سقوط النظام السوري بدأ يقلق (في العمق) الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل معا، الولايات المتحدة التي أعلنت موقفها مبكرا من نظام quot; بشار الأسد quot; الدموي ndash; علي العكس تماما من تأرجحها إزاء نظام مبارك أو زين العابدين - تخشي اليوم من حليفتها quot; تركيا quot; التي تحاول استعادة نفوذها المفقود في سوريا.
فقد كانت سوريا في البداية جزءا من الأمبراطورية العثمانية، واليوم بدأت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان، تتحول إلى دولة عظمى خاصة تراودها أحلام الخلافة الإسلامية مع صعود الإسلاميين في كل من تونس وليبيا ومصر، وقد تستعيد بالتدريج أمجاد الامبراطورية العثمانية.
وبعد أن كانت على علاقة قوية مع النظام السوري، حيث أمسك quot; أردوغان quot; بواحد من أشد الملفات تعقيدا في الشرق الأوسط وهو ملف السلام السوري ndash; الإسرائيلي ولعب دور الوسيط بإقتدار، لم يتردد لحظة في الانقلاب علي نظام الأسد، حيث تحولت أنقره في لمح البصرمن صديقة لبشار إلى أكثر وأشد الأطراف الدولية نقدا له ولنظامه، بل وراحت تحتضن المعارضين السوريين على أراضيها.
أما روسيا فهي أيضا تتوقع الصدام مع طموحات تركيا في سوريا بعد سقوط الأسد، لأن سواحل البحر الأسود الروسية ابتداء من مدينتي quot;سوتشيquot; و quot;عناباquot; وما بعدهما، كانت في الماضي تحت السيادة التركية، ولن تنسي تركيا ذلك أبدا. تركيا اليوم تملك ثاني أكبر جيش في منظمة حلف شمال الأطلنطي quot; الناتو quot;، وأهم قاعدة عسكرية في البحر المتوسط لعمليات الولايات المتحدة في أفغانستان، فضلا عن حدودها الممتدة مع إيران وسوريا والعراق.
القلق الروسي ترجم إلي إرسال عدد من السفن الحربية إلى الشواطئ السورية، ليس لاعتراض السفن التي تقوم بتهريب أسلحة إلى الثوار المعارضين لنظام الأسد، كما هو معلن في وسائل مصافي وسائل الإعلام، وإنما لمنع أي عمل عسكري آخر للناتو يهدف للإطاحة بنظام الأسد، والأهم من ذلك: الاعتراض علي إقامة الولايات المتحدة والناتو quot; درع دفاع صاروخي quot; في جنوب أوروبا، وحسب الجنرال quot; نيقولاي ماكاروف quot;، رئيس الأركان العامة في القوات المسلحة الروسية، فإن: quot; توسيع أعمال الناتو باتجاه الشرق يهدد بنشوب quot; صراعات إقليمية قد تتطور إلى حرب شاملة تُستخدم فيها أسلحة نووية quot;.
نشر تركيا صواريخ هوك التي تعتبر بمثابة المظلة الواقية لحماية منطقة الشرق الأوسط بالقرب من قرية قلعة التابعة لمدينة هطاى الحدودية مع سوريا، تسبب في أزمة من نوع آخر مع إسرائيل. رغم أن هذه الخطوة جاءت ردا - حسب صحيفة quot; ميلليت quot; التركية - على نشر سوريا بطاريات صواريخ سكود الروسية الصنع فى quot; قامشلى وعين دورquot; وهى مناطق حدودية مع تركيا.
سقوط نظام الأسد يمكن أن يشكل تطورا إيجابيا (فقط) بالنسبة لإسرائيل، إذا أدى ذلك إلى قطع علاقات سوريا مع كل من إيران وحزب الله وحركة حماس. فقد حافظ الأسد (الأب والإبن) علي موقفه المعادي في الظاهر لإسرائيل في نفس الوقت الذي ضمن للإسرائيليين quot; هدوء الحدود quot; لسنوات طويلة ! وهو ما كان المطلوب إثباته بالنسبة لإسرائيل وأمريكا.
بيد أن المخاوف من سقوط النظام السوري وآلية هذا السقوط وكيفية تنفيذها تتخذ أبعادا متناقضة اليوم رغم الاتفاق علي الهدف. بالنسبة لإسرائيل تتمثل هذه المخاوف في وقوع الأسلحة التي يمتلكها، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات في أيدي حزب الله وغيره من المنظمات الإسلامية الراديكالية، وهو ما يجعلها تلح علي ضرب إيران أولا، بينما تمثل الإطاحة بنظام الاسد أولا - الحليف القوي لنظام الملالي - قبل ضرب إيران، أمرا في غاية الأهمية بالنسبة لدول الخليج العربي.
الأهم من ذلك، أن التركيز علي ما يجري داخل سوريا أو في محيطها الإقليمي، صرف الأنظار بعيدا عن صراع (آخر) حقيقي بدأ يلوح في الأفق وله تبعات مأساوية علي العالم كله وليس فقط علي quot; أهلنا في سوريا quot; أو حتي منطقة الشرق الأوسط، حيث تنخذ العلاقات بين القوى العظمى في العالم ndash; مطلع العام الجديد 2012 - (الولايات المتحدة وروسيا والصين)، منعطفاً خطيراً نحو الأسوأ.
وبعد أن أستخدمت روسيا والصين حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن في فرض عقوبات على سوريا بسبب قمعها للمتظاهرين والثوار العزل، تعمقت الصراعات فجأة وبسرعة أزيد من اللازم، وكأننا على حافة حرب باردة جديدة، أو بالأحري، حرب quot; عسكرية quot; بين القوي العظمي.
وللحديث بقية....

[email protected]