عبدالله النيباري

في تقييم نتائج الانتخابات، وفي اجواء حدة الاستقطابات التي نواجهها، ستختلف الاجتهادات في التقييم، وكل طرف سيحاول تدعيم وجهة نظره وموقفه، وكل يدعي انه يملك الحقيقة والرأي الصائب والتقدير الموضوعي.. ومع ذلك، لابد من ابداء الرأي، وفي النهاية التقدير للقارئ، وعلى الاخص المتتبع، ليس اليوم فقط، ولكن ربما للتاريخ.

اود ان ابدأ بطرح تقديري حول نتائج الانتخابات ثم آثارها.

في البداية، اريد ان اعبر عن حساباتي وتحليلي للنتائج التي تختلف مع مؤيدي نهج السلطة.

واقول ابتداء ان حساباتي، وفقا لما اعلن من نتائج على موقع وزارة الاعلام، فإن نسبة المشاركة ليست 40 في المائة، وانما هي 38.5 في المائة، وان المقاطعة كانت كبيرة وناجحة، وهي بنسبة 61.5 في المائة، وليست كما يحاول بعضهم فذلكتها بأنها 20 في المائة، او 18 في المائة.. هذه laquo;الفذلكةraquo; هي مقارنة بين المشاركين في الانتخابات الاخيرة والمشاركين في انتخابات فبراير 2012، وخطأها انها تفترض الغاء 40 في المائة من الناخبين.. وهذا قياس مغلوط ومضلل، ولو جارينا هذا القياس، فسوف نكتشف واقعا اكثر بشاعة.


المكون الشيعي

فالثابت الآن، كما عكسته النتائج، ان اقبال ابناء الطائفة الشيعية على المشاركة اكثر من ابناء الطائفة السنية بفارق كبير، ومعنى ذلك ان المكون الشيعي الذي يقدر حجمه بعشرين في المائة من الناخبين يكون نصف الاربعين في المائة، وهذا يعني ان نسبة السنة المشاركين في الانتخابات هو 20 في المائة، الباقية فقط، و80 في المائة من السنة مقاطعون، وهذا امر افدح من توقعنا عند القول بان نسبة المشاركين هي 40 في المائة، والحقيقة هي 38.5 في المائة، ونسبة المقاطعين هي 60 في المائة، والاصح انها 61.5 في المائة.


نسبة النجاح

الامر الثاني، هو تدني اصوات المرشحين الناجحين، نسبة الى عدد الناخبين في كل دائرة. ففي النظام السابق 5 دوائر واربعة اصوات، كانت نسبة النجاح للاول في الدائرة حوالى 20 في المائة من اصوات الناخبين في الدائرة، والخامس بين 3 الى 4 في المائة، والعاشر، وهو الاخير، كان يحصل على 10 في المائة من اصوات الناخبين في الدائرة.

اما في نظام الصوت الواحد، فقد تدنت النسبة اللازمة للنجاح للاول الى 7 في المائة، والخامس الى ما بين 4 - 3 في المائة، والعاشر الى ما بين 1 - 2 في المائة، وفي الدائرة الخامسة انخفضت الى 0.5 في المائة، أي نصف في المائة، وهذا يثير التساؤل: هل نسبة النجاح هذه تعبر عن ثقة الشعب وتمثيله في البرلمان؟

الأنظمة الانتخابية في جميع دول العالم يستهدف النظام الانتخابي فيها أن يكون نجاح المرشح في أي انتخابات هو الاقتراب من أكثر من 50 في المائة، لذلك فنظام الصوت الواحد الذي يختار فيه الناخب واحداً من بين عشرة هو نظام غريب مبتدع لا وجود له بين الأنظمة الانتخابية المعمول بها في تاريخ الانتخابات في دول العالم، وهو لا يعبر عن إرادة الناخبين ويتشرف بتمثيلهم وهو جوهر النظام الانتخابي الديموقراطي.


تداعيات الصوت الواحد

الآن، لنعد إلى تبيان تداعيات انتخابات الصوت الواحد وآثارها السياسية والاجتماعية.

لقد جرت انتخابات مجلس الأمة الكويتي الرابع عشر في الأول من ديسمبر في جو ملبد بالغيوم والاستقطابات محلياً وإقليمياً وعربياً، فالوضع العربي بعد ثورات الربيع العربي لا يتجه نحو الاستقرار، فالصدام في مصر تتصاعد حدته بين قوى المعارضة المدنية وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من الإسلاميين، الذين اختطفوا ثورة الشباب، وهم ماضون على نهج النموذجين الإيراني والسوداني، للاستحواذ على مفاصل السلطة، والرئيس مرسي في طريقه إلى استكمال ذلك، والتحول إلى فرعون ببدلة أفرنجي، ولحية! وهو ما ينذر بالوصول إلى ديموقراطية مرة واحدة، أي التمسك بالسلطة وتزييف الآليات الديموقراطية.

والوضع في سوريا يزداد اشتعالاً، ونزيف الدم يتعاظم، مع تزايد استخدام الطائرات المقاتلة والمدافع الثقيلة في حصد أرواح الناس، وتواتر الحديث عن احتمالات استخدام الأسلحة الكيماوية، وقد ازداد عدد القتلى، يوم الاثنين الماضي، إلى أكثر من 235 شهيداً، طبعاً الأغلبية العظمى منهم مدنيون، وفي تونس تكرار مصغر لما يحدث في مصر.


