.
ومع أخْذِ هذا العوامل بنظر الاعتبار بالإضافة إلى دلائلَ أخرى، فقد نخلص الآن إلى نتيجة أن مسرح quot;صنوعquot; كان على الأرجح النتاجَ الطبيعيَّ للمحبظين وأولاد رابية بصورة مُنقْحَةٍ ومُطَوَّرَةٍ عبر التأثُّر المباشر بالمسرح الأوروبي. وأخيرًا يمكننا أن نقول إنه كانت هناك في مصر مسرحياتٌ يقوم بتمثيلها ممثلون أحياء منذ نهاية القرن السابع عشر إن لم يكن قبله بقرون عديدة.
ونحن نرى إن الدين الاسلامي لم يقف حائلا دون ظهور فنون ترفيهية مختلفة في العالم الاسلامي، ففي حين أن التصوف كان محاولة للوصول الى الحلول والوجد للتسامي الروحي، وللهروب من مشاكل الحياة الدنيا، كان مسرح الشعبي المعروف بالخيال، اي التمثيل الحي وخيال الظل أي اللعب بالشخوص الجلدية على ستارة تنار بواسطة الشموع والذي جاء من الشرق الاقصى وانواع ترفيهية هزلية يقوم بتقديمها ممثلون محترفون اطلق عليهم اسماء مختلفة منهاquot; اللعابون والصفاعنة والسماجة ولاعبي الكرج والمحبظون واولاد رابية، وهي فنون شعبية تصور عبثية الحياة ونكسة من التسامي الروحي عند المتصوفة الى الاباحية الجنسية والغناء والرقص كمخرج شعبي من عبثية الحياة واليأس من امكان الروح حل مشاكل الحياة الدنيا.

هذه ترجمة لمقال الأستاذ الدكتور شموئيل موريه بعنوان:
Samuel Moreh: The Arabic Theatre in Egypt in the Eighteenth and Nineteenth Centuries
نشر ضمن كتاب: Eacute;tudes Arabes et Islamiques. II- Langue et Litteacute;rature, vol. 3, pp. 109- 113
وهو كتاب صادر عن دار نشر: Lrsquo;Asiathegrave;que, 6 rue Christine, Paris 1975
وقد نشر الاستاذ موريه دراسة موسعة عن التمثيل عند العرب في كتابه:

Live Theatre and Dramatic Literature in the Medieval Arab World, Edinburgh amp; New York, 1992.