هل تشجع امريكا انقلابا عسكريا لمنع فراغ كالفراغ الليبي؟

لندن

لشهور طويلة والمقاتلون السوريون يطالبون الدول الداعمة لقضيتهم بتزويدهم بأسلحة ثقيلة تساعدهم على حسم المعركة لصالحهم ضد الرئيس بشار الاسد، ولم تستجب اليهم اي من الدول الداعمة لهم بالسلاح الخفيف، ولا الدول الاوروبية وامريكا التي اكتفت بالدعم اللوجيستي او ما تسميه 'الاسلحة غير القاتلة'.
وتلقى المقاتلون دعما ماليا وعسكريا من دول الخليج - خاصة السعودية وقطر اللتين زودتهما باسلحة خفيفة وامتنعتا عن المضي قدما وتقديم اسلحة ثقيلة لهم على الرغم من دعوة كل من البلدين لتسليح المعارضة. ويبدو ان تردد الدولتين ليس نابعا من عدم قناعة باهمية الاسلحة ولكن لانهما لم تلقيا تشجيعا من الولايات المتحدة التي تخشى من وقوع هذه الاسلحة بأيدي 'ارهابيين'.
ونقلت صحيفة 'نيويورك تايمز' الامريكية عن خالد العطية، وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية قوله 'يمكن تزويد المقاتلين ببنادق اي كي ولكن لا يمكنك وقف جيش النظام بالاي كي'، واضاف ان تزويد المقاتلين بالاسلحة الثقيلة 'يجب ان يحدث' ولكن 'نحتاج الى مساندة من الولايات المتحدة وبشكل افضل الامم المتحدة'. ويقول مسؤولون سعوديون في الرياض ان الولايات المتحدة لم تمنعهم من تقديم صواريخ محمولة على الكتف لكنها حذرتهم من المخاطر. ويأمل القطريون والسعوديون باقناع الامريكيين بانه يمكن تجاوز هذه المخاطر، وبحسب مسؤول عربي لم تكشف عن اسمه قوله انهم يبحثون عن طرق لانشاء اليات تمنع من وقوع هذه الاسلحة بالايدي الخطأ. وتضيف الصحيفة ان دعم الولايات المتحدة لنقل هذه الاسلحة لن يتم في المنظور القريب لان ادارة اوباما اكدت انه لا نية لديها لتعميق دورها في الازمة والاكتفاء بالدعم اللوجيستي.
وفي رد على سؤال من الصحيفة قالت الخارجية الامريكية انها تقوم بعمل المناسب من اجل تمكين المقاتلين غير المسلحين كي يتحولوا الى قوة فاعلة وانها تعمل معهم للتحضير لعملية نقل السلطة.
وفي غياب التدخل العسكري الخارجي وبتفويض من الامم المتحدة وتدخل عربي كدعوة امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني فهناك خشية لدى المسؤولين السعوديين والقطريين من تعمق الخلافات الطائفية في سورية، كما ان استمرار حمام الدم سيحول سورية الى مركز جذب جهادي عالمي حيث لن يستمع الشباب لصوت العقل حسب الشيخ سلمان العودة، الداعية المعروف الذي اضاف ان الشباب سيجدون من يشجعهم على الجهاد. وهناك الكثير من الادلة التي تشير الى ما يقوله العودة فهناك اعداد غير معروفة من السعوديين ومن جنسيات مختلفة وجدت طريقها الى سورية اضافة الى اموال خاصة يقدمها متبرعون في الخليج لدعم الجهاد في سورية.
وابدت الحكومة حساسية تجاه اية محاولة لجمع التبرعات لدعم الجهاد في سورية وذلك عندما اعلن مجموعة من المشايخ عن حملة جمع تبرعات عبر فيسبوك لصالح المقاتلين السوريين، لتحذرهم الدولة وتمنعهم من القيام بذلك. وقد انتقد عدد منهم الدولة بالتضييق على عملية الجمع ومنهم العودة الذي قال ان الدعم لا يمكن تقييده بهذا الطريق او ذاك وسيجد من يريد الدعم سبلا اخرى لتوصيل التبرعات للمقاتلين. وتضيف الصحيفة الى ان الحكومة السعودية تواجه مطالب شعبية واسعة للعمل لحماية السنة في سورية.
ونقلت عن المحامي عبدالعزيز القاسم قوله ان هناك غضبا شعبيا عميقا في السعودية حيث يريد الشعب من الحكومة القيام بعمل اكثر. واشار القاسم الى شبكات قد اقيمت من اجل توفير الدعم عبر التبرعات الخاصة في الكويت وقطر حيث يقوم رجال اعمال مرتبطون بالحركة الاسلامية. وتعتقد الصحيفة ان السعودية وقطر عليهما لوم نفسيهما لان كلا من القناتين التابعتين لهما 'العربية' و'الجزيرة' قامتا بتعبئة الجماهير وحشد الغضب ضد الحكومة السورية والتعاطف مع المعارضة المسلحة.
وعلى الرغم من عدم اعتراف قطر والسعودية بتقديم الدعم للمقاتلين الا ان من قابلتهم في انطاكية تحدثوا علنا عن الدعم الذي يتلقونه من الدولتين، حيث يقوم ممثل السعودية في اسطنبول وهو سياسي لبناني من تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري نجل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري. ويقول بعض المقاتلين ان شحنات الاسلحة تصل اسبوعيا وان لم تكن بحجم كبير. ونقلت الصحيفة عن احد العناصر في المعارضة المسلحة قوله ان السعودية تميل لدعم الجماعات العلمانية في المعارضة فيما يظهر ان قطر قريبة من الاخوان المسلمين.
وتختم بالقول ان تحديد هوية الجماعات صعب لان بعضها يغيرها حسب المتوفر، حيث يتبنون شعارات اسلامية للحصول على الدعم بل وذهب بعضهم لابعد من هذا حيث اطلقوا على جماعتهم المقاتلة 'كتيبية رفيق الحريري'. واظهرت لقاءات من داخل سورية اجراها صحافيون اجانب مع قادة قولهم انهم لا يمانعون العمل والتعاون مع الجماعات السلفية طالما حصلوا على الدعم، وهناك من المقاتلين ممن اطلق لحيته واخذ يلبس لباس السلفيين كي يحظى بالدعم.