وضع الخليج

أما عن الوضع الإقليمي في الخليج، فأحداث البحرين لم تشهد هدوءاً بعد مرور ما يقارب 20 شهراً على حركة الاحتجاج الشعبية، رغم مناشدات الدول الكبرى والمجتمع الدولي.

هذه الأجواء العربية والإقليمية انعكست على الكويت، بتغذية الاستقطاب ورفع درجة حدته، خصوصاً أحداث البحرين وسوريا.

ونتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي لا تبنئ بأننا متجهون إلى تحقيق الاستقرار، ولا ما بشر به المؤيدون لإجراءات السلطة، باعتماد صوت واحد للناخب، في خمس دوائر بعشرة نواب لكل دائرة، ولا الوصول إلى ما روّج له بعض الكُتاب بولوج منعطف جديد ومرحلة التطوير الديموقراطي، ودفع عجلة التنمية.

الاحتمال الأكبر أننا على أبواب مرحلة سوف تشتد وتتعمق فيها الاستقطابات، كنا، في السنوات الست الأخيرة، نعاني مما شهدته الساحة السياسية من ظاهرة تدني الخطاب السياسي الهابط والنبرة التي تطورت لدرجة الاستفزاز والإقصاء والتطاول والتجريح، ولكن المؤسف أننا بدلاً من ان نقف ونتبصر، لنبحث عن علاج ناجع يحد من درجة الاستقطاب، ويقلل من حدة الانقسامات الاجتماعية، دفعتنا خيارات السلطة بسبب فقدان بُعد النظر والرؤية وغياب الحكمة والحنكة السياسية إلى نفق أكثر عتمة وظلاماً، ودفعتنا الى طريق وعر وتصرفت كالذي laquo;يطلع من حفرة ليطيح في جليبraquo;، أو كما يقول المثل laquo;لأمر ما جدع قصير أنفهraquo;، ان تكلفة نظام الصوت الواحد أكبر بكثير مما كانت السلطة تخشاه من نظام الدوائر الخمس، فإذا كان النظام السابق قد قسَّم المجتمع الى قطاع قبلي وقطاع حضري، فنظام الصوت الواحد لم يعالج تلك الظاهرة، بل أضاف إليها الآن تصاعد حدة الانقسام الطائفي.

نحن مجتمع يحمل في ثناياه ترسبات موروثة تاريخياً، تمتد جذورها في الانتماءات الفئوية، عرقية ومذهبية، هذه الترسبات موجودة في كل المجتمعات، لكنها تضاءلت مع تطور العلم والفكر والثقافة، وتأثير ذلك في السلوك والمواقف، وعلى الأخص السلوك السياسي.


فرق تسد

سياسة السلطة منذ عقود كانت تفضل الانقسامات وتعزيزها لتوظفها لمصلحتها، على طريقة laquo;فرق تسدraquo;.

لم تنتبه ولم تدرك ضرورة تبني سياسات من شأنها تذويب الفروقات والانقسامات، لتعزيز تلاحم النسيج الاجتماعي.

في العقود الماضية لا يذكر أحد ظاهرة حديث التلاميذ في المدارس باللغة الفئوية، حضري وبدوي وشيعي وسني.

ما يواجهه المجتمع الكويتي اليوم هو تصدع في البنية الاجتماعية، وما أصبحنا نعانيه ليس laquo;شق عودraquo;، بل شروخ في النسيج الاجتماعي والسياسي.

ليس نظام الانتخاب بالصوت الواحد هو الذي استنبت ذلك، طبعاً لا، لكنه عمَّق الشروخ والتصدعات بشكل غير مسبوق.


مراجعة

ومع الأسف، فإن العلاج يزداد صعوبة وتعقيداً، وقد يأخذ وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً، هذا إذا اهتدينا الى حل، واذا أعادت السلطة مراجعة نهجها.

لا شك ان التطورات السياسية في المنطقة وتصاعد ظاهرة الإسلام السياسي كان لهما دور كبير في ذلك، فالغلو الديني وادخال الدين في السياسة حتماً يؤديان الى الفرز الطائفي، وكل فريق يذهب الى مرجعياته، وهي مختلفة، واذا خالطها صراع سياسي كما هي حالنا اليوم بين معسكر سوريا وإيران ومعسكر الإخوان والسلف، فالانقسام يزداد عمقاً، وقد يتحول الى صراع.

تاريخ تعامل السلطة مع الشعب لا يفسح مجالاً كبيراً للتفاؤل، وخصوصا عند الحديث حول المآخذ على شخصيات النواب، وغالبيتهم يحملون مطالبهم ومصالحهم الذاتية أكثر من اهتمامهم بالشأن العام، وما يطرحون من شعارات تفتقد المصداقية.

ملاحظة أخيرة: هل من المناسب ان يتصرف النواب من أبناء الشيعة ككتلة طائفية والتنسيق حول تشكيل الوزارة وحجم الحصة الطائفية؟

ما نعرفه وما نتمناه أنهم ذوو اتجاهات ومواقف متباينة وغير ذلك أمر سيئ، والتصرف ككتلة ينشئ نهجاً مستحدثاً من شأنه ان يعمق الانقسام لا يضيقه، ويوسع الفجوة ولا يردمها.

أتمنى عليهم إعادة النظر في هذا النهج.