ظاهرة النزعة إلى (الأقلمة) في العراق ليست جديدة منذ أن سقط نظام صدام حسين، بل هي في بعض مفرداتها ـ كردستان ــ أمر واقع حتى قبيل سقوط هذا النظام الذي جلب البلاء على العراق والعرب، وقد زاد من حدتها وتسارع وتيرتها مشروع بايدن السيء الصيت، القاضي بتقسيم العراق أو إرساء نظام الفيدراليات الثلاث، وكانت هناك أصوات (بصرية) قبل مشروع بايدن وبعده تطالب بفيدرالية (بصرية) معللة ذلك بكونها المحافظة النفطية الاولى في العراق، والمتضررة الاكثر من غيرها من نظام صدام حسين، ولانها تعيش على هامش الاهمال رغم كل ذلك... واليوم يُطرح مشروع (الأقلمة) هذا في (ديالى) وقد خضع المشروع بين أبناء المحافظة لنقاشات وسجال ليس فكريا ودستوريا وحسب، بل سجال العنف والاتهامات والتهديدات بين أبناء هذه المحافظة التي كانت حقا برتقالية بمعنى الكلمة، وبين كل هذه الدعوات ظهرت دعوة إقليم (الانبار)، والاسباب كانت جاهزة، وفيما ينحاز بعضهم بشدة لمشروع (أقلمة) الأنبار، هناك من يعارضه بشدة أيضا...
السؤال الذي يطرحه مراقبون عن سر هذه النزعة، سواء نجحت في الاخيرأم لم تنجح ؟
يرى مراقبون أن السر الأول هو الدستور، فالدستور يجيز لكل ثلاث محافظات أن تعلن عن فيدراليتها وفق شروط معينة طرحها الدستور العراقي، آخرون يرون أن وراء هذه المطالب دول أقليمية مجاورة، بهدف تحويل المساحة المجاورة لها إلى مناطق حيوية فعلا، فإن الاقاليم التي تجاور تلك الدولة كثيرا ما تتجانس معها بالمذهبية والعادات والتقاليد والعلاقات المتداخلة، وربما هناك نية مبيتة من هذه ا لدولة الجارة أو تلك لتفتيت العراق، لاغراض كثيرة، منها اقتصادية ومنها سياسية، والقائمة تطول في هذا المجال، وهناك من يرى أن السبب القوي والموضعي وراء نزعة الا قلمة هو ضعف الدولة المركزية، بغداد لا تحكم العراق في تصور بعض المهتمين بالشان العراقي، فالموصل تتصرف وكأنها أقليم، ديالى ما زالت مسرحا للعمليات الارهابية، وهي منطقة ساخنة بالمفاجآت، كركوك ما زالت معلقة بالهواء بين العرب والكرد والتركمان، ومفردات هذه المفارقة كثيرة في العراق ومن الصعب إنكارها، هناك من يوعز أصل المشروع إلى طمع شخوص وعشائر ومؤسسات، فيما يرى مراقبون إن الفوضى الضاربة في العراق، والخوف من مفارقات المستقبل المنظورهي التي تحدو البعض من السيا سيين العراقيين ومعهم جمهورهم الكبير لطرح مشروع الأقلمة...
الجدال محتدم حول هوية هذه الأقلمة كما تطرح هنا وهناك، فمن الأطاريح أن تكون على شكل أقاليم ثلاثة، شيعية سنية كردية، ومنها منْ يختزل التركيبة إلى عربية كردية، ومنها من يطرح فكرة الاقاليم الاقتصادية، وآخرون يطرحون مشروع الاقاليم الادارية...
ماذا يعني كل هذا ؟
النزعة الاقليميية موجودة فعلا، ولها أنصارها ومعضِّداتها فعلا، وربما تساهم في حل بعض المشاكل فعلا.... ولكن هناك مشاكل صميمية تخص هذه (الاقلمة)، ومن أبرزها هوية (الاقلمة) التي تتراوح بين المذهبية والاقليمية والاقتصادية والجغرافية، على خلاف معقد في تفصيل مفهوم كل مفردة من هذه المفردات، سواء على صعيد المفهوم ذاته أو كيفية تطبيقه وتنفيذه، ومن المشاكل الصميمية أيضا التي تواجه الاقلمة هو العلاقة بالمركز، والاتجاه السائد أن تكون للاقاليم صلاحيات واسعة بحيث تشكل علاقة كونفدرالية وليس فيدرالية، وكثير من العراقيين يرون إن مثل هذه العلاقة متحققة فعلا بين كردستان العراق وبغداد، فما الذي يمنع من تكرارها مع غيرها من الأقاليم المقترحة، وبالتالي، ما الذي سيقى للمركز، وما هي قيمة العراق كدولة وهو يتاخم دولا قوية مستقرة نسبيا ؟
المشكلة أكبر من هذا السؤال، وأعقد من تصور أو تصورين، ولكن تتطلب بداية أن يتفاهم صناع القرار السياسي على معالجة القضية بروح علمية ووطنية، تأخذ بنظر الاعتبار الحفاظ على العراق دولة موحدة قوية حتى وإن تحول إلى أقاليم...
صناع القرار السياسي العراقي في ظل الوضع الحالي هل هم على مستوى هذه المسؤولية؟
المراقبون يشكون بذلك.
- آخر تحديث :
التعليقات