ماذا يريد المجلس العسكري الحاكم من مصر؟.. لماذا أضاع من عمر ثورة 25 يناير 2011 عاما كاملا؟.. لماذا يختار دائما لقيادة مصر شخصيات مدنية ضعيفة وفاشلة وتابعة؟.. لماذا ترك البلاد تسقط في براثن الفوضي وهو يملك العتاد والسلاح والسلطة؟.. لماذا يستخف بعقولنا ويلوح دائما بوجود مؤامرة خارجية وداخلية لحرق البلد؟.. لماذا يشوه أطهر ما أنجبت مصر من خيرة شبابها: يقتلهم أو يفقأ عيونهم أو يسحلهم أو يعري أجسادهم؟.. لماذا يتحالف مع قوي الظلام والتخلف ويلتف علي مطالب الثوار ويتهرب من أهداف الثورة واستحقاقاتها؟
الإجابة ببساطة، لأنه يريد تفريغ الثورة من مضمونها وأهدافها، ويحصرها أو يحاصرها في كونها مجرد حركة إصلاحية، لذا تراه يشيطن الثوار بإتهامهم بالبلطجة والإرهاب والعمالة والخيانة، وهو ما يؤكد علي أنه لن يعترف بثورة 25 يناير إطلاقا.. لأن معني هذا الاعتراف هو: نهاية ستين عاما من حكم العسكر 1952 - 2012، تم فيها quot;تجريفquot; مصر سياسيا وإفراغها من الحياة الحزبية والنيابية الفاعلة بفعل الدكتاتوريات (العسكرية) المتعاقبة، وهو ما جعل (الإسلام السياسي) يقطف في نهاية المطاف ثمار الثورة التي لم يشارك فيها في البداية، نتيجة لهذا الفراغ السياسي وتحالفه مع العسكر.
المفارقة هي أنه قبل ستين عاما قال الملك فاروق الأول (الذي أسقطه العسكر) وهو في عرض البحر المتوسط تاركا عرش مصر: quot;ان نقطة دم مصرية أثمن عندي من كل عروش الدنيا، والرحيل فورا أهون علي قلبي من سفك دماء مصرية حفاظا علي منصبquot;، بينما يشاهد العالم اليوم المجلس العسكري الحاكم وهو يسفك دماء المصريين الطاهرة بالرصاص والدهس بالمدرعات في ماسبيرو وميدان التحرير وشارع محمد محمود والقصر العيني ومجلس الوزراء، وينتهك أعراض النساء ويختبر quot;عذريتهمquot; ويبول جنوده علي المتظاهرين ويعتقل منهم عشرات الآلاف ويحاكمهم عسكريا وهي quot;وصمة عارquot; ستلاحق الجيش وسمعته إلي الأبد، في نفس الوقت الذي سيذكر فيه التاريخ quot;وطنية الملك فاروقquot;!
أخطر ما في المشهد هو: تحول المجند المصري quot; الفلاح quot; الذي يعرف العيب ويقدس الحرمات، إلي كائن وحشي منزوع الإنسانية والرجولة والكرامة؟ كيف تمت عملية غسيل دماغه وتحويل عقله من فكرة العدو الخارجي علي الحدود إلي العدو الداخلي في الوطن؟ كيف حمل بكل هذا quot; الغل quot; وquot; الغدر quot; وquot; القتل quot; لأهله وناسه دون أن يرف له جفن أو يشعر بوخز الضمير؟
الأكاذيب التي يطلقها المجلس العسكري الحاكم مع كل كارثة يرتكبها في quot;حق الوطنquot;، لا تخرج عن فكرة quot;المؤامرةquot; والتدخل الخارجي والمخطط الأجنبي وفرض الوصاية علي البلاد؟.. أليست هذه الأكاذيب quot;إدانةquot; للمجلس العسكري نفسه ولأجهزة مخابراته لا لأية جهة أخري سواء داخلية أو خارجية؟.. ثم، لماذا لم يكشف لنا المجلس الحاكم عن تفاصيل أية مؤامرة من هذه المؤامرات وشخوصها وأطرافها طيلة العام؟.. ولماذا لم يقدم أيا من أفراد هذه الشبكات التي يدعي معرفته بها إلي العدالة ويفضحها أمام وسائل الإعلام العالمية؟
لقد ثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن المجلس العسكري يتبني الفكر التآمري quot; للإخوان المسلمين، وquot;الاستهدافquot; من الخارج دائما، لدرجة أنه أصبح غير قادر علي التمييز بين من له مصلحه في حرق quot;مكتبة الجامعة الأمريكيةquot; ثم quot;المجمع العلميquot; الذي أنشأه نابليون بونابرت عام 1798 مدشنا quot;علم المصرياتquot;، ومنع عربات الإطفاء من الوصول للمبني حتي يدمر بالكامل، وبين من يدعي المجلس أنه يخطط لحرق مصر في الذكري الأولي لثورة 25 يناير 2012؟
أهم دلالة في الأحداث الكارثية التي حفل بها الأسبوع الماضي، هو أن النموذج الباكستاني قادم لا محالة وأن أفكار quot;أبو الأعلي المودوديquot; هي التي تحكم مصر الآن، فالسفيرة الأمريكية السابقة في الباكستان quot;آن باترسونquot; هي السفيرة الأمريكية في مصر الآن، والملحق العسكري المصري السابق في الباكستان هو المشير محمد حسين طنطاوي الحاكم العسكري الآن، وهو من أشد المعجبين بالوشائج التي تربط الإسلاميين بالعسكر في الباكستان، ويسعي جاهدا لنقل هذا النموذج إلي مصر الذي يري في الآثار المصرية العظيمة مجرد quot; أصنام quot;، وفي التراث العلمي والفلسفي زندقة وإلحاد يستوجب quot;الحرقquot;، من quot;مكتبة الإسكندرية القديمةquot; إلي كتب quot;إبن رشدquot; ومن quot;مكتبة الجامعة الأمريكيةquot; إلي quot;المجمع العلميquot;، أما المرأة فهي ناقصة عقل ودين.. مخلوق من ضلع أعوج تستوجب السحل والتعذيب والتعري.
[email protected]