حزب الله

ويبدو المشهد السوري اكثر فوضوية حيث تعمل اكثر من قوة على الساحة، حيث اوردت صحف بريطانية عن حشد كردي في داخل المعسكرات السرية في داخل كردستان العراق لحسم المعركة مع النظام السوري، وتقرير اخر في صحيفة 'التايمز' تحدث عن وجود 1500 مقاتل من حزب الله يقاتلون الى جانب نظام بشار الاسد. وتأتي هذه التقارير وسط مقتل احد قادة حزب الله في سورية حيث قال ان القيادي الذي قتل 'اثناء قيامه بواجباته الجهادية' ويعتبر علي ناصيف من مؤسسي الحزب. وتقول الصحيفة انه على الرغم من نفي الرسمي للدعم الا ان مقابلات مع مصادر شيعية اكدت وجود هذا الدعم اضافة لمصادر من الجيش الحر، اضافة الى تصريحات نواب من تيار المستقبل المعارض للنظام السوري، وليست هذه المرة تشير الصحيفة الى الرقم 1500 بل وذكرته قبل اشهر.
وقد اعترف الحرس الثوري الايراني بوجود مستشارين عسكريين يقدمون النصح والارشاد بدون المشاركة في العمليات القتالية ضد المعارضة. وتقول الصحيفة ان دعم حزب الله يشتمل على المعونات اللوجيستية وتدريب القناصة والشبيحة. ومصدر العدد 1500 هو ضابط منشق عن سلاح الجو السوري الذي انشق وفر الى لبنان حيث قال ان هناك ايضا 1500 من الحرس الثوري الايراني. ومصدر الضابط المنشق نفسه ضابط مخابرات اخر اخبره قبل ان ينشق.

تدريبات للاكراد

في الجانب الاخر من معادلة الفصائل الاخرى العاملة ضد النظام هم الاكراد الذين تخلوا عن حيادهم وقرروا تنظيم صفوفهم بعيدا عن المعارضة التي يرون في اجندتها استمرارا للتيار العروبي الذي يتعارض مع قوميتهم والمعارضة المسلحة، حيث قالت صحيفة 'اندبندنت' ان معسكرات سرية اقيمت في الجبال الوعرة في شمال العراق، حيث يقوم منشقون اكراد عن الجيش السوري بالتدريب من اجل حماية منشآت النفط في المناطق الشمالية ـ الشرقية من البلاد والتي يتركز فيها الوجود الكردي. وتقول الصحيفة ان مئات من الاكراد السوريين يتدربون مع قوات الحكومة الاقليمية في كردستان ـ البشمركة - ويخطط لارسالهم مرة اخرى لحماية مناطق الاكراد حالة اندلاع قتال مع قوات الحكومة السورية او الجيش الحر. ونقلت عن فلاج مصطفى بكر، وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الاقليمية قوله ان ما يتلقونه من تدريبات للدفاع عن النفس وحماية اهاليهم ومناطقهم وليس من اجل القيام بعمليات عدوانية. وكانت القوات السورية قد انسحبت من خمس بلدات تاركة امرها للاحزاب الكردية، حيث تتضافر التقارير عن قيامهم بالتحضير لمرحلة ما بعد الاسد ـ وكانت الحكومة السورية قد سحبت قواتها لتخفيف الضغط على قواتها التي تقاتل على اكثر من جبهة ولتجنب فتح جبهة جديدة مع الاكراد.

