أخطر وسائل القهر المأساوية التى تمارس ضد الثورات في العالم العربي، لا تحارب بالأسلحة المحرمة دوليا فى الشرق الأوسط أو من خلال الدكتاتوريين العرب أمثال : quot; مبارك quot; وquot; القذافى quot; وquot; بن على quot; وquot; صالح quot; وquot; الأسد quot;، وإنما (تلك) التي يقودها بإقتدار اللوبى الإسلامى في الولايات المتحدة، أو بالأحرى quot; اللوبيات الإسلامية quot; الأكثر قوة ونفوذا فى واشنطن.
السؤال الذي يشغلنا كليبراليين في منطقة الشرق الأوسط منذ يناير عام 2011، هو : لماذا (لا يدعم) الغرب بوجه عام والولايات المتحدة بصفة خاصة، أهداف ثوراتنا وطموحات مجتمعاتنا المدنية؟.. لماذا لا يقف الغرب بقوة خلف الديمقراطيين العلمانيين في المنطقة؟.. لماذا تصر الإدارة السياسة في quot; بروكسل quot; و quot; واشنطن quot; علي (الدخول في شراكة) مع الإسلاميين في الشرق الأوسط، وليس مع حلفائها الطبيعيين من أجل تعزيز الديمقراطية العلمانية؟
لقد أدركنا ndash; كما أدرك المستنيرون في العالم - أن إدارة أوباما عزمت أمرها علي دعم القوي الاستبدادية الجديدة، التي وصلت إلى السلطة عن طريق (الديمقراطية الشكلية). إن الإخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة الإسلامي في تونس، و حزب العدالة فى المغرب، والميليشيات الإسلامية العابرة للقوميات(تنظيم القاعدة) في ليبيا، تم دعمها جميعا وبصورة ممنهجة ومعتمدة من قبل واشنطن، وعلى حساب القوى الليبرالية والعلمانية في المنطقة.
في الولايات المتحدة (المصالح) هي التي تحدد السياسة الخارجية، وهناك جماعات تضغط بكل السبل للحصول على أهدافها التى لا تتعارض مع السياسة الخارجية. من أقوى جماعات الضغط هذه في الولايات المتحدة جماعة quot; الإخوان المسلمون quot; التي تشكل أكبر لوبي يعمل منذ سنوات طويلة، وحصل بالفعل على العديد من الامتيازات والفرص داخل الإدارة الأمريكية في عهد أوباما ونجح في توجيه السياسة الأميركية تجاه العالم العربي.
ومن بين المستشارين النافذين، quot; داليا مجاهد quot; المعروف عنها تعاطفها الشديد مع جماعة الإخوان المسلمين، والأستاذ المساعد لها البروفسور quot; جون اسبوزيتو quot; بجامعة جورج تاون. علي الجانب الآخر يوجد quot; لوبي إسلامي إيرانى quot; ظهر نفوذه الكبير مؤخرا، وبدأ بالتأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه ايران وحزب الله في المنطقة.
من أبرز أنشطة هذه اللوبيات الإسلامية في الولايات المتحدة، قدرتها علي شن الحروب السياسية والاعلامية ضد خصومها الليبراليين العرب والشرق أوسطيين والجماعات الشرقية في أميركا. وهذه المعركة تعد هي الأكثر أهمية في التأثير على سياسات واشنطن في العالم العربي.
والفكرة ببساطة هي : أن ضرب الليبراليين الشرق أوسطيين في واشنطن، الذين يحاولون كسب التأييد لمنظمات المجتمع المدني في المنطقة، معناه أنك قادرا على التأثير في توجيه موارد الحكومة الأمريكية وتحويل مسارها من دعم هؤلاء الليبراليين إلي دعم الإسلاميين في الشرق الأوسط.
اللافت للنظر في هذه الحرب الضارية التي تشنها اللوبيات الإسلامية في أمريكا، أنها لم تظهر فجأة أو بغته، وإنما بدأت منذ نهاية الحرب الباردة، وأستمرت في العمل طيلة العقود الماضية حتي طابت ثمارها مع إدارة أوباما وهبوب رياح الربيع العربي.
فقد شن الإخوان المسلمون عبر منظمة كير (مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية)، التي يقودها أنصار حماس quot; نهاد عوض quot;، فضلا عن MPAC، ISNA وغيرهم، حربا سياسية ضد ممثلي كتلة الليبراليين العرب والمسلمين المعتدلين، وتم منعهم من عرض قضيتهم على الرأي العام الأميركي.كما قام اللوبي الإيراني ممثلا في NIAC (اللجنة الوطنية الايرانية الاميركية) بقيادة quot; تريتا بارسى quot; في ضرب المنفيين الايرانيين بكل شراسة.
منذ العام 1990 ومنظمة quot; كير quot; وأتباعها يهاجمون quot; الأقباط quot; في مصر، والجنوبيين في السودان، واللبنانيين، والإصلاحيين السوريين والآشوريين والكلدان والمعارضين المسلمين لتوجهاتهم في الولايات المتحدة. وقام الأخوان المسلمون بشيطنة أى كتاب، أو مقال أو فيلم وثائقي يناصر قضايا الحريات والديمقراطية العلمانية في الشرق الأوسط في وسائل الإعلام الأمريكية.
