لندن

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصرخ في البرية وما من سامع له ولصراخه، لان الرجل بات معزولا سياسيا في مكتبه في مدينة رام الله بعد ان انفض من حوله الكثيرون من اصدقائه في الغرب والشرق، وتصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية التي تشتكي من الغلاء وتأخر الرواتب بسبب عجز السلطة التي يتزعمها عن تسديدها في وقتها تحت ذريعة الازمة المالية.
بالامس اكد الرئيس عباس في رسالة وجهها الى الرئيس الامريكي باراك اوباما انه مستعد لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل بعد حصول فلسطين على وضع دولة غير عضو في الامم المتحدة، وشدد فيها ايضا على التزامه المطلق بحل الدولتين.


الرئيس باراك اوباما ليس في وارد الرد على هذه الرسالة، بل نشك في انه قرأها، وان قرأها فعلا فانه سيضعها جانبا، لانه منشغل بتراجع حظوظه الانتخابية امام منافسه الجمهوري ميت رومني، وكيفية استعادة زمام المبادرة مجددا في اوساط الناخبين واستطلاعات الرأي التي تضعه ثانيا في السباق الى البيت الابيض.
وضع الرئيس عباس يتسم بالحرج، فالرئيس اوباما يقف على بعد 20 يوما من الانتخابات الرئاسية التي يأمل ان تقوده الى الفوز بولاية ثانية، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي وشريكه في المفاوضات حل الكنيست (البرلمان) امس ودعا الى انتخابات مبكرة منتصف كانون الثاني (يناير) المقبل تؤكد التحليلات انه سيفوز فيها فوزا ساحقا.
حراجة الرئيس عباس تكمن في كونه رئيسا انتهت صلاحياته منذ عامين، وصلاحية كل المؤسسات التي يتزعمها مثل المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية للمنظمة، والمجلس التشريعي، ومع ذلك ما زال يصر على انه الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني، ويملك بالتالي التفويض للذهاب الى طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاق سلام مع الاسرائيليين.
المفاوضات انهارت، ومعها حل الدولتين، ليس بسبب الاعتراف الاممي بفلسطين كدولة غير عضو في الامم المتحدة او عدمه، وانما بسبب سياسة نتنياهو الاستيطانية التي غيرت المعالم الجغرافية والبشرية في القدس المحتلة لصالح اليهود، واقامت مستوطنات جديدة في معظم انحاء الضفة الغربية، بحيث اصبح عدد المستوطنين اليهود اكثر من نصف مليون مستوطن، بعد ان كانوا اقل من نصف هذا العدد عندما وقعت منظمة التحرير اتفاقات اوسلو في ايلول (سبتمبر) عام 1993 في حديقة البيت الابيض.


وقد يجادل المتحدثون باسم الرئيس عباس وبعض اصدقائه بان الحصول على اعتراف الامم المتحدة بالدولة الفلسطينية الذي يسعى اليه عباس انجاز كبير في ظل تراجع الاهتمام العربي والعالمي بالقضية الفلسطينية، لان المفاوضات ستستمر في المستقبل، وفي حال استئنافها بين دولتين واحدة محتلة وثانية تحت الاحتلال.
هذا جدل عقيم ولا يقنع اكثر الناس سذاجة في الوسط الفلسطيني، فاذا كان الرئيس عباس لا يستطيع التقدم مجرد التقدم بطلب الى الجمعية العامة للامم المتحدة في هذا الخصوص قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية حتى لا يغضب اوباما وادارته، فهل سيستطيع ان يعود الى المفاوضات بصورة اقوى في حال استئنافها وبالصورة التي يريدها؟
اوباما كافأ الرئيس عباس على كل تنازلاته واستجابته لاوامره وتعليماته بتأخير موعد التصويت على طلب عضوية الامم المتحدة بارسال رسالة الى حلفائه في اوروبا بعدم التصويت لصالح المشروع الفلسطيني، لان الطريق الوحيد للدولة الفلسطينية هو عبر المفاوضات المباشرة مع الاسرائيليين لاقامة دولتين واحدة يهودية واخرى فلسطينية.
على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة قبل شهر التقى الرئيس عباس برئيس الوزراء الكندي حيث طالبه الاخير بالتراجع عن مشروع طلب العضوية في الامم المتحدة لما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج سيئة اذا ما سار فيه قدما، فرد عليه الرئيس عباس بالقول بان فشل مشروع الاعتراف بالدولة سيدفعه الى حل السلطة الفلسطينية.


الرئيس عباس هدد اكثر من مرة بحل السلطة، حتى بات هذا التهديد فارغا من اي مضمون، والاكثر من ذلك انه لم يعد يؤخذ بالجدية من اي احد سواء في فلسطين او العالم.
فليذهب عباس الى المفاوضات او الى اي مكان اخر فهذا شأنه، ولكن ما يجب ان يعلمه جيدا انه لم يعد يملك تفويضا من الشعب الفلسطيني للحديث باسمه ناهيك عن توقيع اتفاقات سلام مع الاسرائيليين.