عدنان سليم أبو هليل

المتوقع أن الطائفية إذا ما استشرت فسيكون الناتج الأولي لها تفكيك الأمة والغرق فيما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة ndash; رايس ndash; الفوضى الخلاقة.. أي التي تستجلب الحل الأمريكي والصهيوني (مثال على ذلك: ما يفعله المالكي في العراق ضد الهاشمي والسنة يجعل الكثيرين يفكرون بأن تدخلا أمريكيا بينهما يمكن أن يحل الإشكال ويحقن الدماء) وعلى هذا النسق يمكن فهم الارتباط الآثم بين كلام رايس ndash; السابق ndash; وكلام المفكر الصهيوني برنارد لويس (مستشار البيت الأبيض الأمريكي لأكثر من رئاسة والذي يتتلمذ على فكره كثير من صناع القرار في الغرب) حيث قال quot; من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا.. ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية.. quot;.وأقول:
إن للإسلاميين في مواجهة هذه الطائفية خصوصية ولتلك الخصوصية أسباب أرى أهمها ؛ أنهم الكاسب الأكبر من الثورات، وسيكونون الخاسر الأكبر من الطائفية إذا ما انطلقت وأخذت في طريقها منجزات الثورة وبعثرت أولوياتها.. وأنهم إذا ما فشلوا في تطبيع وجودهم وشرعيتهم فلن تبقى الاتهامات السوداء التي أشيعت عليهم طيلة العقود الماضية مجرد إشاعات بلا دليل ولا واقعا عمليا ولكن سيكون لها وللسلسلة البليدة الجامدة الصفراء التي وظفت ضدهم منطق ومتقبل وشواهد.. وأذكّر هنا بضرورات ndash; أراها - لزومية لابد من استلهامها في سبيل النجاة من الفشل ابتداء ولتحقيق الالتزام في أعلى صوره انتهاء..
أولا: على الإسلاميين إقناع الناس بالشريعة وصلاحيتها وقابليتها للتأقلم مع كل زمان ومكان، ولا سبيل لذلك إلا بالتزام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت كل حياته تحديات وأحكام طوارئ استطاع إيجاد وصنع قاعدة الالتقاء السياسي مع الآخرين من منافقين ويهود ونصارى واستطاع أن يقيم علاقات الحرب والسلم مع الكيانات من فارس والروم البعيدتين إلى مكة وقبائل مزينة وأشجع وأسلم من حواليه.. وكل ذلك دون أن يتهم بالتهور ولا الطائفية ودون أن يتنازل عن المبادئ.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة في العمل السياسي كما في العبادي والعلائقي وليس لأحد أن يدعي أنه أشد منه التزاما أو أكثر منه تعبيرا عن شكل الإسلام ومضمونه.. ولابد من التنبه إلى أن الالتزام يتجاوز الشكل إلى المضمون وأن الثبات على الشكل دون المضمون هو تشويه للسنة وتعطيل لمقاصدها.. مثال على ذلك الذين حددوا الثلاث عشرة سنة لإحداث التغيير الأكبر في الحالة السياسية متوهمين أن التوقيت بالنسبة له صلى الله عليه وسلم في هذه لم تكن أكثر من أخذ بالأسباب انتهى لهذه النتيجة في هذه الفترة.. وكان ممكنا - ولأي سبب طارئ ndash; أن تتأجل النتيجة سنة أخرى أو سنوات..
ثانيا: من الغرور المذموم أن يظن الإسلاميون أن نتائج الانتخابات التي فوزتهم وصدرتهم ستكون ضمانة لهم إذا ما انطلق شيطان الطائفية من قمقمه.. وعليهم أن يكونوا على ذكاء وفطنة ndash; لا مجرد معرفة وعلم ndash; في التفريق بين أصول يلتزمونها وفروع يجتهدون فيها، وفي التمييز بين عظائم يثبتون عليها وصغائر لا يتشنجون عندها.. وعليهم أن يقدموا النموذج الواعي في العمل الرسمي الذي يتفاعل مع طموحات شعوبهم وحاجاتها بل ورغباتها بقدر ما يستجيب لخصوصيات اتجاههم وفكرهم.. وعليهم أن يفرقوا بين ما يلتزمون به في ذات أنفسهم وأحزابهم وبين ما يطالبون به أمتهم وكل إنسان على نفسه بصيرة.. وعليهم أن يحسنوا التعامل مع الرخص كما يجتهدون في التزام العزائم..