وبسبب هذه الحملة الضارية والممنهجة، لم يعط الجمهور الأميركي الفرصة الكافية لمعرفة المزيد عن التوجهات الحقيقية لدى الشباب الليبرالي في المنطقة. وأدي ذلك إلى الاعتقاد بأن كل المسلمين والعرب في منطقة الشرق الأوسط ينتمون إلي فصيلة غريبة عن البشر الذين لا يقدرون الحرية.
أذكر أن الدكتور شوقي كاراس، رئيس الرابطة القبطية الأمريكية، تعرض في أواخر عام 1990 للمضايقة من قبل ناشطين اسلاميين لتحدثه عن نظام مبارك والإخوان المسلمين في أمريكا. وكيف تم تهديده بفقد وظيفته في الجامعة التي يدرس بها. كما تم الهجوم على القس كيث رودريك الذي جمع ائتلاف أكثر من 50 جماعة لحقوق المسلمين فى العالم كله. كما قاموا بمهاجمة أحد القادة المسلمين المعروف بإتجاهاته المدنية، وذلك لتجرأه وتحديه لخط الإخوان المسلمين فى أمريكا وأعلانه بأن أفكار الجهاديين المسلمين الذين هم سبب الكوارث فى المنطقة والعالم مستمدة من الإخوان المسلمين وكتاباتهم.
فضلا عن المعارضين الليبراليين المسلمين أمثال الصومالية ايان هاريسى، السعودي علي يامى، السورى فريد الغادري والايراني ارفين ماندا، وغيرهم الذين تم منعهم من الدفاع عن قضايا الحرية والديمقراطية العلمانية في الولايات المتحدة. أضف إلي ذلك الليبراليين المصريين، والعلمانيين الناشطين في مجال الديمقراطية في العراق، السودان، وسوريا، وغيرها من البلدان.
كما أستهدف اللوبي الموالي لإيران جماعات المعارضة الايرانية في أمريكا، وحاول تشويه سمعتها خصوصا مع صعود الثورة الخضراء في إيران، وتلطيخ سمعة الليبراليين الإيرانيون، فى بلادهم الأم.
المفارقة أنه منذ العام 1990 والسنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، دعمت الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة الجهود المبذولة من جانب اللوبيات الإسلامية، وقام كل من مبارك والبشير والقذافي والأسد والنظام الإيراني، بتأييد حملة quot; الإسلاموفوبيا quot; في الغرب والتي شنها أساسا مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية ونظيره الايراني ضد المعارضين الليبراليين واتهامهم بالعمالة للغرب بسبب دعوتهم للديمقراطية العلمانية في المنطقة.
حتي أعضاء الكونجرس الأمريكي لم يسلموا من هجوم اللوبيات الإسلامية، أمثال
الديمقراطي توم لانتوس، إليوت إنجل، هوارد بيرمان، غاري اكرمان والسناتور جو ليبرمان
وكذلك الجمهوري فرانك وولف، كريسميث، ترنت فرانكس وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين: جون ماكين، ريك سينتوروم وسام براونباك، لجهودهم في تمرير القوانين التشريعية دعما للديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط.
كما قامت quot; كير quot; وحلفاؤها بمهاجمة المفكرين الذين تصدوا لقضية اضطهاد العلمانيين والأقليات في العالم العربي وإيران.
من أبرز الذين تعرضوا للهجوم : نينا شيا، وبول مارشال من معهد هدسون ومؤسس فريق مكافحة الرق الدكتور تشارلز جاكوبس الذي فضح نظام السودان لجرائمه الوحشية.
اللوبيات الإسلامية تقود اليوم حملة لا هوادة فيها ضد كل من يقدم المشورة للحكومة الأمريكة من أجل التحرر الديمقراطي في المنطقة، حيث يتعرض البروفيسور وليد فارس لحرب شرسة في العديد من مواقع شبكة الانترنت، من قبل نهاد عوض ومنظمة quot; كير quot; والجهات المؤيدة لحزب الله وجماعة الإخوان المسلميين.
لقد ضرب فارس بكتاباته خاصة كتابه الأخير المعنون quot; الثورة القادمة : النضال من أجل الحرية في الشرق الأوسط quot; (نشر عام 2010)، أجندة الإسلاميين من خلال التنبؤ بالثورات في الشرق الأوسط، وكيف سيحاول الإسلاميون خطفها والسيطرة عليها.
وهو كناشط من أجل الحرية في الشرق الأوسط يقف مع المناضل مصطفى جيها، وهو ليبراليي مسلم، جنبا إلى جنب مع المعارضين والمشرعين والخبراء ونشطاء حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. كقوة دافعة للتغيير الاستراتيجي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة نحو دعم الديمقراطية العلمانية في المنطقة.
ولعل هذا ما يفسر، في النهاية : لماذا يقاتل الإسلاميون فى أمريكا بشراسة في معركة الأنظمة القادمة في الشرق الأوسط؟

[email protected]