محمد نور الدين
حادثة raquo;آقتشاكاليlaquo; التي سقط خلالها خمسة مواطنين أتراك بقذيفة سورية أشعلت الملف السوري في تركيا من جديد . بحسب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لم يكن الحادث الأول من نوعه، بل سبقته انتهاكات سورية للسيادة التركية سبع مرات، لذلك يرى أردوغان أن الحادثة لم تكن مصادفة بل كانت منظمة وهادفة . سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فإن ردة الفعل التركية اختلفت هذه المرة، رغم أن إسقاط طائرة تركية قبل أشهر من قبل سوريا ومقتل طيارَيها، كان أخطر بما لا يقاس من حادثة آقتشاكالي التي وقعت في الثالث من الشهر الجاري .
ردة الفعل التركية ربما يكون مبالغاً فيها، فمثل هذه الحوادث تحدث خلال الحروب، خصوصاً أن الاشتباكات بين الجيش السوري والمسلحين المعارضين تجري مباشرة على خط الحدود مع تركيا . إضافة إلى أن المناخ الدولي لا يساعد على تصعيد التوتر بين دولتين خشية الانزلاق إلى حرب غير محسوبة .
1- جاءت الحادثة مباشرة بعد ثلاثة أيام على تنصيب أردوغان زعيماً وسلطاناً غير منازع على حزب العدالة والتنمية وعلى تركيا . بل إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل نصّبه أيضاً زعيماً للعالم الإسلامي . لذا كانت الحاجة إلى ترميم ما يمكن اعتباره كسراً لهيبة الزعيم المتجدد عبر ردة فعل عالية النبرة .
2- هناك إجماع من جانب كل مراكز استطلاع الرأي التركية والأجنبية أن ما بين ستين إلى ثمانين في المئة من الرأي العام التركي يعارضون سياسة أردوغان تجاه سوريا، وكذلك المبادرة إلى أي عمل عسكري . مقتل الأتراك الخمسة كان فرصة لأردوغان لمحاولة شد العصب القومي إلى سياسته السورية واستعادة الدعم الذي تراجع كثيراً .
3- نظرت تركيا ولا سيما أردوغان بسلبية إلى raquo;السلوك الفاترlaquo; الذي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه محاولات التصعيد العسكري ضد سوريا . والحادثة شكلت فرصة أيضاً لأردوغان لمحاولة الضغط على واشنطن لتغيير فتورها والوقوف إلى جانب تركيا المتحفزة دوماً إلى عمل عسكري بهدف إسقاط النظام السوري أو إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد على الأقل .
4- تسعى تركيا من خلال ردة فعلها العالية على حادثة آقتشاكالي إلى بلورة مرحلة جديدة في تعاملها مع الوضع في سوريا عبر تسخين مفتوح للجبهة العسكرية لهدفين أساسيين:
أ- خلق حالة جديدة من التوتر العسكري على امتداد الحدود لا يرقى إلى درجة الانفجار العسكري الكبير، لكن على الأقل تهيئة الجبهة العسكرية للانتقال إلى مثل تلك الخطوة الكبيرة في حال توافرت شروط ذلك، بحيث لا تنطلق خطوة التفجير من نقطة الصفر، بل تكون المناخات مهيأة مسبقاً .
ب- الانطلاق من خطوة تسخين الجبهة العسكرية إلى خطوة عملية في حال نشوء واقع كردي في شمالي سوريا في اتجاه خلق كيان كردي . بحيث تقدم تركيا على خطوة احتلال شمالي سوريا بذريعة التوتر مع سوريا، بينما يكون الهدف الفعلي والاستراتيجي هو منع ووأد أي محاولة كردية للانفصال في شمالي سوريا، وعدم تكرار تجربة كردستان العراق، لا سيما أن أكراد تركيا يتطلعون علناً إلى إقامة منطقة حكم ذاتي لهم في تركيا والاستقلال الكامل إذا سنحت الظروف لاحقاً .
هذان الهدفان يتطلبان عمليات عسكرية خارج الحدود في اللحظة المناسبة، ما يتطلب بدوره استصدار تفويض من البرلمان إلى الحكومة لإرسال قوات خارج الحدود، وهو ما حصل فعلياً بعد الحادثة بيوم واحد . مع الإشارة هنا إلى أن التفويض هذه المرة مفتوح ولا يحدد سوريا بالاسم، ويمكن استخدامه لكل الدول الخارجية وهذا ما يرى البعض أنه مخالف للدستور، إذ يجب تحديد البقعة الجغرافية للقوات المرسلة إلى الخارج .
بدت تركيا عاجزة عن تحقيق أهدافها الثلاثة الأولى، إذ إن هجوم المعارضة على الحكومة ازداد بعد التفويض البرلماني لجهة أن تركيا غرقت في المستنقع السوري . والأخطر أنها تُركت وحدها ولم تجد من يدعمها فعلياً لا في البيت الأبيض ولا في مقر حلف الناتو . ومن دون ضوء أخضر أمريكي لا يمكن لتركيا أن تتقدم بوصة واحدة إلى الأمام . لذلك فإن التصعيد التركي سيبقى في الإطار اللفظي، وسيعمق مأزق حكومة أردوغان في سوريا الذي من تعبيراته استعداد وزير الخارجية أحمد داود أوغلو تكليف أحد مسؤولي النظام مثل نائب الرئيس فاروق الشرع قيادة المرحلة الانتقالية من أجل تحقيق هدف التخلص من الأسد شخصياً مهما كانت الوسيلة .
التعليقات