ثالثا: وعليهم أن يعلموا أنّ الكثيرين وحتى من الوطنيين المحترمين يرونهم شيئا واحدا دون فرق بين إخواني وسلفي وصوفي وأزهري.. هذا الخلط ربما يكون بريئا عن جهالة أو متعمدا عن وعي ndash; وربما عن نكايات سياسية ndash; ذلك يقتضي من كل الإسلاميين على اختلاف عناوينهم أن يقووا أواصر التفاهم والتنسيق فيما بينهم.. على السلفي الذي كان يعتبر الخروج على الساقط حسني مبارك محرما وخروجا على ولي الأمر ألا يتحمس كثيرا لنقد الإخوان فيما هو يعلم أنه فوق طاقتهم.. وعليه ألا يخرج على إخوانه في الثورة لخلاف على جزئية أو تعبير أو مصطلح، وكذا على الإخواني الذي كان يرفض الاستبداد وتذوق لعشرات السنين مرارة العزل والغشم والظلم والاستصغار على يد الطاغية عليهم ألا ينفردوا بأكثريته في القرارات المصيرية أو يذيقوا غيرهم مرارة الاستصغار.. وإذا كان على الإسلاميين امتلاك القدرة على فهم الآخر فإن أول ذلك أن يفهموا بعضهم وألا يكونوا جزءا من ثقافة المطلق الذي ابتليت به منطقتنا في كل شيء فنحن إذا نمنا ننام حتى الشخير وإن استخذينا للحاكم فإلى درجة التأليه وإذا أحببنا فإلى درجة الهيام والغرام، وإذا كرهنا فإلى التكفير والإبادة، وإذا اختلفنا فإلى الاستئصال والإلغاء.. دون أن يكون لدينا هامش الإعذار ولا احتمالية التغيير..
رابعا: لا يجوز أن ينظر الإسلاميون إلى أنفسهم ولا أن ينظر إليهم غيرهم على أنهم يمثلون مراد الله تعالى - فالله أعلم بمراده ndash; ولا على أنهم على الحق المقدس الذي لا ينتقد ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ فهم بشر يصيبون ويخطئون وليسوا معصومين من خطأ ولا هوى نفس، وهم إنما يمثلون فهمهم البشري للإسلام واجتهادهم هم في تطبيقه.. هذا المنطق ينتظم كل المسائل الخلافية وما أكثرها في السياسة فهما وعملا والفرق كبير بين أن يكون من يعترض عليهم معترضا على مراد الله تعالى مع ما في ذلك من تجهم الكفر، وأن يكون - بالمنطق الآخر ndash; مجرد معترض على اجتهادهم ومخالفا لهم.. هذه القضية مهمة ومن يرصد مقولات المشككين والمسيئين الظنون بالإسلاميين يجدهم يركزون على هذه القضية ويجدها مدار شبهاتهم واعتراضاتهم.
خامسا: وعلى الإسلاميين أن يوسعوا دائرة فهمهم للواقع وأن يعمقوا فهمهم لشركائهم في الساحات ولإخوانهم في الوطنية (من موافقين ومخالفين مسلمين وغير مسلمين) فلا ينظروا لهم من زاوية المغالبة فقط، ولا على أنهم كتلة واحدة يأخذون المحسن منها بالمسيء، ولا من خلال سابق العلاقة السلبية معهم فقد تغيرت ظروف وقناعات ونفوس وولاءات.. وعليهم ألا يفكروا بعقلية الانتقام والثأر الذي يوحي بالشخصنة والندية، وعليهم أن يجدوا ويوجدوا الجامع المشترك مع الآخرين وبالذات مع مخالفيهم (داخل البيت الإسلامي) فثمة ما يمكن الاتفاق والبناء عليه، وثمة ما يختلف عليه ويمكن ترحيله، وثمة ما يختلف عليه ويمكن التنازل عنه، وثمة ما يختلف عليه ويبقى الخلاف فيه على قاعدة التسامح والموضوعية والتفهم والتقاسم والإعذار والتراضي.. حتى الأمور التي هي من الثوابت quot; الأوابد quot; التي لابد من حسمها ووضعها تحت الخطوط الحمراء فينبغي أولا: الموضوعية في تحديدها وتوصيفها، وثانيا: العقلانية والمنطقية في تقدير وزنها النسبي وعلاقتها بما حولها، وثالثا: المنهجية في اختيار أسلوب وتوقيت علاجها.. ورابعا: ضرورة جمع الرأي العام وأدوات التأثير في مواجهتها..
آخر القول: إن على الإسلاميين أن يكونوا حساسين تجاهها وتجاه كل دعوى تحت هذا عنوانها، وعليهم تحديدا ألا يستقووا بالدين على أحد وألا يستحضروا الخطاب الديني بمناسبة وبدون مناسبة منعا للجوء الآخر - الديني والمذهبي ndash; لمثل ذلك الاستقواء والاستحضار.. فالطائفية هي الوجه الآخر للاستعمار وهي السبيل الأقرب إلى التدخل الأجنبي