عليكم التعلم منا

وقال بكر ان اكراد سورية يجب ان يتعلموا من تجربة اكراد العراق الذين اكدوا استقلاليتهم في مناطقهم بعد الحظر الجوي على صدام حسين، وقال ان هناك الكثير من الواجبات التي يجب تعلمها قبل انهيار النظام.
ومع ذلك هناك مخاوف من انتشار عدوى الفوضى التي تغمر معظم البلاد في مناطقهم خاصة ان منشآت النفط في الحسكة التي تعيش فيها غالبية كردية. وتشير الصحيفة الى ان العدوى بدأت تصل اليهم خاصة بعد تفجير انابيب النفط في المدينة النفطية والذي يعتبر الاكبر، حيث يعتقد المسؤولون انه من تدبير جهات خارجية. ونقلت عن لاجىء كردي في العراق قوله ان عددا من اصدقائه الآن في معسكرات التدريب ويتلقون معونة صغيرة من الحكومة الاقليمية، واعترف انه لا يعرف الكثير عما يفعلونه. ويبدو ان خطط اعادة المجندين لسورية قد تأجل بسبب الخلافات بين الجماعات الكردية داخل سورية. ففي تموز (يوليو) الماضي دعا مسعود بارزاني حاكم اقليم كردستان الجماعات الكردية السورية لاربيل كي يوقعوا اتفاقا تشارك في السلطة. وعلى الرغم من الاتفاق فان الجماعات الكردية الاخرى تشكو من استئثار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالسلطة وهو حزب قريب من حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الحكومة التركية.
واشتكى مصطفى جمعة من حزب ازاد الكردي السوري من حزب الاتحاد بانه الذي يقف امام عودة المجندين لانه يريد ادارة المنطقة وحده. وحلت الآن قوات جديدة لحماية المعابر عند الحدود محل القوات السورية، حيث تقوم وحدات الحماية الشعبية بالمهمة، وهي منظمة سرية يرفض عناصرها التحدث للاعلام، ويعتقد انها مرتبط بحزب الوحدة على الرغم من تأكيدها على الاستقلالية. ويقول ساسة محليون ان عدد افرادها الوحدة يقترب من الف.
جهاديون

وبالاضافة للطيف المحلي من الحركات المقاتلة الجهادية والسلفية تحولت الانتفاضة السورية الى محط جذب للمقاتلين من كافة انحاء العالم، بعضهم يدفعهم الواجب الديني واخرون وهو ما ورد في تقرير لصحيفة 'صندي تايمز'. وتشير الصحيفة الى رحلة رجل كان يعمل في بنك معروف حيث قرر ترك عمله والسفر لسورية. ويشير التقرير الى ان غالبية المقاتلين هم من اصول اسيوية ومن شمال افريقيا حيث انضموا للقتال في سورية والذي بدأ من عشرين شهرا تقريبا. وكشف سابقا عن طبيب يعمل في العناية الصحية البريطانية. ونقلت عن العامل السابق في البنك قوله ان ما يدفع هؤلاء هو حسهم بتقديم المساعدة لاخوانهم السوريين. وجاء تدفق المجاهدين الاجانب وسط مخاوف من الحكومات الغربية من تكرار التجربة الافغانية، حيث ينقل هؤلاء خبراتهم التي تعلموها في ساحات القتال لشوارع المدن الغربية.
انقلاب

وفي تحليل لصحيفة 'اندبندنت اون صندي' كتبه باتريك كوكبيرن جاء فيه ان التطورات الاخيرة على الجبهة مع تركيا وانهيار العملة في ايران، قد تدفع الولايات المتحدة لاعادة النظر في حساباتها حيث قد ترى ان حربا اهلية طويلة لا منتصر فيها او مهزوم تعمل في النهاية على انهيار الحكومة المركزية، وتفتح المجال امام القوى للاستفادة من الفراغ بمن فيها جماعات القاعدة، ويشير الى ان الفراغ في ليبيا ومقتل سفير واشنطن فيها كريستوفر ستيفنز مثال واضح.
ويشير ان نتيجة الحرب الاهلية تأتي في صالح امريكا من خلال تنظيم انقلاب عسكري، ويشير الى ما كتبه سفير امريكا السابق في العراق زلماي خليل زاد في مجلة فورين بوليسي ودعا فيه الادارة الى تقوية المعتدلين في داخل المعارضة، وحرف ميزان القوة من خلال الدعم العسكري واللوجيستي، والعمل على تشجيع انقلاب من داخل النظام بشكل يؤدي الى تشارك في السلطة يحمي مصالح روسيا مقابل تعاونها.
ويقول زاد انه بتحول امريكا الى المزود الرئيسي للاسلحة فانها تتحول الى العامل المؤثر في الانتفاضة كما انها تؤثر على القيادة الجديدة البارز في سورية. ويرى زاد ان هذه الجهود ستؤدي الى عقد مؤتمر سلام على غرار مؤتمر الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية عام 1989. ويعلق كوكبيرن ان تورط امريكا في تقديم الاسلحة للمعارضة خطيرا وتسليم المهمة للسعودية ودول الخليج الاخرى سيكون اخطر حيث ستصل الاموال والاسلحة للجماعات السنية المتطرفة على حد قوله كما حدث في التجربة الافغانية. وبدلا من القتال لانهاء النظام فان مؤتمر سلام يجمع كل اللاعبين قد يكون الطريق الوحيد لانهاء الحرب في سورية، ولكن هذا طريق طويل نظرا للحقد والخوف المتعمق بينها. ويدعو الكاتب لعدم التقليل من الموقف الايراني واخذه بالاعتبار.