بغداد...
بؤسُكِ من لحمِ ذاك الجحيمْ، يوردُ دمَكِ الشبقيَّ على مشرعة حبٍّ مُسجَّى، ينازعُ يأسَه على أعتابِ موتٍ مجهولِ الهوية، ينالُ حَظوة الإله الكسيح، سادراً بزَهُو الدثار من روحِكِ مُثخنةِ الجراحْ، روحُكِ مُمزَّقة ٌ بين (رصافةٍ) تلفظُ أنفاسَها، هياماً بموتٍ رحيم، و (كرخٍ) يتجرَّع كأس المَنون، عشقاً بموتٍ يجودُ نعمةَ خلاص، ما كانَ يوماً خلاصا.
بغداد...
لحمُ بؤسِكِ من ذاكَ الجحيم، يُسقَى عذارى العمر الجديد، يَكتبُ ملحمة الموت الأبدي على جبينِ أحفادٍ لم يُخلقوا بعد، يُروِّعُني ذاك الجحيمْ، يهزأُ بوعدي على شَطآن دجلة، يُمرِّغ دَمِي بعجينِ الموت، عفنُ الموت يرقصُ على جُثثنا، يَزهرُ بالسُّم الزُّعَاف، من دمنا يَزهرُ بالسُّم الزُّعَاف، من فتات جثتك المهيبة يَزهرُ بالسُّم الزُّعاف، علامةُ نصرٍ أبديةٍ على بوار هذا الوجود الغبي.
بغداد...
يا فَخْذَ المرايا تُطلى بزفيرِ الموت، تعصُفُ بريحها المأزومْ أُمنياتُ الموت قهراً، أفخاذُ مراياك صدئِةٌ بِمَنِّي الزُنَّاة، يَفدون على سريرك الازرق بلا ثوبِ حياء، تجودينَ بروحِكِ منهكةَ اللَّهاث، ذاك على طاولة الحقد الدفين، مهتوكةَ السرِّ والسريرة، مشغولةً بستر جسدك العاري بثوبٍ مستعارْ، مستعارٌ من شبق إلههم القَوَّاد، رخصةً معدودة اللحظات، لتنثال بعدُ رماحُ الغدر، تمزِّق يا بغدادُ فَخذَ مراياكِ طوالَ ليلٍ يعوي في ضمير الرب البعيد، ولا جواب !
بغداد...
حبيبتي ماالذيْ دهاك؟
وما الذيْ دهانيْ أنْ أرى دَمك ِزهرةَ عمري بعد فناء؟
يا عذراءَ الرَّب فيْ سمائِه، ما الذي دهاكِ تُصرعينَ على موائدَ خمرٍ مصنوعٍ من دموعِك الغاليات، ما الذيْ دهاكِ ترقصينَ على جراحِك،مُشرعَة َالجسدَ المباح، والرماحُ يا بغدادُ تستقرُ في منبتِ عفَّتك الزلال، ما الذي دهاكِ تَسقينَ بطونَهم خَمرَ شهقتك منزوعةِ الدلال، أما تعلمينَ أنَّ محمداً يصرخُ من قبره...
لا...
لا...
بغداد...
مزِّقي بأنيابك ـ ولم تكن لك أنياب ــ مزِّقي جِلدي... جَسديْ... أُطْعِمُكِ منه ذكرياتِ ماضٍ تليد... مات الكاظمُ والرشيدْ... مزِّقي روحي بأنيابك ـ ولم تكن لك أنياب ـ أُسقيك من رحيقكِ مخزوناً في شراييني، يومَ كنتُ أُمازحُ خمرةَ الفقراءْ على رصيفِ العطشِ الجميل... مَزِّقيني... سيدتي لا ترحميني... مَزِّقيني شضايا يَصرُخْنَ أنْ لا مكّةَ ولا قدسَ بعدكِ يا بغداد...
بغداد...
أمَا ترحمي دموعيَ الساكباتْ؟
امَا تستفزُ نسائمَ جسدِك الجميل دموع ُفرحٍ، تاريخُها من تاريخ مجدِك التليد؟
تَعاليْ أَحتضنُك لاشُمَّ عبيرَ يومِك المُدمّى، مُقطّعِ الاوصال، مشتت الذكريات، يتناثرُ على عددِ النجومْ، فيوُمك يا بغدادُ ألفَ سنةٍ ممَّا يَعدُّون !
تَعاليْ أُقَبِلُّ شَفَتيكِ الذابلتينْ، عَلِّيْ أعتصرُ ما تبقَّى من روحي في الشفتين الذاهلتين، وأنا أعلمُ يا بغداد ُ، وانتِ تَعلمينَ قبْليْ، أنَّ ماءَ شَفّتَيْ زُورٌ... بُهتانٌ... كِذبةٌ بحجم الكون...خُدعةٌ مُحلاّةٌ بذكريات أبي نؤاس، فاختلط حقٌ وباطلٌ بلغة الدين، ولكنِّي أريدُ لبغدادَ أن تبقى في ضمير الزمن، وإنْ كان بقاءً يُعالجُ موتَه بسكراتٍ لا تنتهي يا بغداد...
أحقا؟
أمْ أنّي أُريدُ لك أنْ تتعذبي لأَشفيَ غليليْ من مُعذبيك؟
بغداد...
أَرحميني...
آه...
دمُكِ الفَّوار يشتعلُ في دميْ، تصطكُّ عظامي برداً منْ نارِ هجرِك، عفوا، منْ نار جُثتك محروقةً على دروب المسيح، كان مجنوناً بالحب فماتَ صليبا...
بغداد...
القَوادُونَ القادِمونَ من قاع شرِّهم يتقاتلون على الجسد العذري، لا يحْلمونَ بوصال، لا أبدا، يَحلمونَ أنْ يُثقِّبُوا الجَّسد اللاهوتيّ بمساميرَ الحقد الدفين، فهؤلاءِ يتهيَّبون سيدتي زلالَ جَسدك اللاهوتيّ، المشبِّعِ بصلاةِ الشهوة منتعشةً بدعاءِ سَحَرِ الشَّبق المهتاج بالحكمة البايلية.

بغداد...
لا تكفكفيْ دموعيْ، لا أملكُ غيرَها، هي ذخيرتي لكِ، بعد َ أنْ ذبحوا الوعيَ فيكِ ما عُدتُ أملكُ دنيا تنقذني... تفهمُني... ماتَ الغناءُ في حُنجرتي،وأنا ذاكَ الوحيد، الذيْ استضافهُ الاله مُغنيِّاً في حضرة ذاته وهو يَحُنُّ لذاته وحدها...
بغداد...
ذكرياتٌ جميلاتٌ تمحوها ـ قهراًــ ذكرياتْ ,,,
وهل بعد ذلك إلاّ الممات؟
لا...
لا...
وهل بعد ذلك إلاّ الفراغ؟
وما بعد الفراغ فراغ يا بغداد..
أيُّها الرب !
بغدادُ... علمُ كلامها أنقذَ ذاتَك من عَطبِ الوهمِ والضَياعْ... كِنديُّ فلسفتها استرابَ فاستتابْ... شارعُ فقههِا غاصَ في ضميركَ فاحيى رحمتَك مِنَ الدثار... حلاَّجُ تصوفها غرزَ حبَّكَ في مكنون الخفاء... شاعرُ أدبها ضرَّج الفكرَ بجميلِ الكلامْ...
إيهٍ بغداد...
و... كفى...